واشنطن
انطلقت يوم الثلاثاء الماضي جلسات محاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب أمام مجلس الشيوخ الأميركي، بتهمة «التحريض على التمرّد» عبر تحميله مسؤولية اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني (يناير) الماضي، غير أن محاولة الديمقراطيين الثانية لعزل ترامب، تبدو في طريقها إلى أفق مسدود، في ظل اعتراض معظم المشرعين الجمهوريين على دستورية عزل الرئيس السابق.
وتتطلب إدانة ترامب، أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، أي لا يقل عن 67 سناتوراً من أصل 100 عضو. غير أن 56 سناتوراً فقط، صوتوا لمصلحة اعتبار المحاكمة «دستورية»، وبالتالي المضيّ قدماً بالإجراءات التي وصفها أعضاء جمهوريون بأنها «مضيعة للوقت» و«مسرحية سياسية مصيرها الفشل».
وبموجب القوانين المرعية في محاكمة الرؤساء، تولّى تسعة نواب ديمقراطيين مرافعات الادعاء خلال يومي الأربعاء والخميس الماضيين، في حين سيبدأ محامو ترامب مرافعاتهم للدفاع عن موكلهم يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد)، حيث سيحصلوا على الوقت ذاته لعرض حججهم، وهو 16 ساعة على مدى يومين.
وفي حال إدانة ترامب المستبعدة، سيطلب الديمقراطيون فوراً إجراء تصويت ثان بالأكثرية المطلقة على اعتباره فاقداً للأهلية السياسية، وذلك لمنعه من تولي أي منصب فدرالي في المستقبل، بما في ذلك إمكانية ترشحه للرئاسة مجدداً في 2024.
واختتم المدّعون الديمقراطيون مرافعاتهم بمطالبتهم أعضاء المجلس بإدانة الملياردير الجمهوري بتهمة تحريضه أنصاره على الاعتداء على الكابيتول. وقال النائب نوي نيغوز، أحد أعضاء فريق الادّعاء الذي شكّله مجلس النواب للترافع ضدّ ترامب في مجلس الشيوخ، «نطلب منكم بتواضع أن تدينوا الرئيس ترامب بجريمة هو مذنب بها بقوّة».
وأضاف «لأنكم إذا لم تفعلوا، إذا تظاهرنا بأنّ هذا الأمر لم يحدث –أو الأسوأ من ذلك، إذا تركنا الأمر يمرّ من دون محاسبة– فمن يستطيع التأكد من أن هذا الأمر لن يحدث مرة أخرى؟».
واعتمد الديمقراطيون في مرافعات الادعاء، على عرض تسجيلات فيديو لخطابات ترامب واقتحام مبنى الكابيتول من قبل أنصاره.
ويقول الديمقراطيون إن ترامب كان يعلم جيداً ما يقوم به عندما دعا أنصاره إلى الاحتشاد في واشنطن في ذلك اليوم. وعلى الرّغم من أن حظوظهم شبه معدومة في إدانة ترامب، سعى المدعون الديمقراطيون –أقلّه– إلى التأثير بالرأي العام في جلسات تبث مباشرة في أنحاء الولايات المتحدة كافة، وذلك من خلال ربط تصريحات ترامب بأحداث العنف في مبنى الكونغرس، والتي أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص، ودفعت المشرعين إلى الفرار بحثاً عن ملاذ آمن عندما كانوا يصوتون على اعتماد نتيجة الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة.
وقال رئيس فريق الادعاء، جيمي راسكين: «تظهر لكم الأدلة أن الرئيس السابق لم يكن متفرجاً بريئاً»، وأنّه «تخلّى عن دوره كقائد أعلى للقوات المسلّحة وصار محرضاً رئيسياً على تمرّد خطير».
بدوره، اعتبر النائب خواكين كاسترو أنّ اقتحام الكونغرس لم يأت «من عدم»، مشدّداً على أن ترامب غذّى غضب المحتجين «على مدى أشهر» من خلال مزاعمه بتزوير الانتخابات.
ولا تزال التدابير الأمنية في محيط مقر الكونغرس تذكّر بأعمال العنف مع انتشار عناصر الحرس الوطني والحواجز العالية.
وقالت النائبة ديانا ديجيتي لمجلس الشيوخ إنه عندما وجهت السلطات تهماً جنائية لعدد ممن اقتحموا الكونغرس، قالوا إنهم كانوا يعتقدون أنهم ينفذون أوامر ترامب في ذلك اليوم. وأضافت «طلب الرئيس منهم أن يكونوا هناك، لذلك فقد ظنوا حقاً أنهم لن يتعرضوا لعقاب».
ولن يتمكن الديمقراطيون على الأرجح من حشد العدد المطلوب لإدانة ترامب وحرمانه من تولي أي منصب عام مجدداً، نظراً لأن ستة جمهوريين فقط انضموا إلى الديمقراطيين للمضي قدماً بالمحاكمة. وتحتاج الإدانة إلى موافقة 17 عضواً جمهورياً على الأقل.
ويعتبر محامو ترامب أن تحميل الرئيس السابق مسؤولية أعمال عنف ارتكبتها «مجموعة صغيرة من المجرمين» الذين «أساؤوا فهمه تماماً» هو أمر «عبثي بكل بساطة». مشددين على أن ترامب «حضّهم على البقاء سلميين».
وقال ديفيد شون أحد محامي الدفاع عن الملياردير الجمهوري إن «أميركيين كثراً يرون المحاكمة على حقيقتها: محاولة من قبل مجموعة سياسيين لإخراج دونالد ترامب من الحياة السياسية».
ولا يزال ترامب يحظى بدعم قوي في صفوف الحزب الجمهوري، وحظوظ تبرئته وافرة، وقد تتم تبرئته مطلع الأسبوع المقبل.
وأفادت وسائل إعلام أميركية، نقلاً عن مصادر مقربة من ترامب، أنه من المرجح أن يعود إلى النشاط السياسي بعد انتهاء إجراءات العزل في مجلس الشيوخ الأميركي.
وأضافت صحيفة «بوليتكو»، نقلاً عن المصادر المقربة لترامب، بأن الموقف من المساءلة، في رأيهم، لا يزال يتطور لصالح الرئيس السابق.
وقال ناشط جمهوري للصحيفة «مر شهر منذ اقتحام مبنى الكابيتول، وأود أن أقول إن الحزب الجمهوري يلتف حوله مرة أخرى في أغلب الأحيان».
ويجادل المتحدثون في الصحيفة بأن عملية العزل أثبتت بالفعل أنها مفيدة لترامب، حيث سمحت بتحديد الجمهوريين غير الموالين لترامب وتسببت في رد فعل سلبي تجاههم من أعضاء الحزب العاديين. وبحسب الصحيفة، فإنه بعد انتهاء إجراءات العزل، سيعود ترامب، الذي خرج الآن من المجال العام، إلى النشاط السياسي والتركيز على «الانتقام» من الجمهوريين الذين ابتعدوا عنه.
Leave a Reply