دمشق عواصم وكالات – استأثر الملف السوري باهتمام عالمي الاسبوع الماضي خاطفاً الاضواء من الساحات المصرية والعربية الاخرى الساخنة، فقد أثارت قضية استشهاد مئات السوريين، معظمهم من الأطفال، في الغوطة الدمشقية، الرأي العام العالمي، يوم الأربعاء، وخصوصا مع انتشار صور الأطفال الشهداء، والمدنيين الذين قضوا في مجزرة سارعت وسائل الإعلام المعارضة لسوريا باتهام النظام بارتكابها، وسط ضغوطات لانعقاد مجلس الأمن، الذي ما لبث ان انعقد سريعاً بطلب فرنسي بريطاني، لكنه لم يتبَنَّ أيَّ بيان ٍرسمي حولَ الملف واكتفى بالمطالبة بكشف الحقيقة حولَ الهجوم.
سوري يتنقل بين جثث ضحايا الهجوم الكيمياوي في الغوطة. |
وقال دبلوماسيون إن روسيا والصين، اعترضتا على تبني بيان رسمي. وعلى غرار ما جرى بالنسبة للأزمة المصرية الأسبوع السابق، كما لم تبد الولايات المتحدة تمسكاً بالموقف الأوروبي حيث قالت وزارة الخارجية يوم الخميس الماضي أن الولايات المتحدة غير قادرة على القول بشكل قاطع أن أسلحة كيماوية استخدمت في الهجوم الذي وقع على بعد بضعة كيلومترات من مقر إقامة البعثة الأممية المرسلة للتحقيق حول استخدام الأسلحة الكيميائية.
وفي موسكو أعلن الكسندر لوكاشيفيتش المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية يوم الأربعاء 21 آب (أغسطس) أن الصاروخ بالمواد الكيميائية الذي أطلق على الضواحي الشرقية لدمشق من مواقع المسلحين. وجاء في بيان للمتحدث: «أطلق على الضواحي الشرقية لدمشق من مواقع المسلحين صاروخ يدوي الصنع مماثل للصاروخ الذي استخدمه المسلحون في 19 آذار (مارس) بخان العسل، يحتوي على مواد كيميائية سامة لم يتم تحديدها بعد». وقال لوكاشيفيتش: «إن ما يلفت الانتباه، هو أن وسائل الاعلام الاقليمية المنحازة بدأت فوراً، وكأنها تلقت أمرا، بهجوم اعلامي شرس، وحملت الحكومة السورية كامل المسؤولية. وإن كل ذلك لا يمكن إلا أن يبعث على التفكير في أننا نرى عملا استفزازيا آخر، مخطط له مسبقاً».
بدورها، قالت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية في بيان: «إن قنوات الفتنة والتضليل وسفك الدم السوري قامت كعادتها بالادعاء كذباً أن الجيش العربي السوري استخدم الأسلحة الكيماوية في مناطق ريف دمشق».
وجاء في البيان إن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة: إذ تؤكد أن هذه الادعاءات باطلة جملة وتفصيلاً وعارية تماماً من الصحة وتندرج في إطار الحرب الإعلامية القذرة التي تقودها بعض الدول إعلامياً ضد سوريا فانها تشدد على استكمال مهامها الوطنية في مواجهة الإرهاب أينما كان على تراب الجمهورية العربية السورية تنفيذاً لواجبها في حماية الوطن والمواطن».
وإختتم البيان إن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة إذ تؤكد إصرارها على تنفيذ واجباتها الدستورية في تخليص الوطن من رجس المجموعات الإرهابية المسلحة «تدعو كل من يحمل السلاح ضد الدولة إلى تسليم نفسه للجهات المختصة لتسوية وضعه قبل فوات الأوان».
وبالفعل، كان الميدان السوري يشهد عمليات عسكرية موسعة للجيش السوري على مناطق تجمع المسلحين في أنحاء عديدة من ريف دمشق وفي أحياء القابون وبرزة وجوبر المحاذية للعاصمة السورية.
وشمالاً استكمل الجيش السوري تقدمه باتجاه سلمى وربيعة التي تعد المعقل الرئيسي للمعارضة في ريف اللاذقية الشمالي.
وقد أحكم الجيش السوري سيطرته الكاملة على جبل النبي أشعيا والمناطق المحطية به في ريف اللاذقية الشمالي، ما يعني إعادة السيطرة على المناطق التي استولى عليها مسلحو المعارضة منذ إعلان معركة «تحرير الساحل» قبل أسبوعين، والتي يقول المراقبون انها انتهت بفشل ذريع مع الهجوم المضاد الذي شنه الجيش السوري مدعماً باللجان الشعبية.
وقد تم اكتشاف مقابر جماعية في المنطقة ضمت حوالي ٢٠٠ جثة لأهالي القرى التي اجتاحها آلاف المسلحين.
