ديربورن – للمرة الثانية على التوالي، اختار محافظ مقاطعة وين، وورن أفينز، مدينة ديربورن لإلقاء خطابه السنوي عن «حال المقاطعة» مساء الثلاثاء الماضي، حيث استعرض المسؤول الديمقراطي المتانة المالية والكفاءة الإدارية لكبرى مقاطعات ولاية ميشيغن، مفرداً جزءاً من خطابه للتنديد بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والإشادة بمكانة المجتمعين العربي والمسلم في النسيج السكاني للمقاطعة التي تضم 43 مدينة وبلدة.
وأمام حشد كبير من المسؤولين المنتخبين والحكوميين والفعاليات الاقتصادية والمجتمعية الذين غصّت بهم مدرجات مسرح فورد للفنون، من ضمنهم محافظا مقاطعتي أوكلاند وماكومب ورئيس بلدية ديترويت، حرص أفينز على رفع شعار الوحدة والعمل الجماعي لنهضة المنطقة برمتها، إلا أن ذلك لم يمنعه من جعل حرب غزة، المحطة الأولى من خطابه، واصفاً ما يجري في الأراضي المحتلة بأنه «أزمة كبيرة» كان لها تداعياتها المستمرة على عموم المجتمعات العربية والإسلامية واليهودية وغيرها من المجتمعات في مقاطعة وين.
وقال أفينز: «لنكن واضحين، إن ما يجري في الشرق الأوسط ليس فقط مجرد فأل سيء، إنه (أمر) وحشي وغير إنساني، ويعبر عن الحاجة الماسة لتدخل قيادة عالمية في الحال»، لافتاً إلى أنه كان أول المسؤولين الأميركيين الذين بادروا للمطالبة بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، في شهر تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم، ومردفاً بالقول: «في ذلك الوقت لم يكن مثل هذا الموقف شعبياً، ولكن الشعبية لا تعني القيادة».
وأضاف أفينز: «عندما يتعلق الأمر بالقضايا الإنسانية، مثل حياة الأطفال، والحصول على الطعام والمياه والمأوى، فإن ما هو حق يبقى حقاً، وما هو باطل يبقى باطلاً، هذه هي المسألة بكل بساطة».
وأضاء أفينز في خطابه على زيارته الأخيرة إلى لبنان برفقة نائبه أسعد طرفة في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، والتي قال إنها جاءت في إطار رغبته بالتعرف عن كثب على الثقافة التي ينتمي إليها الكثير من سكان مقاطعة وين، واصفاً تلك الرحلة بأنها كانت أكثر الرحلات «المتميزة والمثمرة» في حياته، مستدركاً بأنه «لسوء الحظ، بعض تلك المناطق تتعرض الآن للقصف»، في إشارة إلى الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان.
ولفت المحافظ الديمقراطي إلى أن أكثر من 300 ألف عربي ومسلم يعيشون في مقاطعة وين، ويشكلون جزءاً أساسياً من نسيج المجتمع المحلي. وقال: «في الواقع، إن مقاطعة وين هي موطن لأكبر تجمع عربي أميركي في الولايات المتحدة، ولقد كانت هواجسهم واهتماماتهم مهمة دوماً بالنسبة لي».
وفي السياق، ذكّر أفينز بقرار المطالبة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي تم تمريره من قبل مجلس مفوضي مقاطعة وين في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مشيداً بجهود المفوضين سام بيضون وآل هيدوس وديفيد كنيزيك وميليسا دوب في تبني القرار الذي تم تمريره بأغلبية 14 من أصل 15 عضواً.
يذكر أن أفينز كان قد افتتح خطابه بالحديث عن الانتخابات الرئاسية القادمة، محذراً من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض دون أن يدعو صراحة إلى التصويت للرئيس جو بايدن، علماً بأنه كان قد صوت بـ«غير ملتزم» في السباق الديمقراطي التمهيدي أواخر الشهر الماضي.
خطاب «حال المقاطعة» الذي جاء تحت عنوان: «معاً نزدهر»، تصادف مع بداية شهر رمضان المبارك، ما دفع أفينز المعروف بعلاقاته الوطيدة مع المجتمعين العربي والمسلم في منطقة ديترويت إلى تهنئة المسلمين بالشهر الفضيل، لافتاً إلى أن شهر الصوم لدى المسلمين يعكس أبعاد الإيمان والتكافل الاجتماعي التي تحض عليها جميع الأديان.
إنجازات
رغم عديد التحديات التي تواجهها مقاطعة وين، أكد أفينز بأن قيادته أثمرت خلال العام الماضي عن تحقيق إنجازات فريدة بالتوازي مع التخطيط لتنفيذ مشاريع مستقبلية تتوخى رفع جودة الحياة في عموم المقاطعة بميزانية سنوية قدرها 2.2 مليار دولار، وهي التاسعة له منذ توليه منصبه، منوهاً بأن رؤية إدارته تشتمل على الاستثمار «في البشر أيضاً»، حيث قال: «إن هذه الميزانية تثبت بأننا لا نوازن الأرقام فقط، وإنما نستثمر في الناس كذلك»، في إشارة إلى ضبط الإنفاق وكمّ المشاريع المخصصة لتحسين جودة المعيشة.
المسؤول الديمقراطي الذي يتولى قيادة مقاطعة وين منذ عام 2015، استهل عرض الإنجازات بـ«الخطوات الكبيرة» التي تمت من أجل تحسين سجن الأحداث الذي كان قد وضعه تحت حالة الطوارئ في خطابه، العام الماضي، بسبب الاكتظاظ وقلة الموظفين.
