الف الكاتب مايكل هارت في العام 1979 كتابا عدد فيه اكثر من مئة شخصية مؤثرة في تاريخ الانسانية وضع النبي محمد (ص) في المرتبة الاولى فيه على انه اكثر شخص على الاطلاق ترك اثرا مازال مستمرا على البشرية. وقد وضع الكاتب سيرة ملخصة لكل شخصية ادرجها في كتابه والسبب الذي من اجله وضعها في مرتبة معينة. وجاء في العشرة مراتب الاولى: النبي محمد، اسحق نيوتن، عيسى المسيح، بوذا، كونفوشيوس، القديس بول، تسي لون، جوهانس غيتيسبورغ، كريستوفر كولومبوس، والبرت اينشتاين.وكتب مايكل هارت في كتابه، في الجزء الاول المخصص للنبي محمد، يقول: «ان اختياري لمحمد ليكون اكثر شخص تأثيرا في تاريخ البشرية قد يفاجئ البعض، وربما أثار تساؤلات البعض الآخر، لكن ثمة حقيقة هي أن محمد هو الرجل الوحيد في التاريخ الذي استطاع ان ينجح بشكل مذهل، معاً، في دعوته الدينية وفي حركته المدنية».
فمحمد، على ما يذكر هارت في كتابه، استطاع، من بدايات متواضعة، ان يؤسس وينشر واحدا من اعظم الاديان في العالم، واستطاع ان يصبح من اكثر القادة في التاريخ تأثيرا. ورغم مرور 13 قرنا على وفاته، بقي وتعاليمه ذو تأثير كبير على مئات ملايين من الناس.ويقول هارت بأن كل الاشخاص الذين ذكرهم في كتابه على انهم الاكثر تأثيرا في التاريخ الانساني، تميزوا بنشأتهم في قلب الحضارات، وتسنى لهم ان يشهدوا حواضر عالية الثقافة وذات حياة سياسية متقدمة. بعكس محمد الذي ولد في عام 570 ميلادي في مكة، في جنوب الجزيرة العربية، اي في اقصى العالم، بعيدا عن مراكز الحضارة والفن والتجارة والتعليم الاكاديمي. وقد نشأ محمد يتيما في بيئة شحيحة حضاريا. وكان اميا على ما تذكر السيرة النبوية. ولم تتحسن احواله المالية الا بعد ان تزوج السيدة خديجة في عمر 25. وكان قد بلغ الاربعين من عمره دون أن يكون قد انجز او حقق تلك المكانة العالية بعد.وكان العرب في ذلك الوقت يعبدون آلهة متعددة، ولم يكن هناك الا قلة قليلة من الموحدين المسيحيين واليهود، ومنهم تعلم محمد ان ثمة إله واحدا أحداً يدير العالم بأسره. وفي سن الاربعين، ادرك محمد ان ذلك الإله الواحد، الله، يوحي اليه، وانه اختاره ليبلغ رسالته. ولثلاث سنوات، حصر محمد دعوته للأقربين من اهله واصحابه. وفي العالم 613، بدأ الدعوة العلنية. وقد اعتبرته قريش خطرا عليها بعد ان نجح شيئا فشيئا وببطء في كسب المناصرين الذين آمنوا برسالته. في سنة 622، وخوفا على سلامته، هاجر الى المدينة حيث قبل به اهل المدينة ليتسلم السلطة السياسية.ومع قلة عدد مناصريه في مكة، بلغ المناصرون في المدينة اعدادا كبيرة، واستطاع تأثيره ان يجعل منه صاحب الكلمة المسموعة. وبعد سنوات، ومع ازدياد المؤمنين برسالته، وقعت عدة معارك ما بين مكة والمدينة انتهت في عام 630 عندما عاد محمد الى مكة فاتحا. وتميزت السنتين والنصف سنة الاخيرة من عمره بدخول القبائل العربية بوتيرة متسارعة في الدين الجديد. وعند وفاة محمد، كان قد أصبح الحاكم الاوحد لجنوب الجزيرة العربية.ومع ان رجال القبائل العربية كانوا مقاتلين اشداء الا ان عددهم قليل، وتوحدهم صعب، وعداواتهم كثيرة، ولم يكونوا مؤهلين لمواجهة جيوش جرارة للامبراطوريات المحيطة بهم في الشمال، البيزنطية والفارسية. لكن محمد استطاع توحيدهم لأول مرة في تاريخهم، مدفوعين بايمانهم بالاله الواحد، واصبحت بالتالي هذه القبائل المتناحرة والتي تحمل تاريخا مديدا من التقاتل، بفضل محمد، جيشا موحدا استطاع ان ينجز فتوحات مثيرة للدهشة كانت الاكثر نجاحا في تاريخ البشرية.