أحمد فتفت “القبضاي” ظاهرة سياسية عجيبة حتى بمقاييس “وطن العدم”، تم إطلاق العنان لها منذ عام ٢٠٠٥ عندما إعتمر حول رقبته ذاك الشال الأحمر والأبيض والأخضر الذي لبسه “ثوار ١٤ آذار الصغار”، تلك “الثورة-المعجزة” المكونة من عناصر تمجها حتى الكيمياء كونها خليطاً عجيباً هجيناً مؤلفاً من يساريين سابقين ويمينيين فاشيين حاليين ومستقلين عن السيادة والحرية والإستقلال جمعهم جون بولتون مندوب “أبو نعل” بوش في الأمم المتحدة، هذا الفاشل الذي لم يثبته الكونغرس في منصبه بسبب مشاكل مسلكية وإدارية وأخلاقية، وأطلق عليهم “ثورة الأرز”. كل اللبنايين شعروا بالمصاب الجلل بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بالأخص أولئك المؤيدين للمقاومة التي حماها سياسياً وكان قريباً جداً من قيادتها، لكن في لحظة نكبة وطنية شاملة، تسلل إليها مراوغون ومنافقون وانتهازيون وقتلة فركبوا الموجة مطالبين بقميص “عثمان” رغم أنهم كانوا من أشد الحاقدين على الرئيس الشهيد. لقد كانت لحظة مشينة لكل من ساهم في “ثورة الفجل”، أن تدنس ذكرى الشهيد الحريري برفع صورعقل هاشم وبشير الجميل معاً في يومٍ قمطريرٍ أو أن يطالب حليف الغفلة، “خريج الحبوس”، بالإقتصاص من قتلة رئيس حكومة (وهو مطلب حق) لكنه هو بنفسه مدان بقتل رئيس حكومة سابق!
نبت فتفت بسرعة كالفطر متغذياً من الجو المذهبي المسموم ومتحيناً الفرص، وبعد أن كان من أزلام سوريا في لبنان تحول إلى “صقر” من الصقور المتطرفة أين منها “اليمين اللبناني الغبي”، حسب تعبير وليد جنبلاط، وذلك جنباً إلى جنب مع مروان حماده والعلوش (الذي يذكرنا بـ”الدنيا هيك”) وحوري ومصباح الأحدب، وهذا الأخير مع بعض أقرانه “خلص غازهم” عند إستغناء “تيار المستقبل” عن خدماتهم في الإنتخابات النيابية الأخيرة التي علق عليها مصير العالم. وحانت فرصة فتفت عندما هرب حسن السبع من وزارة الداخلية بعد مظاهرة “السلفيين” وتحطيمهم للسفارة الدانمركية في الأشرفية (التي كانت بروفة لمعارك مخيم نهر البارد وسقوط جنود من الجيش اللبناني بعد تحطيم المخيم على رؤوس السكان المدنيين). بالمناسبة، أين أصبح شاكر العبسي والتحقيقات مع “فتح الإسلام” وعلاقتها المالية بأحد أهم أقطاب “١٤ آذار”؟ وأين أصبح مشروع فؤاد السنيورة بإعمار المخيم كما أبدع في إعمار ما دمرته إسرائيل وفي الإفراج عن المساعدات المستحقة للجنوبيين؟ “لا تندهي ما في حدا”! فالنتائج والحلول في “وطن الصفة المشبهة” هي أبعد ما يكون.
تسلم فتفت الداخلية في أسوأ مرحلة من تاريخ لبنان المزور فدشن “نشاطه” بمجزرة “الرمل العالي” ثم توج إنجازه الذي سيدخل فيه “المجد” بتسليم العدو للكرامة الوطنية في “ثكنة مرجعيون” بعد توزيع الشاي والقهوة على الجنود الغزاة المحاصرين! وتخليداً لأعماله الباهرة ظهر في أميركا حزب “حفلة الشاي” المتفتفت عن الحزب الجمهوري. فتفت خسر معركة الإنتخابات البلدية في عقر داره (كما حصل للمكاري ومعوض) لأنه لم تنقل المهاجر ولم يستنفر العالم ويحذر “بطرك عروبة الضرورة” من الخطر على “عروبة لبنان”. إستقال فتفت ظناً منه أنه سيواجه برفض الجماهير كما حصل مع الزعيم عبدالناصر ثم إجتمع مع سعد الحريري فكان المسامح كريماً فعاد عن الإستقالة!
