وكالات – «صدى الوطن»
قُتل 50 شخصاً وأصيب 53 آخرون الأحد الماضي في إطلاق نار على ملهى ليلي للمثليين في مدينة أورلاندو (فلوريدا)، إثر هجوم إرهابي نفذه «ذئب منفرد» وأودى بحياة أكبر عدد من الضحايا على الأراضي الأميركية منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001.
وأمام هول الكارثة التي طرحت الكثير من الأسئلة الصعبة على الأميركيين صبيحة اليوم التالي، سارعت الأطراف السياسية الى الاستفادة من الأحداث بما يخدم أجنداتها، فوجّه المرشح الجمهوري دونالد ترامب سهامه الى «الإسلام الراديكالي» الذي لطالما حذر منه مجدداً دعوته الى تعليق الهجرة من البلدان المرتبطة بالإرهاب، فيما حاول الديمقراطيون وعلى رأسهم الرئيس باراك أوباما والمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون تبرئة المسلمين الأميركيين وإلقاء اللوم على انتشار الأسلحة مجددين الدعوة الى الحد منها لاسيما بعد أن تبين أن منفذ الهجوم قام بشراء بندقية ومسدس من متجر للسلاح لاستخدامهما في جريمته.
وسارع تنظيم «داعش» الى تبني الهجوم الذي نفذه عمر صديق متين، وهو أميركي من أصل أفغاني في التاسعة والعشرين من عمره، قد أعلن مبايعته لـ«داعش» في اتصال بخدمات الطوارئ على الرقم 911، قبل لحظات من تنفيذه جريمته، علماً بأنه معروف سابقاً لدى مكتب التحقيقات الفدرالي بـ«تعاطفه» مع الإسلاميين وسبق له أن خضع للتحقيق أكثر من مرة.
أوباما
الرئيس أوباما، الذي أكد سابقاً أن تنظيم داعش» لا يشكل خطراً وجودياً على الولايات المتحدة، سارع الى احتواء تبعات الهجوم الذي جاء في خضم السباق الانتخابي الى البيت لأبيض، بالتشديد على براءة المسلمين الأميركيين، والإعلان عن أن عمر متين غير مرتبط فعلياً بتنظيم «داعش»، وإنما هو «ذئب منفرد» تأثر بالأفكار المتطرفة عبر الانترنت.
وفي أول تعليق له، قال أوباما في كلمة مقتضبة مباشرة من البيت الأبيض الأحد الماضي إن «هذه المجزرة تذكرنا بمدى سهولة حصول أشخاص على أسلحة لتنفيذ هجمات». ودعا الأميركيين إلى الوحدة لحماية البلاد وقال «علينا أن نظهر أننا دولة لا تجمعنا الكراهية»، مشددا على أن «أي هجوم على أميركي بسبب عرقه أو دينه أو ميوله الجنسية هو هجوم على كل الأميركيين».
وإثر اجتماع في البيت الأبيض ضم مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي، ووزير الأمن الداخلي جه جونسون، ومسؤولين آخرين، أكد أوباما الاثنين الماضي أن المحققين لا يملكون حتى الآن دليلاً واضحاً على أن منفذ هجوم أورلاندو تم «توجيهه» من مجموعات متشددة.
وقال أوباما «يبدو أن مطلق النار تأثر بمصادر معلومات متطرفة مختلفة على الإنترنت» مؤكداً أن التحقيقات الجارية لا تدل على أن المهاجم كان يعمل وفق مخطط هجوم واسع.
وأضاف أن المهاجم اشترى السلاح الذي نفذ به العملية وفقا للإجراءات القانونية المتبعة في الولايات المتحدة، داعيا إلى التمعن في الأخطار الناجمة عن سهولة الحصول على سلاح. وتابع في هذا السياق أن القوانين الضعيفة تسهل عملية الحصول على سلاح للأشخاص الذين يشكلون خطرا، مجددا دعوته إلى ضمان صعوبة أن لا يحصل من يريد إيذاء الأميركيين بسهولة على سلاح.
وسارعت وكالة «أعماق» القريبة من تنظيم «داعش» لإعلان أن «مقاتلاً» من «الدولة الإسلامية» ارتكب المجزرة. ونقلت الوكالة عن «مصدر» قوله إن «الهجوم المسلح الذي استهدف نادِياً ليليا للشواذ في مدينة أورلاندو في ولاية فلوريدا الأميركية والذي خَلَّف أكثر من مئة قتيل ومصاب نفذه مقاتل من الدولة الإسلامية».
ترامب وكلينتون
من جانبه، كتب ترامب عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، في رد سريع على «غزوة أورلاندو» التي تبنّاها تنظيم «داعش» رسمياً «أقدّر التهاني لي لأنني كنت محقاً بشأن الإرهاب الأصولي الإسلامي. لا أريد تهانيَ. أريد شدةً ويقظة. ينبغي أن نكون أذكياء».