ونقلت وكالة «سانا» السورية للأنباء عن مصدر مسؤول قوله إنه: تم القضاء على آخر تجمعات الإرهابيين في المنطقة ومصادرة أسلحتهم وذخيرتهم وتفكيك عبوات ناسفة زرعوها في المنطقة قبل أن يسقطوا قتلى..
كما حقق الجيش السوري تقدماً في ريف دمشق والغوطة الشرقية، فيما ارتفعت الإستعدادت لمعركة السلسلة الشرقية لريف دمشق الشمالي الغربي، ونشرت بعض مواقع المعارضة على الإنترنت صوراً لمقاتلين في هذه المنطقة إستعداداً لقيام الجيش السوري بعملية فيها.
وتحدث المراسلون عن اشتباكات عنيفة دارت في محيط بلدة دير سلمان التي تشكل هدفاً لعملية الجيش السوري، وتتيح السيطرة على هذه المنطقة تأمين محيط مطار دمشق الدولي، وفتح المعارك باتجاه قلب الغوطة الشرقية.
وأفاد مراسلون عن سقوط عشرات القذائف على قلب العاصمة وضواحيها، من بينها قذيفة في حي التجارة شرقي العاصمة، وأيضاً في حي القاعة عند مدخل مخيم اليرموك، وأيضاً في منطقة سوق الهال وباب توما وجرمانا والدخانية وغيرها، وقد أدت إلى عدد من القتلى والجرحى وأضرار مادية. وفي حلب فجر إرهابي نفسه في احد المطاعم يوم الخميس الماضي فقتل خمسة أشخاص وجرح أكثر من عشرين آخرين.
في الحسكة سيطر المسلحون الكرد على بلدة أبو راسين بعد معارك مع مسلحي جبهة النصرة، فيما نزح حوالي ٢٠ ألف من سكان المحافظة الى كردستان العراق.
المعلم: مصلحة اسرائيل واضحة
وفي السياق، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن المصلحة الإسرائيلية باتت واضحة فيما تشهده سوريا والمنطقة من أحداث، وإسرائيل «تشعر بالسعادة» لما تشاهده من تصاعد للإرهاب في المنطقة وتدمير البنى التحتية واستنزاف الاقتصادات والجيوش العربية، خاصة في سوريا والعراق ومصر، وقال: «إن أي تحليل سياسي لما يجري في سوريا يجب أن يبدأ من مراقبة الموقف الإسرائيلي، فـإسرائيل دخلت كطرف رئيسي في الميدان عندما أغارت واعتدت على ثلاثة مواقع سوريا، واستقبلت جرحى الإرهابيين في مشافيها علناً، وكل ذلك انسجاماً مع موقفها الساعي لضرب محور المقاومة وخشيتها من انتصاره»، لافتاً إلى الانسجام بين الموقف الإسرائيلي وموقف معارضة الخارج التي رحبت بالقرار الإسرائيلي بالسماح بتسليح المجموعات الإرهابية في سوريا.
وحذّر المعلم من أن محور أعداء سوريا يراهن على الحل العسكري ويضع الخطط البديلة، إذ تمّ تحضير جبهة الأردن لاستهداف سوريا في حال تراجعت تركيا، كما أن النظام السعودي يرفض الحل السياسي ويعمل على تأجيج الوضع ويعرقل عقد مؤتمر «جنيف2»، وهو في ذلك يتماهى مع الموقف الأميركي الذي يتنصل من تفاهماته مع الجانب الروسي ويتهرب من الذهاب إلى جنيف.
أسلحة للمعارضة عبر الأردن
ومن جانب المعارضة، دعا أحمد جربا، رئيس الائتلاف السوري المعارض، المجتمع الدولي الثلاثاء الماضي، من اسطنبول، بالتحرك الفوري لإجبار النظام السوري على وقف حربه من خلال عدة نقاط ابرزها فتح ممرات انسانية وفرض منطقة حظر جوي الأمر الذي لم يلق أي رد فعل عالمي.
وقد أكدت مصادر بالمعارضة السورية ومصادر دبلوماسية ان معارضين مسلحين حصلوا على صواريخ «كونكورس»، يبلغ مداها أربعة كيلومترات روسية الصنع، مضادة للدبابات مؤخرا من السعودية مما يعطي دفعة جديدة لهم.
وقال مصدر على صلة بجماعة من جماعات المعارضة السوريا إن صواريخ «كونكورس» المضادة للدبابات إستخدمت في هجوم للمعارضة الأسبوع الماضي على موقع عسكري في مدينة درعا بالقرب من الحدود الأردنية.
