عماد مرمل – «صدى الوطن»
بعد مرور قرابة 34 جلسة انتخابية من دون نجاح العماد ميشال عون فـي انتزاع الاكثرية النيابية المطلوبة للوصول الى رئاسة الجمهورية، يشعر رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية أنه بات من حقه ان يتمسك حتى الرمق السياسي الأخير بالفرصة التي سنحت له لبلوغ موقع الرئاسة.
وبرغم أن دعم رئيس حزب «القوات اللبنانية» ترشيح عون حّسن شروط المعركة الرئاسية التي يخوضها الجنرال، إلا أن فرنجية يعتبر بأن هذا التطور لا يكفـي لدفعه الى الانسحاب، لأن حسابات الورقة والقلم تثبت، حتى بعد تفاهم معراب، انه قادر على الفوز بالرئاسة بأكثرية 70 صوتاً إذا انعقدت جلسة الانتخاب فـي 8 شباط (فبراير) المقبل.
لا ينكر مؤيدو فرنجية أن إحدى أهم أوراق القوة التي يملكها عون تتمثل فـي حيثيته التمثيلية الواسعة فـي الساحة المسيحية، ولا ينفون أن تفاهمه الرئاسي مع جعجع أسند هذه الحيثية برافد إضافـي، لكنهم فـي الوقت ذاته يلفتون الانتباه الى أن فرنجية راعى كثيراً خلال السنوات العشر الماضية حساسيات عون وتحاشى التمدد فـي مناطق جبل لبنان تجنبا لاستفزاز الجنرال، ما أعطى انطباعاً بأن شعبية رئيس «تيار المردة» تنحصر فـي الشمال، خلافاً لحقيقة حجمه التي أثبتتها استطلاعات الرأي ومؤشرات الشارع المسيحي.
ويروي أحد المقربين من فرنجية انه عندما بادر «تيار المردة» الى افتتاح مكتب حزبي فـي منطقة جبيل الواقعة فـي جبل لبنان، أبدت أوساط فـي التيار الوطني الحر امتعاضها من الأمر، ووضعته فـي خانة سعي «المردة» الى منافسة «التيار الوطني الحر» على النفوذ والانتشار فـي بيئته، ما دفع فرنجية الى التأني والتمهل فـي مشروع التمدد، حرصا على العلاقة مع عون ومنعا لأي تأويلات ليست فـي محلها، فـي حين أنه كان بمقدوره، لو أراد، أن يتوسع جغرافـيا فـي اتجاهات عدة.
ومع ذلك- يضيف المقرب من فرنجية- تعرض زعيم «المردة» لانتقادات حادة من الجنرال ولحملة عنيفة من مناصري «التيار الوطني الحر»، بمجرد أن الرئيس سعد الحريري قرر أن يرشحه الى رئاسة الجمهورية بعد مرور عام ونصف العام تقريباً على الشغور، جرّب خلالها عون عبثاً كل الوسائل لانتزاع رئاسة الجمهورية.
ولعل أكثر ما يثير استغراب فرنجية ومناصريه محاولة عون وجعجع، بعد تفاهمها، اختصار المسيحيين بهما واعتبار ما يقررانه انعكاساً لإجماع فـي البيئة المسيحية، فـي حين أن فرنجية كما حزب «الكتائب» يمثلان شريحة واسعة فـي هذه البيئة، تضاف اليهما شخصيات أخرى تحمل بشكل او بآخر صفة تمثيلية كالنائب بطرس حرب والنائب ميشال المر والوزير ميشال فرعون والنائب فريد مكاري ورئيس حزب الوطنيين الاحرار دوري شمعون، كما يؤكد المبشرون بترشيح فرنجية.
ويرى داعمو فرنجية أن سعي عون وجعجع الى اختزال القرار المسيحي والتفرد بإدارة قواعد «الاشتباك الرئاسي» انما يشكل قفزا فوق معادلة لقاء بكركي الذي انعقد فـي الماضي برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي وجرى خلاله تكريس القيادات الأربعة (عون وجعجع وفرنجية والجميل) باعتبارهم الأقطاب الموارنة الأقوياء الذين يمثلون مرجعية مسيحية إلزامية للاستحقاق الرئاسي.
وإذا كان أنصار عون وجعجع يتهمون فرنجية بالانقلاب على التزامه السابق بالانسحاب لعون متى تمكن من الحصول على دعم جعجع له، مستندين الى دليل بالصوت والصورة مستمد من مقابلة أجراها فرنجية مع «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، إلا أن المتحمسين لزعيم «المردة» يعتبرون ان السياق الذي أتى فـيه دعم رئيس «القوات اللبنانية» للجنرال هو سياق مريب.
ويلفت هؤلاء الانتباه الى ان تأييد جعجع لعون اندرج بالدرجة الأولى فـي إطار رد الفعل على ترشيح الحريري لفرنجية، بعدما شعر الاول بانه طُعن فـي ظهره وأحس الثاني بانه حوصر فـي الزواية الرئاسية الضيقة، فكان تقاطع المصالح بينهما من باب الكيدية السياسية والسعي المشترك الى قطع طريق بعبدا أمام فرنجية، بعدما جمعتهما المصيبة، وبالتالي فإن توقيت تفاهم معراب وظرفه لا يعكسان فـي الجوهر حالة صحية، وإن كان الشكل قد أوحى بالايجابية.
وبهذا المعنى، يعتبر داعمو فرنجية أن تفاهم عون-جعجع فرضته الضرورة، وبالتالي فهو ليس تعبيراً عن المصالحة المسيحية المجردة والمنزهة من أي غرض شخصي أو منفعة ضيقة، وإلا لماذا لم يبادر رئيس «القوات» الى احتضان ترشيح عون قبل ان يقرر الحريري ترشيح فرنجية، ولماذا لم يكتشف إلا متأخراً حسنات الجنرال فـي حين انه كان حتى الامس القريب متهما بالتبعية لـ«حزب الله» والمحور السوري-الإيراني، وبالإساءة الى مصالح المسيحيين ودورهم التاريخي فـي لبنان.
ولئن كان جعجع قد حاول إحراج «حزب الله» أمام عون، بقوله إن الحزب أصبح أمام اختبار مصداقية تأييده لعون، معتبراً أن بمستطاعه، إذا شاء، ان يُلزم حلفاءه بالمشاركة فـي الجلسة النيابية المقررة فـي 8 شباط (فبراير) المقبل، لتأمين النصاب وانتخاب الجنرال رئيساً.. إلا ان أوساط فرنجية تضع هذا الكلام فـي سياق محاولة دس السم السياسي فـي عروق العلاقة بين الحزب وحلفائه، مشيرة الى أنه لا الحزب بوارد الضغط على أحد، ولا فرنجية او غيره من أركان «8 آذار» يمكن أن يرضخوا لأي ضغط.
وينبه هؤلاء الى أن جعجع يريد تعبئة عون ضد الحزب وإيجاد أزمة ثقة بينهما من جهة، واستدراج الحزب الى مواجهة مع المكون السني من جهة أخرى، عبر تحريضه على تأمين انتخاب الجنرال بالارجحية العددية وتجاهل الشرط الميثاقي غير المتوافر فـي ظل استمرار «تيار المستقبل» فـي رفض خيار الجنرال.
ويحذر مؤيدو فرنجية من ان صفقة معراب تكاد تساوي «مجرزة اهدن» سياسية، وإذا كان جعجع متهم بانه يقف فـي المجزرة الدموية قبل عقود وراء مقتل عائلة فرنجية، فانه شريك الآن فـي محاولة تصفـية ترشيح رئيس «المردة».
Leave a Reply