بقلم: كمال العبدلي
مالك بن نبي يعرّف الثقافة فـي كتابه «مشكلة الثقافة» فـيقول إنها: «مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر فـي الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعوريًّا العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة فـي الوسط الذي ولد فـيه» (15).
فما هي الثقافة إذاً بين كل هذه التعريفات الغربية منها والعربية؟.
– هل الثقافة هي: «العلوم والمعارف والفنون… التي يطلب فـيها الحذق»؟.
– أم هي: «الحذق وفهم العلوم والمعارف والفنون…»؟.
– أم هي: «المركب الكلي الذي يشمل المعرفة والمعتقد والفن والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً فـي المجتمع»؟.
– أم هي: «النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب يعيش فـي حالة الاتصال المستمر بين أفراده، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الآباء وعبر العمليات التربوية»؟.
– أم هي: «جهاز فعال ينتقل بالإنسان إلى وضع أفضل»؟.
– أم هي: «الجهد المبذول لتقديم مجموعة متماسكة من الإجابات على المآزق المحيّرة التي تواجه المجتمعات البشرية»؟.
– أم هي: «نظام مغلق من الأسئلة والأجوبة المتعلقة بالكون والسلوك الإنساني»؟.
– أم هي: «المنجزات الفكرية المعنوية التي يبتكرها الإنسان فـي تنظيم حياته مع الآخرين»؟.
إذا نحن بسّطنا الموضوع قليلاً، وتجنّبنا محاولة الوقوع فـي مطب تعريف الثقافة تعريفاً جامعاً مانعاً كما يقول أهل الاصطلاح، واكتفـينا من كل ذلك بالحديث عن الثقافة كمفهوم حديث أو كمصطلح حديث، فلربما أمكننا القول عن الثقافة: إنها المخزون الحي فـي الذاكرة، كمركب كلي ونمو تراكمي، مكوّن من محصّلة العلوم والمعارف والأفكار، والمعتقدات والفنون والآداب، والأخلاق والقوانين والأعراف والتقاليد، والمدركات الذهنية والحسية، والموروثات التاريخية واللغوية والبيئية، التي تصوغ فكر الإنسان، وتمنحه الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تصوغ سلوكه العملي فـي الحياة.
هذا المخزون الحي، قد يتمثل لدى الشعوب على شكل عقيدة فعّالة محرّكة لما يصدر عن أفراد الشعب من قول أو عمل، وما ينجزه على الصعيدين الفكري والعملي، الفردي والاجتماعي على السواء، من مهام ووظائف.
ترى هل تجاوزنا بهذا المفهوم الواسع الذي قدمناه للثقافة كل التعريفات التي تتراوح كما يقول الدكتور معن زيادة «بين القول: إن الثقافة هي مجرد اكتساب درجة من العلم والمعرفة، أي أنها تعني الإبداع والابتكار الفني والجمالي، وبين القول: إنها السلوك أو نمط التعبير الخاص بمجتمع من المجتمعات، أو إنها تقتصر على الضروب الرفـيعة من التفكير النظري والتجريد، مروراً بالعشرات من وجهات النظر والآراء، التي تفهم الثقافة من زوايا خاصة، ووفق أغراض محدّدة؟» (16).
وينبغي ألاّ يغيب عن البال أن مفهوم الثقافة يختلف باختلاف الزمان والمكان، ولعله لا يطول بنا الزمان، لنرى الثقافة قد خرجت من أسر القومية والإقليمية والعرقية والطائفـية، لتدخل أفق العالمية، وتنشر ظلالها الصحية على البشرية فـي جميع أنحاء المعمورة.
بعد أن استعرضتُ رأي الأديب ابراهيم محمّد جواد، وبغية استكمال أوسع رؤيا حول مفهوم الثقافة، أورد هنا رأيَ الأديب صالح بن عبدالعزيز محمّد المنشور فـي موسوعة وزارة الشؤون الإسلاميّة السعوديّة:
مفهوم الثقافة
تعد الثقافة الإسلامية من أهم العلوم الإنسانية التي ينبغي على طالب العلم التزود بها, ودراسة مفاهيمها ومضامينها المتنوعة لبناء شخصيته العلمية بناءً يأخذ فـي الاعتبار ما عبر عنه بعض المفكرين بقوله: « ينبغي أن نعرف أنفسنا, وأن نعرف غيرنا, وأن نُعرف الآخرين بنا ».
ولأهمية الثقافة الإسلامية فـي ذلك تحقيقًا للذاتية أولا بمقوماتها العقدية والتشريعية والأخلاقية, ورسالتها فـي الحياة, وفعاليتها فـي التاريخ والحضارة. وثانيا لتحقيق التواصل الفكري فـي أبعاده الاجتماعية والإنسانية، ولأهمية الوقوف عليه كمفهوم ومن ثم كمصطلح لعلم بعينه- يجري استجلاء مصطلح الثقافة فـي النقاط الآتية:
أولا – مفهوم الثقافة فـي اللغة العربية:
بالرجوع إلى لفظ (الثقافة) ودلالاته فـي معاجم العربية وقواميسها والقرآن الكريم وعلومه والسنة النبوية وعلومها وكتب التراث الإسلامي بعامه يستخلص أن منها ما يدل على الصفات الذاتية للمتعلم وهي: (الفهم – الفطنة – الحذق – سرعة التعلم – ضبط العلم)، ومنها ما يدل على معنى الآلة حيث استعملت الثقافة أداةً وأسلوبا فـي (تسوية المعوج وما يدخل فـي ذلك من التهذيب والإصلاح والتقويم)، ويؤيد هذا ما ورد فـي بعض المصادر عن آلة كانت تسوى بها الرماح تسمى «الثقافة». ومنها ما يدل على معنى زائد عن الصفات التي يتصف بها المتعلم؛ ليشمل موضوع الثقافة محسوسا كان أو معنىً كما فـي (الإمساك بالشيء والظفر به ومصادفته وحيازته).
Leave a Reply