ديربورن – «صدى الوطن»
لم يستطع أكثر الأمراض خبثاً أن يطفىء جذوة الشباب في روح الطالب العربي الأميركي محمد عثمان (18 عاماً)، كما لم يفلح في ثني عزيمته عن إكمال دراسته الثانوية والتخرج مع أقرانه في ثانوية «ديربورن هاي»، بمعدل 4.5 في الفصل الأخير من دراسته الثانوية.
الشاب اللبناني الأصل، الذي يعشق رياضة الجري وشارك في العديد من فعالياتها بمختلف أنحاء البلاد، بدأ يشعر في أيلول (سبتمبر) 2017 بأنه ليس على ما يرام، فلجأ إلى غرفة الطوارئ في مستشفى «هنري فورد»، حيث كشف فحص الدم بأنه مصاب بسرطان الغدد اللمفاوية من الدرجة الرابعة كما تم تشخيص انتشار المرض الخبيث في نخاع العظام بحيث لم يعد بمقدور جسمه إنتاج الخلايا اللازمة لمكافحة الالتهابات.
ومنذ تلك اللحظة، بدأ محمد وشقيقه التوأم علي، كفاحاً يومياً متواصلاً لتحويل المصاب الأليم إلى قصة إلهام ونجاح مؤثرة.
محمد الذي يخضع لعلاج كيماوي كل ثلاثة أسابيع، كان قادراً على تحمل آثار هذا العلاج الصعب، بفضل الدعم العميق الذي تلقاه من أسرته وزملائه ومعلميه، ليتمكن من هزيمة الإحباط واليأس ويتحول إلى مصدر إلهام للكثير من زملائه الطلبة، خاصة بعد نجاحه الأكاديمي، وقبوله في «جامعة ديترويت ميرسي» لدراسة طب الأسنان، وهو الاختصاص الذي رغب بدراسته على الدوام.
إذ بالرغم من المرض الخبيث وتبعاته، تخرج عثمان بمعدل عام قدره 3.8 وبمعدل 4.5 في الفصل الأخير الذي درس فيه أيضاً صفوفاً إضافية في «كلية هنري فورد»، وهو مجهود لا يقدر معظم الطلاب الأصحاء على بذله.
توأم داعم
الإيمان وقوة العزيمة ساعدتا محمد على مقاومة المرض الذي يثير مجرد ذكر اسمه، الهلع في نفوس الكثيرين، ولكن ذلك ما كان ليتحقق لولا الدعم المتواصل من شقيقه التوأم.
علي، ليس توأماً يشبه أخاه بالشكل وحسب، فالأخوان توأمان من الناحية النفسية والوجدانية كذلك. وقد أدى علي دوراً «لا يقدر بثمن» في مساندة أخيه والمحافظة على معنوياته المرتفعة. فكان إلى جانب شقيقه المريض في كل خطوة على الطريق، يشجعه دوماً على الانخراط في الحياة الاجتماعية وعدم الانعزال عن الآخرين.
وفي هذا السياق، أشار محمد إلى أن أخاه كان السبب في امتلاكه مقدرات النجاح، وقال: «لقد كان هو السبب في أن أكون شخصاً إيجابياً طوال الوقت».
ومع أن المرض الفتاك غالباً ما يضع حياة المرضى في ثلاجة الانتظار، إلا أن علي أثنى على قدرة أخيه وهمته العالية من تجاوز الصعوبات والحفاظ على حياته النشطة.. الأمر الذي شكل له مصدر إلهام بالمقابل، في حياته وفي دراسته.
يصف علي لحظة تشخيص الإصابة بالسرطان بأنها «دعوة للاستيقاظ»!
ففي اللحظة التي علم فيها أخوه بأمر مرضه، كان وقع المفاجأة صعباً ومريراً، ولكنه تقبل الأمر سريعاً، مصراً على أن يعيش حياته، فكانت تلك اللحظة دليلاً على قوة عزيمته وعمق إيمانه.
وفي الوقت الذي كان فيه علي يكرّس الكثير من وقته وجهده لمساندة أخيه، تخرج هو أيضاً من ثانوية «ديربورن هاي» بمعدل 4.5 وحصل على خمس منح دراسية، وسيقصد في الخريف القادم «جامعة بنسلفانيا» المرموقة لدارسة الشؤون الدولية وإدارة الأعمال.
كان علي الطالب الوحيد بين زملائه الذي تم قبوله في جامعة مرموقة من جامعات الـ«آيفي ليغ».
شبكة دعم
على الرغم من انشغال علي بالتحضير لدراسته الجامعية، إلا أن محمد لا يشعر بالوحدة، بسبب الرسائل الكثيرة التي تصل من زملائه ومعلميه، متمنين له الشفاء العاجل، والخروج من الأزمة الصحية بالسلامة.
وقد أثنى كلا التوأمين على مستشارهما الدراسي روبرت توماس الذي اعتاد زيارة محمد في منزله أسبوعياً، ولعدة ساعات، لمساعدته على متابعه وظائفه المدرسية والتحضير للامتحانات.
وبدوره، أشاد علي بالمعلم والمستشار روبرت يودر، واصفاً إياه بـ«الأب الثاني»، لافتاً إلى أن نصائحه وإرشاداته المثمرة مكنته من مساعدة أخيه المريض بأفضل طريقة ممكنة.
وعقب كل جلسة علاج كيماوي، يعاني محمد من أعراض التعب والضعف الجسدي والغثيان والقيء، لكن ذلك لا يثنيه عن ممارسة الرياضات التي يحبها، مثل الجري والسباحة والدراجات الهوائية. كما أنه ينتظر بفارغ الصبر بداية السنة الدراسية الجديدة لدراسة طب الاسنان في «جامعة ديترويت ميرسي» عبر الانترنت.
ومن المتوقع أن يخضع محمد في نهاية آب (أغسطس) الجاري لعملية زرع نخاع العظام، ورغم ذلك تبقى روحه المعنوية عالية.. لا تخطئها العين. إذ يقول واصفاً أعراض جلسات العلاج: «كل شيء جيد.. فأنا لا أجلس طوال اليوم».
Leave a Reply