أميركا تبدي تأييدا فاترا لها.. وأولمرت يستعين بها فـي مواجهة تهم الفساد
عواصم – في خطوة مفاجئة أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول ماهيتها وتوقيتها، قفز إلى الواجهة إعلان الدولة العبرية تدشين مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا في تركيا، بعد نحو شهر على إعلان الرئيس السوري، بشار الأسد، تسلمه رسالة من أنقرة تتضمن استعداداً إسرائيلياً للانسحاب من هضبة الجولان حتى حدود الرابع من حزيران (يونيو) لعام 1967، وقبل يومين من جولة ثانية من التحقيقات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، بتهم فساد مالي.
وبدا واضحاً أن توقيت الإعلان كان منسّقاً بين كل من تل أبيب ودمشق وأنقرة، حيث تتالت إعلانات التأكيد، فيما بدا لافتاً إشارة البيان الإسرائيلي إلى أن المفاوضات ستجري «وفقاً للإطار الذي حُدِّد في مؤتمر مدريد عام 1991»، فيما شدد وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، على أن بلاده حصلت على التزامات بالانسحاب حتى خط الرابع من حزيران. ولم يستبعد إجراء مفاوضات مباشرة بين سوريا وإسرائيل إذا ابدت الأخيرة جدية في المحادثات غير المباشرة.
ووسط موجة عارمة من التعليقات والتحليلات السياسية والإعلامية الإسرائيلية التي لقيها الإعلان، أطل أولمرت ليتطرق باقتضاب للحدث بنبرة ظهر فيها الارتياح. وقال إن اتفاقاً بين إسرائيل وسوريا يتطلب «تقديم تنازلات ليست بسيطة»، معلناً أن «البيان اليوم يمثّل نهاية مرحلة في عملية سياسية مستمرة منذ أكثر من عام، طلبنا خلالها إقامة مسار يمكِّن من إجراء محادثات سلام مع سوريا». وأضاف: «بعد شهور طويلة، صدر البيان بهذا الخصوص، وتجديد المحادثات بعد ثماني سنوات من الجمود هو أمر مؤثّر، لكن هذا واجب وطني يجب استنفاده». وتابع أن «المفاوضات لن تكون سهلة وبسيطة، وهي منوطة بتنازلات ليست بسيطة». وتابع: «أنا متأكد من أن احتمالات نجاح (المفاوضات) تفوق احتمالات فشلها».
وتطرّق أولمرت إلى «المخاطر الأمنية» التي تواجهها إسرائيل على حدودها الشمالية مع سوريا ولبنان، محذّراً من أنها ارتفعت «خلال سنوات تعليق المفاوضات»، مشيراً إلى أن «التحدّث أفضل دائماً من إطلاق النار، وأنا سعيد لأن الجانبين قررا الحديث»، كاشفاً عن أن الاتصالات بدأت قبل عام.
وفيما يشبه عرض لمطالب إسرائيل من سوريا مقابل التخلي عن الجولان قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إن سوريا يجب أن تنأى بنفسها عن إيران وتقطع العلاقات مع «حزب الله» اللبناني وحركة «حماس» إذا أرادت التوصل إلى سلام مع إسرائيل.
ومن جهته أشار وزير الخارجية السوري المعلم الى أنّ هذه الالتزامات «ليست جديدة، بل بدأت منذ (تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحق) رابين عام 1993 الذي التزم به كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية اللاحقين»، منوهاً بجهود رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في هذا الإطار.
وكان مصدر في وزارة الخارجية السورية أعلن، منتصف الأسبوع الماضي، البدء في محادثات سلام غير مباشرة تحت رعاية تركيا، مؤكداً أنّ الجانبين أعربا عن رغبتهما «بإجراء المحادثات بنية حسنة وقررا متابعة الحوار بينهما بجدية واستمرارية وذلك لتحقيق هدف السلام الشامل وفقاً لمرجعية مؤتمر مدريد للسلام».