واستطاع العرب، بفضل تأثير ارث محمد، ان ينتصروا على الامبراطورية الفارسية، الساسانية، في الشمال الشرقي والامبراطورية البيزنطية، المتمركزة في بيزنطة، رغم اعدادهم القليلة مقارنة بجيوش الامبراطوريتين، حتى فتحوا كل بلاد مابين النهرين وسوريا وفلسطين. ومع حلول العام 642، انضمت مصر الى الدولة الاسلامية وانتهت اسطورة الجيش الفارسي مع واقعة القادسية في العام 637، ومعركة النهاوند في 642.ولم تكن الفتوحات التي قام بها الخلفاء، وهم اصحاب محمد، ابو بكر الصديق وعمر بن الخطاب نهاية التأثير المحمدي، ففي عام 711 وصل الجيش العربي الى شمال افريقيا على السواحل الاطلسية حيث انعطفوا شمالا وصولا لاسبانيا.ولوهلة، بدى ان المسلمين سيسيطرون على كل اوروبا المسيحية. وبالطبع، لم يستطع العرب البدو ان ينشئوا امبراطورية تمتد من حدود الهند الى المحيط الاطلسي، وهي اكبر حضارة على وجه الارض حتى تلك اللحظة، لولا التأثير العظيم لشخصية محمد. والذي ميز الفتوحات تلك، انه حيثما وصلت الجيوش الاسلامية، انضم الناس في البلدان الجديدة الى الاسلام. وبعد تاريخ مديد، ورغم استقلال بلاد فارس عن الدولة العربية، الا انها بقيت مسلمة ومخلصة للدين الجديد، وحضارات بلاد مابين النهرين، وسوريا، وكل شمال افريقيا، اصبحت بلدان عربية وبقيت على اسلامها. واستمر الاسلام في التوسع ابعد من الفتوحات الاسلامية. واليوم يتواجد الملايين من المسلمين في وسط آسيا، الباكستان، شمال الهند، وفي اندونيسيا والتي اصبح الدين الجديد مسؤولا عن توحيدها. فكيف اذن يمكن تقدير التأثير الذي مارسه محمد على التاريخ الانساني؟ويذكر مؤلف الكتاب، انه قد يتساءل البعض كيف وضع محمد في المرتبة الاولى كأكثر شخصية مؤثرة في التاريخ الانساني دون عيسى المسيح مع ان عدد المسيحيين يبلغ ضعف المسلمين؟ ويجيب هارت كاتبا بأن هناك سببان لذلك: الاول، ان محمد لعب دورا اهم بكثير في تطوير الدين الاسلامي ونشره من عيسى في تطوير الدين المسيحي. صحيح ان المسيح هو المسؤول عن المبادئ الاخلاقية الاساسية في الدين المسيحي، الا ان الذي عمل على تطوير الدين المسيحي ونشره هو القديس بول، وعن وضع الأسس الفلسفية (اللاهوت) والذي يرجع اليه الفضل في كتابة القسم الاكبر من الانجيل، العهد الجديد. الا ان محمدا كان مسؤولا عن تطوير الاسلام من الناحية الاخلاقية، المبادئ، وعن وضع فلسفته الإلهية (العقيدة)، وعن نشر الدين بين المسلمين، بالاضافة الى وضع الاسس العملية لممارسة الدين الاسلامي. وهو الذي تكلم بالقرِآن وليس عند المسيح ارث فكري كالذي تركه محمد. لذلك، عد الكاتب تأثير محمد في الاسلام اكبر من تأثير عيسى والقديس بول مجتمعين في المسيحية. ولكن على الصعيد الديني الخالص، يرى المؤلف ان محمد وعيسى يتساويان في تأثيرهما تاريخيا.لكن ما يميز محمد هو انه كان بالاضافة الى قيادته الدينية، قائدا مدنيا، حيث كان القوة المحركة للفتوحات العربية، وتبعا لذلك، يمكن تصنيف محمد على انه القائد الاكثر تأثيرا في تاريخ البشرية.ويضيف المؤلف، انه وبمقارنة الفتوحات الاسلامية بفتوحات المغول والتي كانت اشرس وأكثر شدة من العرب وكانت بتأثير من جنكيز خان، الا انها فشلت في الاستمرار ولم يبق للمغول اثر الا في المنطقة التي كانوا فيها قبل مجيء جنكيز خان، بينما استطاع تأثير الفتوحات العربية ان يبقى من العراق الى المحيط الاطلسي حيث تميزت المنطقة بالحفاظ على لغة واحدة وتاريخ مشترك وارث حضاري موحد، واستطاع تأثير القرآن ان يمنع اللغة العربية من الانقسام الى لغات عديدة كما حدث مع اللغة اللاتينية، وبقيت الهوية العربية في هذه البلدان سمة وحدة وهذا لم يكن ليحدث لولا تأثير محمد.
Leave a Reply