علي منصور
كان لرحيل محمد حسن عثمان وقعاً قوياً في نفوس أبناء الجالية العربية، لما شكلته قصة هذا الشاب اليافع من نموذج للكفاح والمقاومة والثقة العالية بالنفس. فعلى مدار أكثر من عام خاض محمد صراعاً وجودياً مع أخبث الأورام السرطانية من دون أن تضعف همته أو تهون عزيمته حتى لحظاته الأخيرة. وبالرغم من معركته الشرسة مع المرض العضال استطاع محمد أن ينهي عامه الدراسي الأخير في الثانوية بتفوق ملحوظ وأن يتقدم للانتساب لـ«جامعة ديترويت مرسي» التي كان ينوي دراسة طب الأسنان فيها. لم تخبُ فسحة الأمل في تفكيره ولم ينكسر طموحه بالرغم من إدراكه لخطورة ما تحمله الأيام الآتية، ولكنه لم ييأس ولم يتقوقع على نفسه كما يحدث في حالات مشابهة، إنما تحول إلى مصدر إلهام لكل المحيطين به. وفي النهاية، قال القدر كلمته، وارتقى محمد تاركاً خلفه حرقة الأهل والأحبة والأصدقاء لفراقه.
في يوم وفاته، هبّ أبناء الجالية بعفوية لملاقاته في «المركز الإسلامي»، وفي يوم وداعه كان له مأتم مهيب وحاشد تجمع الكثيرون من كافة الأطياف لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه المسجى قبل مواراته الثرى.
كانت هذه رسالة عفوية تجب قراءتها بكل إيجابية، مؤداها أن جاليتنا ما زالت حيّة وقوية وأن وحدتها وتكاتفها هو السبيل الأنجع لإثبات الوجود وتحصيل الحقوق والمحافظة على الهوية الثقافية على الساحة الأميركية.
وبطبيعة الحال فإن ذلك هو مطلب السواد الأعظم من أبناء الجالية، وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يمنع أبناء الجالية من التوحد والانصهار السياسي حتى لا تتكرر مشهدية انتخابات المجلس التعليمي لمدينة ديربورن، وللحفاظ على ما تبقى من مقاعد يشغلها عرب هي على طريق التبخر والاضمحلال، إذا ما بقيت الأمور على هذا المنوال ؟
وإذا كان الأمر يتطلب في بعض الأحيان المباشرة والمواجهة، فإنه بنفس الوقت يتطلب العمل على وضع التصورات التي تخرج بحلول وعلاجات لرأب الصدع وإعادة توحيد الصوت العربي المهدد بالتلاشي.
وصحيح أن اصطناع الموادعة وغض الطرف يجنب المرء ندوب المواجهة، ولكن ذلك يحوله إلى آلة صماء تفقده حسّه بالمسؤولية. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الوصف هنا، وفي مقالاتي السابقة أيضاً، ليس موجهاً لشخص بعينه كما يفهم البعض، كما أنه ليس موجهاً ضد المرأة العربية التي نحترم ونقدر وندعم ونثني على دورها ومسيرتها في المجتمع العربي–الأميركي.
مشهدية الألفة والتضامن والالتفاف في مأتم محمد عثمان يجب أن تكون حافزاً للجميع من أجل إعادة النظر في السلوك السياسي، ويجب أن تكون محطة يقف عندها الجميع لإعادة القراءة والتقييم، وصوغ علاجات ناجعة للمقبل من الأيام..
رحل محمد، ذلك الشاب المفعم بالحب والنشاط والحيوية، تاركاً ثلماً في قلوب من أحبوه وعايشوه، وخسرت الجالية بفقده أحد أبنائها الواعدين.
رحل محمد.. ولكن رحيله كان مشرفاً ومؤثراً إلى أقصى حد!
Leave a Reply