نيويورك، طرابلس، بنغازي – مع دخول الثورة الليبية شهرها الثاني، ونجاح خطة وضعها معمّر القذافي لتشويه الثورة وتحويلها إلى حرب أهلية، استيقظ المجتمع الدولي، ليفتح أبواب ليبيا أمام تدخل أجنبي، بغطاء عربي، ظهرت بوادره في مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي.
وفي ظل احتدام المعارك بين الثوار الليبيين والكتائب الأمنية التابعة للقذافي، وافق مجلس الأمن الدولي بغالبية عشرة أعضاء وامتناع روسيا والصين والهند والبرازيل والمانيا، على فرض حظر جوي فوق ليبيا قد يبدأ تنفيذه ميدانيا بشن ضربات جوية خلال الساعات المقبلة، التي توعد القذافي بأنها ستشهد حرباً “من دون رحمة” لتطهير بنغازي.
وواصلت القوات الموالية للقذافي، محاولات للتقدم نحو بنغازي، معقل المعارضة. وخاض جنود من القوات الحكومية الليبية معارك ضارية مع الثوار للسيطرة على مدينة أجدابيا، وذلك لفتح الطريق المؤدي إلى بنغازي، التي استهدفتها قوات القذافي بقصف مدفعي وغارات جوية.
وبحسب شهود عيان فإن قوات القذافي تمكنت من السيطرة على الطريق المؤدي من أجدابيا إلى طبرق في أقصى الشرق الليبي، لكن الثوار تمكنوا من إخراجها منه، في الوقت الذي ما زالوا يحكمون السيطرة على مفترق الطرق المؤدية إلى بنغازي.
أما في الغرب الليبي، ففشلت قوات القذافي مجدداً في استعادة مدينة مصراتة (200 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس). وكان التلفزيون الليبي ذكر أن “القوات المسلحة سيطرت على مدينة مصراتة، وتقوم بتطهيرها حاليا من العصابات المسلحة”، لكن متحدثاً باسم الثوار في المدينة نفى هذه المعلومات، مشدداً على أن “المدينة ومشارفها لا تزال تحت سيطرتنا”.
وفي الغرب أيضاً، هاجمت قوات القذافي بلدة الزنتان (145 كيلومتراً جنوب غربي طرابلس)، بعدما أمطرتها بقذائف المدفعية وصواريخ “غراد”، من دون أن تتمكن من اقتحامها.
وفي كلمة وجهها إلى أهالي بنغازي، عبر الإذاعة الليبية، توعد القذافي بمهاجمة المدينة لإنهاء “المهزلة”، مشيراً إلى أن من يقاتل في بنغازي “مسلحون جاؤوا من مصر المهزومة وتونس المنكوبة لتدمير ليبيا”. وهدد القذافي بـ”تطهير” بنغازي قائلاً إن “قواتي ستأتي الليلة (مع صدور هذا العدد) ولن تكون هناك أي رحمة”، وأن المدينة ستكون “فرجة للعالم”. وتابع “غداً ترجع بنغازي فرحاً وزغاريد والعاباً نارية”.
مجلس الأمن
وفي نيويورك، تبنى مجلس الأمن الدولي بغالبية كبيرة القرار رقم 1973، الذي يقضي بفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا والتفويض بتنفيذ عمل عسكري لتنفيذ الحظر، وذلك بتأييد عشرة أعضاء، بينما امتنع خمسة أعضاء (روسيا والصين وألمانيا والهند والبرازيل) عن التصويت.
ويهدف القرار إلى منع تحليق طيران القذافي، غير أنه يمنع أي احتلال بري من جانب قوات أجنبية، كما اتخذ المجلس خطوة غير معتادة بالسماح ليس فقط للمنظمات الدولية، ولكن للدول المنفردة كذلك، باستخدام “كافة السبل الضرورية” لإنهاء قمع القذافي للمتظاهرين المدنيين.
ميدانيا
رغم البداية الصعبة التي واجهها الثوار الليبيون مطلع الأسبوع الماضي بعد أن شن “الزعيم” الليبي معمر القذافي حملة عسكرية مضادة مكّنته من استرداد مدن بن جواد وراس لانوف والبريقة والوصول الى مشارف أجدابيا شرقاً، وتمكن من إعادة السيطرة على مدينتي الزاوية والزوارة غرباً (غرب طرابلس)، وتشديد الحصار على مدينة مصراتة (شرق طرابلس)، وهي ثالث أكبر مدن البلاد، إلا أن الثوار سرعان ما بددوا آمال القذافي بعد فشل جيشه من دخول مدينة أجدابيا إضافة الى صمود مصراتة، واستمرار المعنويات المرتفعة لدى ”المجلس الوطني” في بنغازي الذي أكد أنه لم يكشف عن أوراقه العسكرية بعد، وهذا ما ظهر جليا في حدثين عسكريين هامين.
الأول تسجيل طلعات جوية للثوار قصفت زوارق وسفن عسكرية تابعة للقذافي تشارك في المعارك.
والحدث الثاني تجلى بتمكن الثوار من الاستيلاء على ناقلة نفط تابعة للقذافي (لابنه هنيبعل) كانت متوجهة الى ميناء الزاوية في عملية عسكرية سميت باسم مصور قناة “الجزيرة” الشهيد علي الجابر الذي قتل في كمين مسلح في بنغازي.
وتأكد للمراقبين أن “معركة بنغازي” لن تكون نزهة لكتائب القذافي. وبالرغم من تجنيد النظام آلته الإعلامية للإيحاء بأن دخول المعقل الأخير للثوار أصبح مسألة ساعات، فإن القوات الحكومية ظلت تواجه مقاومة في أجدابيا، خط الدفاع الأخير عن بنغازي في الشرق، في الوقت الذي واجهت فيه فشلاً جديداً لدى محاولتها اقتحام مدينة مصراتة في الغرب.
ولكن، ما يثير مخاوف الثوار، هو أن حملة القذافي العسكرية المضادة التي اعتمدت بالدرجة الأولى على القصف الجوي للمدن غطاها استمرار “التردد” الدولي في فرض حظر جوي، حتى حققت التقدم شرقاً، فيما ذهبت بعض الدول الى الإعلان صراحة عن خوفها من سقوط نظام القذافي، بعد أن “صدّقت”، أقاويل القذافي بأنه يحارب “القاعدة”. وأبرز هذه الدول ألمانيا ووالولايات المتحدة.
وقد ظهر التردد الدولي عبر عدة مواقف وتراجعات، فأولا تحجج بصعوبة فرض الحظر الجوي دون تدخل عسكري. وهذه الحجج معروف أنها واهية للخبراء العسكريين. وعاد الغرب ليتحجج بضرورة الموافقة الإقليمية، فنالها بـ”سرعة قياسية” عبر اجتماع لوزراء الخارجية العرب وقرار من مجلس التعاون الخليجي.
ورغم ذلك لم يحرك ساكناً، فرفضت “مجموعة الثمانية” باجتماع لها أي توجه لذلك، ولم تلح في الأفق أي بوادر لقرار دولي للجم الآلة العسكرية للعقيد الليبي، في الوقت الذي كانت كتائبه تحرز انتصارات ميدانية، ومع وصول هذه الكتائب الى أجدابيا وتعثرها مع صعوبة استخدام سلاح الجو في حرب المدن، قرر مجلس الأمن قرار الحظر الجوي.
Leave a Reply