وأفاد أفينز بأنه تمت إضافة المزيد من علاجات الصحة العقلية، وتعزيز عدد الموظفين وتحسين أجورهم، ورفع الميزانية السنوية للمركز إلى 10 ملايين دولار، ما سيسفر عن توفير «بيئة أكثر أماناً ورعاية» للسجناء الأحداث.
ولفت أفينز إلى أن المقاطعة تستعد للانتقال إلى المجمع العدلي قيد الإنشاء في ديترويت خلال «ستة شهور»، والذي سيضم محاكم المقاطعة ومكاتب الشريف والادعاء العام، فضلاً عن سجن جديد بسعة 2,280 سريراً ومركزاً جديداً لاحتجاز الأحداث بسعة 160 سريراً.
وفي سياق آخر، أشاد أفينز بالجهود المبذولة لإلغاء زهاء 700 مليون دولار من الديون الطبية لسكان مقاطعة وين الذين يواجهون تحديات مالية، واصفاً الخطة المستقبلية بأنها «أكبر جهد لتخفيف عبء الديون الطبية في تاريخ ميشيغن».
وبحسب أفينز، تخطط المقاطعة للدخول في شراكة مع منظمة «آر آي بي»، وهي منظمة غير ربحية متخصصة في الأنظمة الصحية المحلية وتسوية ديون المتقاعدين، مما سيؤثر إيجابياً على «آلاف الأسر»، وقال: «سيحصل هؤلاء على بداية جديدة، وعلى راحة البال».
وأوضح أفينز بأن المقاطعة لا تزال تعمل على تطوير البرنامج آنف الذكر، وتحديد المؤهلين للاستفادة منه، حيث من المتوقع أن يسفر عن إلغاء ديون طبية تتراوح بين 5 و7 ملايين دولار، سيجري دفعها من أموال المقاطعة، وقال: «سوف يستفيد من هذا البرنامج أكثر من 300 ألف أسرة، مما سيمنحهم فرصة جديدة للحياة».
وفي مجال السلامة العامة، أكد أفينز بأن عام 2023 كان عاماً «مميزاً» في تاريخ مقاطعة وين، لافتاً إلى التقدم الذي حققته مدينة ديترويت تحت قيادة رئيس البلدية مايك داغن، وبقية المسؤولين، وقال إن المدينة التي كانت تعرف بـ«عاصمة الجريمة» في الولايات المتحدة، سجلت في العام الماضي أدنى عدد من جرائم القتل وحوادث إطلاق النار وسرقة السيارات منذ 1967.
وأضاف أفينز: «بوصفي شرطياً سابقاً وشريفاً سابقاً فإني أعرف بأن ذلك ما كان ليحدث لولا الجهود الكثيفة التي بُذلت خلال السنوات الأخيرة، ولولا التعاون المثمر مع حكومة مقاطعة وين»، مكرراً إشادته بداغن وقائد شرطة ديترويت جيمس وايت، وكذلك بمدعي عام مقاطعة وين كيم وورذي وشريف مقاطعة وين رافائيل واشنطن.
وبالإضافة إلى داغن، حرص أفينز خلال خطابه على توجيه التحية إلى كل من محافظ مقاطعة أوكلاند ديفيد كولتر ومحافظ مقاطعة ماكومب مارك هاكل، وجميع المسؤولين الحاضرين عن مدن وبلدات مقاطعة وين، مؤكداً أن التعاون هو السبيل الوحيد لازدهار المنطقة برمتها.
كما تطرّق أفينز في خطابه إلى ما أسماها «أكبر مبادرة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة»، في إشارة إلى خطط إدارته لاستثمار حوالي 30 مليون دولار بهدف مكافحة ظاهرة الإدمان على المخدرات «التي تقتل سنوياً ما يربو على ألف شخص في عموم مقاطعة وين».
وأكد أفينز بأن المقاطعة قامت خلال العام الماضي، وبالتعاون مع «جامعة وين ستايت»، بنشر 100 ماكينة للحصول على عقار «ناركان» المضاد للأفيون بالمجان بغية إسعاف المهددين بالموت من جراء الجرعات الزائدة.
وقال أفينز إن هذه المبادرة تعكس «التزامنا العميق» بإنقاذ أرواح سكان مقاطعتنا، لافتاً إلى أنها تتطلع في المستقبل لتوفير عقار «ناركان» لكل من يحتاجه.
ولفت أفينز إلى اهتمام إدارته بالسلامة البيئية التي استحوذت على العديد من جهود فريقه خلال العام المنصرم، والتي كان من بينها إنشاء شبكة متطورة تبث بيانات دقيقة، أولاً بأول، حول جودة الهواء، وقال: «لقد قمنا خلال السنة الماضية بتركيب عشرة أجهزة، وبحلول شهر نيسان (أبريل) القادم، سيكون لدينا 100 جهاز من هذا النوع».
وختم أفينز بالإشارة إلى برنامج وجبات الطعام «الحلال» لكبار السن في منطقة ديربورن، وقال إن هذا البرنامج الذي تم إطلاقه بالتعاون مع مركز «أكسس» هو الأول من نوعه في أميركا، وهو يشكل «مساحة ترحيب هامة لكبار السن المسلمين في مجتمعنا، فضلاً عن كونه مثالاً بالغ الدلالة على المبادرات التي تعمق الروابط بين مجتمعات مقاطعة وين، المتنوعة دينياً وعرقياً وإثنيا».
Leave a Reply