ومن المؤكد أن «غزوة أورلاندو» ستحتل الحيز الأكبر في الحملات الانتخابية بين ترامب وكلينتون، اللذين أدليا بدلوهما حول الهجوم الدموي. وإذا كانت كلينتون قد سعت إلى تسخير الهجوم الدموي انتخابياً، عبر حديثها عن خطة لمكافحة «الذئاب المنفردة»، وهجومها على «لوبي السلاح»، الذي قالت إن الولايات المتحدة «لن تنجر إلى الفخ الذي ينصبه»، فإن ترامب استغل الفاجعة للتأكيد على صوابية خطابه الداعي الى الحد من خطر «الإسلام الراديكالي»، كما سارع إلى الضرب على وتر اخفاقات أوباما في ملف مكافحة الإرهاب عبر استراتيجيته المعلنة في أواخر العام 2014.
ولا شك في أن المرشح الجمهوري لم يعد في حاجة كبيرة للتدليل على فشل سياسة أوباما في مجال مكافحة الإرهاب، طالما أن المقولة الرئيسية التي دأب الرئيس على تردادها، للدفاع عن سياساته، وهي أن «داعش» لا يشكل خطراً مباشراً على الأمن الداخلي الأميركي، قد سقطت في أورلاندو.
وشن ترامب هجوماً عنيفاً على أوباما، معتبراً أن رفضه استخدام مصطلح «إرهاب الإسلام الراديكالي» هو ما أوصل إلى هجوم أورلاندو الذي «من الممكن أن يتكرر مرات عدة». وأضاف أن كلينتون «بدورها لن تستخدم هذه العبارة خوفاً من مديرها (أوباما)»، مشدداً على ضرورة تصعيد الحرب على «داعش» رداً على الهجوم.
في المقابل، تناغم كلام كلينتون، مع دعوة أوباما إلى تعديل قانون حيازة السلاح للأفراد في الولايات المتحدة، معتبرة أن بلادها «يجب ألا تقع في فخ لوبي السلاح، الذي يقول لك إنك إذا لم تتمكن من وقف جميع حوادث إطلاق النار، فلا تحاول أن توقف أي حادث»، لافتة إلى أنها إذا وصلت إلى البيت الأبيض، فسوف تدفع باتجاه سن قانون يمنع المواطنين الممنوعين من السفر من حيازة السلاح الفردي.
وأعربت كلينتون عن عزمها على إنشاء فريق مخصص لمكافحة هجمات «الذئاب المنفردة» والعمل عن قرب من المؤسسات التكنولوجية لمحاربة «التطرف الإلكتروني».
وفي رد على كلام ترامب، شددت كلينتون على أنها لا تخجل من استخدام عبارة الإسلام الراديكالي لوصف هجوم أورلاندو. لكنها أضافت أن اتهام دين بعينه ومحاولة شيطنة أتباعه لن يحمي البلاد من هجوم آخر، مؤكدة على ضرورة أن «تجد الولايات المتّحدة سبيل حماية أمن البلاد من دون شيطنة الأميركيّين المسلمين».
مسؤولية المسلمين الأميركيين؟
إلى ذلك، اعتبر ترامب أنّ مسلمي الولايات المتّحدة «مخطئون» لأنّهم لا يبلّغون عن أمثال متين. ورجّح، لقناة «بي بي سي» أن يكون متين معروفاً لدى أحد المسلمين الأميركيين بأنّه شخصٌ من المحتمل أن يرتكب أعمال عنف»، مضيفاً «ستكتشف أنّ كثراً من الناس الذين عرفوه شعروا بأنه شخص خطير وأنّ شيئاً من ذلك سيحدث منه»، وذلك قبل أن يتبين أن زوجة متين نفسها قد تكون على معرفة بالهجوم الذي كان يعد له زوجها.
وأكّد ترامب أن «الولايات المتّحدة تحتاج إلى تحسين جمع المعلومات لمنع حدوث مثل هذه الأمور»، داعياً إلى «الانتباه إلى المساجد والمجتمعات المسلمة»، معتبراً أنّ «الجالية المسلمة تعرف الأشخاص الذين لديهم استعدادٌ للتفجير».
واعتبر المرشح الجمهوري في حديث لقناة «سي بي سي» أنه «بشكل لافت، فإن المجتمع المسلم هنا، المجتمع الذي عاش فيه هذا المهووس -منفذ العملية- وكثيرٌ مثله، فلنعطِ مثالاً سان برناردينو، لقد شاهد أفراد المجتمع متفجرات في شقة المنفذين، لكنهم لم يبلغوا عن هؤلاء الأشخاص. هم يعرفون التفاح السيء، البذور السيئة الموجودة في مجتمعهم، لكنهم لا يبلغون عنها».