ووصلت شحنة الصواريخ التي مولتها السعودية إلى سوريا في الأسابيع الأخيرة عبر الأردن بعد أشهر من ضغط الرياض على عمان كي تسمح بفتح خط إمداد للمعارضة السوريا المسلحة عبر أراضيها.
ويقول مسؤولون أردنيون بشكل غير رسمي إنهم وقعوا بين مطرقة إغضاب السعوديين وسندان إنتقام الأسد الذي كان قد حذر عمان هذا العام من مغبة «اللعب بالنار» إذا دعمت معارضيه.
ورجح مصدر دبلوماسي غربي أن التدفق الجديد للأسلحة التي تدفع بها السعودية إلى الحرب في سوريا يعكس مخاوف في الرياض من بطء تقدم قوات المعارضة في الجنوب وقلقا من أن تستغل جماعات ذات الصلة بتنظيم القاعدة حالة الجمود الميداني في توسيع وجودها.
وتتحدث مصادر أمنية ودبلوماسية ومصادر في المعارضة المسلحة عن الدور المباشر للأمير سلمان بن سلطان ابن أخي الملك عبد الله عاهل السعودية والمسؤول الأمني الرفيع، ويقود سلمان غرفة عمليات في عمان مع حلفاء حيث تعقد اجتماعات منتظمة وتوجه إرشادات لكبار قادة المعارضة.
وتقول المصادر إنه حتى قبل وصول الشحنة الأولى من صواريخ كونكورس فإن ضغوط سلمان على عمان قد ساهمت في دخول قاذفات صواريخ ومعدات عسكرية وأسلحة أخرى إلى الأراضي السورية بعد أن كانت المعارضة تشكو من أن معظم الإمدادات من الأردن عبارة عن ذخائر فائضة عن الحاجة وبنادق كلاشنيكوف قديمة
وقال مصدر دبلوماسي إقليمي ومصدر أمني عربي إن هذه الشحنة جاءت بعد تنسيق وثيق بين المخابرات السعودية والأميركية والأردنية لتعقب الأسلحة كي لا تصل إلى «الأيدي الخطأ» في اشارة الى المقاتلين الإسلاميين.
جنيف 2
وعن مسار الحل السياسي للأزمة السورية، قالت جين ساكي المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية أن دبلوماسية رفيعة المستوى من الخارجية الأميركية والسفير الاميركي لدى سوريا سيجتمعان مع وفد روسي في لاهاي (الاسبوع القادم) لبحث خطط عقد مؤتمر سلام لانهاء الحرب في سوريا. وأضافت ساكي في افادة يومية للصحفيين يوم الاثنين الماضي: «اتفقنا منذ فترة طويلة مع روسيا على أن عقد مؤتمر في جنيف هو أفضل آلية للمضي قدما نحو حل سياسي». ولم تشر إلى يوم محدد للاجتماع لكنها قالت ان ويندي شيرمان وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية ستحضر الاجتماع مع السفير الاميركي روبرت فورد.
مـخاوف غربية
أعربت الأمم المتحدة الثلاثاء الماضي عن قلقها إزاء نشوب صراعاتٍ واسعة في الشرق الأوسط، وشدد أوسكار فرنانديز تارانكو مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية على ضرورة وقف إرسال المقاتلين الأجانب إلى سوريا، لأنهم يعرضون وحدة المجتمع السوري للخطر.
جاء ذلك أثناء تقديمه ملخصاً عن الوضع في سوريا خلال الشهر الماضي لمجلس الأمن.
التحذير الأممي يأتي فيما تتزايد مخاوف مسؤولي الإستخبارات الأميركية والأوروبية من تهديدٍ إرهابيٍ جديد بعد عودة المقاتلين الغربيين من سوريا وهو ما كشفته المخابرات الأميركية عن مخطط للقاعدة لاستهداف القطارات في معظم أنحاء أوروبا.
وخلال مؤتمر للأمن في مدينة آسبن بولاية كولورادو الأميركية قال مدير المركز القومي الأميركي لمكافحة الإرهاب ماثيو أولسن أن ما يزيد قلق واشنطن هو أن هناك أشخاصاً يسافرون إلى سوريا ويصبحون أكثر تطرفاً وتدريباً، ثم يعودون بعد ذلك ليكونوا جزءاً من الحركة الجهادية العالمية في أوروبا الغربية وربما الولايات المتحدة.
بدورها كثفت أجهزة الأمن الأوروبية عمليات المراقبة والبحث عن سبل لجعل السفر إلى سوريا أكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص المشتبه في كونهم «جهاديين».
وزير الداخلية الألماني هانز بيتر فريدريش طالب بتسجيل جميع الأجانب الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي من أجل تعقب المتطرفين العائدين، كما قررت السلطات الألمانية منع الأشخاص المشتبه بأنهم متطرفون من مغادرة البلاد.
Leave a Reply