فتفت لديه دور محدد لأنه “خبير” “١٤ آذار” في السياسة الدفاعية المتضمنة أصول الضيافة مع العدو، بالرد على السيد نصرالله في كل مرة يتحدث فيها ثم تتبعه “جوقة” الشتامين. هذه المرة، بدا أن فتفت وزمرته مهتمين بالقاعدة القضائية “المتهم بريء حتى تثبت إدانته” عندما تعلق الأمر بجاسوس إسرائيل، لكن هذا الحق منعوه عن الضباط الأربعة وعن سوريا التي ساقوا ضدها كل أنواع الإتهامات وحكموا عليها بالإعدام ثم “برأوا ساحتها” بعد التفاهم السوري-السعودي، ونقلوا “حكمهم المبرم” إلى غيرها. من يعلم، قد تصبح المحكمة الدولية موزعة تهم بالجملة وحسب الطلب. لقد تفوق فتفت عل نفسه عندما قال لو أن إسرائيل تسيطر على قطاع الإتصالات فعلاً لمنعت الإيقاع بعملائها، وكأن هناك جريمة كاملة أو أن إسرائيل يهمها مصير عميل باع وخان وطنه بثمنٍ بخس، كما لنا في معاملتها لعملاء لحد الذين التجأوا إلى الأراضي المحتلة اسوةٌ سيئة!
ويحدثونك عن هذه المحكمة الدولية قل أن علمها عند أشكنازي وجعجع. هذه المحكمة التي هربها فؤاد السنيورة مع حكومته غير الشرعية (التي يجب مراجعة كل قراراتها المشينة كما وعدت المعارضة النائمة)، في ليلة ليلاء من دون إجماع وطني محاولاً تطبيق البند السادس لأن لبنان بلد سائب بحاجة إلى وصاية دائمة. وما بني على باطل فهو باطل. فالمحكمة التي يروج جعجع وجوقة “الدنيا هيك” وأشكنازي بأن قرارها الظني ضد “حزب الله” سيصدر في أيلول، بني على أمرين: فبركة شهود الزور، والإتصالات الخليوية. فشهود الزور الذين استعملهم المحقق الأول “حاميها حراميها” ديتليف ميليس ومساعده اللص غيرهارد ليمان، حرفوا مصير التحقيق ولم تتم مواجهتهم. ثم ثبت بأن الإتصالات كلها مخروقة ومكشوفة لإسرائيل التي من خلال جواسيسها تستطيع أن تخلق أرقام هواتف وتمحي أخرى وتصدر رسائل من دون علم صاحب الهاتف، فما المانع من “خلق” إتصالات معينة أثر وقوع الجريمة؟ فهل أضحت المحكمة، غير المهنية منذ البداية في تحقيقها، صورة جديدة من صور العدوان الإسرائيلي؟
لقد أصبحت المؤامرة واضحة كالشمس. إغتيال الرئيس الحريري من أجل خلق فتنة مذهبية في لبنان عام ٢٠٠٥ المستفيد الأكبر فيها عدو لبنان الأوحد على أساس أن سلام لبنان هو أفضل وجوه الحرب مع إسرائيل التي أرادت الثأرلانسحابها الذليل عام ٢٠٠٠. وعندما فشل المخطط شنت إسرائيل عدوانها العسكري على لبنان فذاقت مر الهزيمة تكراراً، ولما فشلت الحرب بدأ الترويج الآن بأن المقاومة التي حماها الحريري هي التي قتلته وذلك من أجل بعث الفتنة من جديد وسحب الشرعية عنها بالتزامن مع تغيير دور “اليونيفيل” في الجنوب عبر خطة لارسن-فرنسا. لكن السؤال الذي لا يمكن أن يجيب عليه المتحمسون للإتهام الجديد هو: هل فعلت المقاومة كل ذلك من أجل فقد سندها، وإنسحاب سوريا من لبنان وكشف البلد المكشوف أصلاً لكل الخروقات الإسرائيلية وإحضار جحافل القوات الدولية للجنوب كمن يأتي بالدب إلى كرمه؟ وهل ستقف المقاومة وجمهورها مكتوفة الأيدي حيال إثارة الفتنة النائمة؟
إنه فعلاً “يمين غبي”!
Leave a Reply