ودافع ترامب عن دعوته إلى تعليق دخول المسلمين إلى البلاد، قائلاً: «هناك مواطنون أميركيون أصبحوا متطرفين بسبب أشخاص دخلوا البلاد». وختم بالقول: «انظروا. ما حصل أمس ليس سوى البداية. سيكون هناك المزيد والمزيد».
كما اقترح ترامب، تعليق موجات الهجرة من بلدان ارتبطت في السابق باعتداءات على الولايات المتحدة أو حلفائها، غداة اعتداء أورلاندو.
وقال ترامب في خطاب في مدينة مانشستر (نيوهامبشير) «حين يتم انتخابي، سأعلق الهجرة الوافدة من مناطق في العالم لها ماض مثبت من الارهاب ضد الولايات المتحدة، أوروبا أو حلفائنا، إلى أن نفهم تماماً كيفية وضع حد لهذه التهديدات». لكنه لم يحدد معايير أو شروط هذا الاجراء.
وذكر ترامب، بأنّ الرئيس الأميركي يملك سلطة منع دخول أي فئة من المسافرين تعتبر خطراً على مصالح أو أمن البلاد. وفي كانون الأول الماضي، بعد اعتداءات باريس وسان برناردينو، اقترح المياردير إغلاق الحدود مؤقتاً أمام المسلمين.
وأضاف: «لا يُمكن أن نستمر في السماح بدخول آلاف وآلاف من الأشخاص إلى بلادنا، يفكّر كثيرون منهم كما يفكر هذا القاتل المتوحش».
وشدّد ترامب على أنّ «غالبية مبادئ الإسلام الراديكالي لا تنسجم مع القيم والمؤسسات الغربية. إنّ الإسلام المتطرف معاد للنساء ومعاد للمثليين ومعاد للأميركيين».
ثغرات أمنية وإرهابيون تحت المراقبة
وأعادت ضربة أورلاندو فتح السجال حول طريقة عمل الدوائر الأمنية والاستخبارية في البلاد، وخصوصاً الـ «أف بي آي» مع المشتبه في ميولهم الإسلامية المتطرفة. وكان عمر متين، منفذ الهجوم، قد استجوب على الأقل مرتين في 2013 و2014، بسبب الإدلاء أولاً بآراء متطرفة في مركز عمله (شركة «فور جي أس» الأمنية البريطانية)، وثانياً بسبب اتصال أجراه مع مواطن أميركي غادر إلى سوريا، وقتل لاحقاً في هجوم انتحاري نفذه هناك.
بعدما انقشع غبار الهجوم في مدينة أورلاندو، تبين أن منفذ العملية خضع للمراقبة والاستجواب. وتكرر هذا الأمر تقريباً مع معظم الذين شنوا هجمات في الغرب خلال السنوات الأخيرة.
وأفادت السلطات الأميركية أن متين أخضع للاستجواب مرتين لدى مكتب التحقيقات الفدرالية، بسبب «إدلائه بآراء مؤيدة للمتطرفين»، وجرى وضعه رهن الاعتقال لكنه أفرج عنه لاحقاً وتمكن من شراء أسلحة استخدمها في الهجوم.
سوابق
وتكررت القصة ذاتها مع منفذي هجمات بروكسل في مارس الماضي، الأخوين البكراوي، إذ كانا مدرجين على قائمة الحكومة الأميركية للمراقبة الخاصة بمكافحة الإرهاب قبل الهجمات، وأدت تلك الهجمات إلى سقوط 35 قتيلا وجرح 135 آخرين.
أما العقل المدبر لهجمات باريس الدامية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 عبد الحميد أباعود وصديقه صلاح عبدالسلام فقد جرى إدراجهما في قائمة نشرتها الشرطة البلجيكية للأشخاص الذين سافروا إلى سوريا وكان معروفا لأجهزة الاستخبارات الأوروبية. وظهر أبا عود في مقطع فيديو لتنظيم «داعش» في سوريا، وحسب وثائق حصلت عليها «سكاي نيوز» فإن أباعود متورط بقتل 90 سجينا لدى «داعش»، وحكم عليه غيابيا مطلع عام 2015 بالسجن لمدة 20 عاماً، بعد إدانته بتجنيد مقاتلين للسفر إلى سوريا.
ولم يكن الأمر مختلفا في شأن الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة، إذ إن المنفذين وهما الشقيقين شريف وسعيد كواشي كانا مألوفين لدى المخابرات الفرنسية، وخضعا للسجن والمراقبة والاستجواب وفي النهاية استطاعا شن الهجوم الدامي في كانون الثاني (يناير) 2015.
Leave a Reply