وكان لافتاً الإعلان الإسرائيلي المطابق تقريباً للإعلان السوري، حيث أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود اولمرت مارك ريغيف أن دمشق وتل أبيب باشرتا «محادثات سلام غير مباشرة تحت رعاية تركية»، مشيراً «الجانبين أعلنا نيتهما إجراء هذه المحادثات بصراحة وبنية خالصة… وقررا عقد حوار جدي ومتواصل وبنية التوصل إلى معاهدة سلام شاملة وفقاً لإطار مؤتمر مدريد للسلام».
وأشار مقربون من أولمرت إلى أن الاتصالات بدأت خلال زيارة رئيس الحكومة إلى أنقرة في 42 شباط (فبراير) من عام 7002 ولقائه على انفراد مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. وبعد عودة أولمرت من هذه الزيارة، شكل «طاقم سوريا» وغايته فحص احتمالات مسار المحادثات هذا ومحاولة التقدم به. وجمع الطاقم خبراء أمنيين وعسكريين وخبراء في الشؤون السورية وحظي بدعم وزير الدفاع إيهود باراك ورئيس أركان الجيش غابي أشكنازي. والعملية التفاوضية التي جرت في العاصمة التركية في خلال الأسبوع الماضي هي الجولة الأهم من جولات تواترت بشكل متقطع منذ منتصف العام الماضي، وقد تقرر في هذه الجولة تحديد موعد لجولة مقبلة بعد أسبوعين ستتم أيضاً بطريقة الوسيط المكوكي.
وفي ردود الفعل الداخلية في الكيان الصهيوني، هاجم اليمين الإسرائيلي أولمرت وقال إنه «ليس مخوّلاً بالتفاوض على انسحاب من هضبة الجولان بسبب التحقيقات الجنائية ضده»، فيما رحب قسم من أعضاء الكنيست من حزب «العمل» واليسار الإسرائيلي بالتطور الجديد.
ومنذ أشهر عديدة والاتصالات تجري في المسار التركي بشكل متواتر. وقد توقفت الاتصالات مرات عديدة، أبرزها بعد الغارة الإسرائيلية على المنشأة العسكرية السورية التي قيل إنها مفاعل نووي، وكذلك بعد اغتيال القيادي في المقاومة الشهيد عماد مغنية، وقد بدأ المسار التركي أصلاً بتبادل رسائل بين كل من الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت.
ولم يتأخر الموقف الأميركي عن الصدور، بعد الاعلانات المتتالية (الإسائيلية-التركية-السورية)، وإن بدا فاتراً، حيث أعلن البيت الأبيض أنه لا يعترض على محادثات بين إسرائيل وسوريا، وأنه لم يفاجأ بهذا التطور. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو إن «الولايات المتحدة غير مشاركة (في هذه المفاوضات)، وإنها تأمل أن يكون هذا منتدى لمعالجة المخاوف المتعددة التي لدينا جميعاً بشأن سوريا، دعم سوريا للإرهاب وقمعها لشعبها، ولهذا فإننا سنرى كيف سيسير هذا».
وأعرب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، ديفيد ولش، عن اعتقاده بأن «توسيع دائرة السلام سيكون أمراً جيداً… وإذا ما تضمنت اتفاقاً مع سوريا فإن ذلك سيكون مساعداً جداً». وقال: «أعتقد أن تركيا أدت دوراً جيداً ومفيداً في هذا الصدد». وأضاف: «وقد أخطرتنا إسرائيل وتركيا في الماضي بشأن هذه المناقشات وواصلتا إطلاعنا على التطورات». وبحسب المعلومات المتوفرة حتى الآن فإن الإدارة الأميركية لم تعط لا ضوءاً أخضر ولا ضوءاً أحمر وإنما اكتفت بعدم الاعتراض تاركة أمر القرار النهائي للمسار السوري للإدارة الأميركية المقبلة. وكان الأميركيون في صورة كل الاتصالات الإسرائيلية السورية عبر كل من الإسرائيليين والأتراك. وثمة تقديرات إسرائيلية بأنه إذا تطورت الاتصالات الحالية إلى مستوى مفاوضات جدية فإن الأميركيين سوف يدخلون على الخط بثقلهم.
Leave a Reply