بغداد – سلط غضب العراقيين من حادثة قتل مدنيين عراقيين بنيران حراس شركة أمن أميركية (بلاك ووتر) الضوء على الاعتماد المتزايد على الشركات الخاصة للقيام بمهام كانت توكل في السابق للجنود. ومع ميل الحكومات الغربية لتقليص جيوشها في الوقت الذي استمرت فيه في شن الحروب تحولت تلك الحكومات للاعتماد بدرجة اكبر على المتعاقدين لسد الثغرة وتقديم كل شيء من الطعام إلى تحليل معلومات المخابرات.وقد زادت قضية شركة الحماية الاميركية «بلاك ووتر» المتهمة باطلاق النار عشوائيا على عراقيين ادى الى قتل 11 مدنيا عراقيا، من المتاعب التي تواجهها الادارة الاميركية في العراق اساسا.
قال المحامي حسن جابر سلمان المياحي، وهو أحد الجرحى الذين يرقدون في مستشفى اليرموك لوكالة فرانس برس «وقع إنفجار بالقرب من ساحة النسور» في بغداد فيما كان هو متوجها الى وزارة العدل حيث كان لديه موعد هناك. وأضاف «بعد ذلك قامت أربع من سيارات المرتزقة بإغلاق الشارع بصورة كاملة، وكانوا يأمرون الناس بالرجوع الى الخلف باللغة الإنكليزية». وأشار الى أنه كانت أمامه سيارتان فقط من المدنيين «وقمنا فعلاً بالاستدارة وابتعدت عنهم حوالي 150 متراً». وتابع «وبعدها بلحظات (ونحن بظهورنا لهم) أطلقوا النار علينا بصورة كثيفة ومباشرة، وكانت العجلات التي تقلّهم عالية وأسلحتهم الأوتوماتيكية متوسطة وثقيلة». وقال أصيبت سيارتي بـ12 طلقة من الخلف ودمـّرتها بالكامل وأصبت أنا بأربع طلقات في ظهري وأخرى في ذراعي». وقال المحامي الى ان «الإنفجار وقع في مكان بعيد جداً عن منطقة الحادث ولم يكن هناك أي مـّبرر لهذه الفعلة من قبل المرتزقة». وقال «لقد قتلوا حتى شرطي المرور الذي كان يقف أمامي في ساحة النسور، ورأيت إمرأة مـُسنة تحاول إخراج ولدها الذي قتل في داخل سيارته وقاموا بقتلها». وأشار الى أنه رأى العشرات من المواطنين يزحفون على الأرض خارج سياراتهم والنيران فوق رؤسهم». وتابع روايته قائلاً «عندما أصبت فقدت الوعي بصورة جزئية وإتجهت سيارتي بسرعة الى إحدى الحواجز وإرتطمت بشاحنة محملة بالغاز، وبعدها جاء جنود عراقيون سمعتهم يرددون «أنه جريح» وأخرجوني من نافذة السيارة».وهذه المجزرة لم تؤد فقط الى اثارة غضب عارم في صفوف العراقيين عموما تجاه شركات الامن الخاصة المتهمة بانها لا تتردد في اطلاق النار واحيانا من دون اسباب كافية، وانما قد تقوي الشعور المناهض للاميركيين في العراق وتلقي بالشكوك على ضمانات الحكومة الاميركية المتعلقة باقامة دولة قانون في العراق واحترام سيادة الحكومة العراقية. وازاء هذه المعضلة، عبرت الحكومة الاميركية عن اسفها ووعدت باجراء تحقيق «منفتح وشفاف». لكنها لم تقطع اي تعهد اخر حيال «شريكها» العراقي. وتتهم الحكومة العراقية «بلاك ووتر» التي تشارك في حماية موظفي السفارة الاميركية وشخصيات دبلوماسية، بفتح النار عشوائيا الاحد الماضي في بغداد اثناء مواكبتها مسؤولين. وقد سحبت منها رخصة العمل. وعبرت ادارة «بلاك ووتر» عن اسفها للخسائر البشرية لكنها اكدت ان موظفيها تصرفوا في اطار الدفاع المشروع عن النفس. وبدون حسم هذه المسألة اعلنت وزارة الخارجية ان الموكب تعرض فعلا لنيران معادية. واتصلت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس الاثنين الماضي برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للتعبير عن «اسفها».لكن الناطق باسمها شون ماكورماك رفض اتهام موظفي «بلاك ووتر» قبل صدور نتائج التحقيقات.وقال ان الجوانب القانونية للقضية «تتوقف على ظروفها»، مشيرا الى ان السلطات الاميركية «ليست في موقع» يخولها في هذه المرحلة «القاء اللوم» على الشركة.واشار الى ان الموظفين الدبلوماسيين والامنيين في وزارة الخارجية والمسؤولين الاميركيين في بغداد يشاركون في التحقيق. واضاف «لا يمكننا تحديد المسؤولية حتى انتهاء التحقيق»، مضيفا «لم نصل بعد الى هذه المرحلة».وقال مسؤول اميركي ان الاميركيين والعراقيين سيحققون على حدة وسيدمجون تحقيقهم قريبا. لكن رغم سحب ترخيصها، لا تزال «بلاك ووتر» تعمل في العراق بموجب عقد مع وزارة الخارجية الاميركية كما قال ماكورماك. وتلعب «بلاك ووتر»، احدى ثلاث شركات تتولى حماية موظفي وزارة الخارجية الاميركية في العراق في مقابل عشرات ملايين الدولارات سنويا، دورا محوريا في الانشطة الاميركية.وفي الكونغرس الأميركي قال السناتور الديمقراطي ديك دوربن وهو الرجل الثاني في سلسلة القيادات الديمقراطية في مجلس الشيوخ انه حان الوقت «لكشف الغطاء» والتحقيق في وضع المتعاقدين وأعدادهم وما يقومون به حقا. ويقول دوغ بروكس رئيس الرابطة الدولية لعمليات السلام التي تضم مجموعة من الشركات الخاصة العاملة في الأمن والإمداد والتمويل انه بالرغم من أن لا أحد يملك أرقاما دقيقة إلا ان عدد المتعاقدين في العراق وحده يقدر بنحو 180 ألف متعاقد. واذا صح هذا الرقم فهو يزيد على عدد القوات الأميركية في العراق والتي تقدر حاليا بنحو 167500 جندي.
Leave a Reply