عواصم – تواصلت خلال الأسبوع الماضي الحملة على النظام السوري، مع تقدم السعودية الى موقع رأس الحربة، وعودة تركيا الى الأضواء تحت عنوان “أصدقاء سوريا”.. في حين سجل تردد أميركي ملحوظ بعد تقارير استخباراتية تؤكد وجود “القاعدة” في نسيج المعارضة السورية، مع إصرار فرنسي على تنحي الرئيس الأسد مع إمكانية طرح الأزمة السورية مجدداً في مجلس الأمن عبر بوابة باريس.
وكان السيناريو الليبي قد حضر بقوة في مجلس وزراء الخارجية العرب الذين طالبوا بالتدخل العسكري الأجنبي في سوريا، ولكن هذا الطلب لم يمحُ حقيقة أن “سوريا ليست ليبيا”، وهذا ما بدا جلياً في معظم التقارير الغربية التي أكدت على خطورة تكرار هذا السيناريو في سوريا. وأبدت كل من واشنطن وباريس ولندن تحفظات صريحة على القرار الذي اتخذته الجامعة العربية في القاهرة الأحد الماضي بالتوجه الى مجلس الامن الدولي لطلب إرسال قوات حفظ سلام عربية ودولية لحفظ السلام في سوريا. ورأت العواصم الغربية الثلاث أن القرار يواجه تحديات سياسية وعملية، وحرصت على النأي بنفسها عن احتمال مشاركتها في مثل هذه القوات. وألمح وزراء الخارجية العرب، بقيادة دول خليجية، للرئيس السوري بشار الأسد إلى أنه ما لم يوقف حملة “العنف” فقد تسلح بعض الدول الأعضاء في الجامعة العربية المعارضين.
وجاءت هذه الرسالة غير المباشرة في البند التاسع من قرار مجلس وزراء خارجية الجامعة العربية الأحد الماضي، الذي حث العرب على “فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية، وتوفير كافة أشكال الدعم السياسي والمادي لها” وهي عبارة تنطوي على إمكانية تقديم السلاح للمعارضين.
ومع مواصلة حملته، حقق محور “إسقاط الأسد” نصراً معنوياً بعد أن تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا غير ملزم يؤيد “المبادرة العربية” التي تدعو الرئيس السوري إلى التنحي، وجاءت هذه الخطوة، التي وقفت خلفها السعودية، مع تقديم دمشق لمشروع دستور تعددي ديمقراطي سوف تطرحه للاستفتاء في 26 شباط (فبراير) الحالي.
ووافقت على القرار الأممي 137 دولة، وعارضته 12 بينها الصين وروسيا وإيران، بينما امتنعت 17 عن التصويت. يشار الى ان هناك 193 دولة في الجمعية العامة. ويطالب النص، الذي صاغته السعودية وطرحته مصر للتصويت، “الحكومة السورية بإنهاء هجماتها على المدنيين، ويدعم جهود الجامعة العربية لتأمين انتقال ديمقراطي للسلطة في سوريا، ويوصي بتعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة إلى سوريا”.
من جهتها، تمسكت روسيا بموقفها حيال الأزمة السورية وأعلنت موسكو أن وقف العنف من قبل كل الأطراف يجب أن يسبق انطلاق العملية السياسية، محذرة من أن سحب السفراء الغربيين والعرب من دمشق “قد يدل على استعدادات لنزاع واسع النطاق في سوريا”.
وقال دبلوماسيون في وقت سابق إن الوفود العربية رفضت تعديلات طلبتها روسيا التي لا تريد الإشارة إلى تنحي بشار الأسد، وتريد ربط عودة الجيش إلى ثكناته بـ”إنهاء هجمات الجماعات المسلحة”.
ومن جهته، قال مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري ان “تناول ملف سوريا من خلال ثلاثة بنود مختلفة خلال عشرة أيام يهدد مصداقية الجمعية العامة للأمم المتحدة ويظهر أن سوريا مستهدفة من حيث المبدأ وليس لأي سبب آخر”. واعتبر أن “قرارات الجامعة العربية تنتهك سيادة سوريا وتخالف القوانين الدولية وتشجع الجماعات الإرهابية المسلحة وهجماتها”، وأن “الجامعة العربية أصبحت تنافس أعداء العرب في الإساءة إلى سوريا”.
ولم يسفر اجتماع وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، في فيينا، عن إحراز تغيير في مواقف الطرفين من سوريا مع جهود باريسية لطرح الأزمة السورية مجدداً على مجلس الأمن. وقال جوبيه في مؤتمر صحافي بعد اللقاء، “يمكننا ربما أن نلتقي حول هدف على المدى القصير جدا، حول وقف المجازر”. وأضاف “يجب بذل كل المساعي من اجل وقف العنف وتقديم مساعدة إنسانية كبيرة للشعب السوري الذي يواجه وضعا رهيبا”.
ومن ناحيته، اعتبر وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، أنه يتوقع رسالة قوية للنظام السوري من مؤتمر “مجموعة أصدقاء سوريا” الذي سيعقد في 24 من الشهر الجاري في تونس، داعياً الأمم المتحدة للتدخل لتوفير المساعدة الإنسانية في سوريا.
وقال أوغلو “على الأمم المتحدة توفير المساعدة الإنسانية”. وشرح أوغلو أن مسألة تقديم مساعدات إنسانية ستبقى على أجندة الأمم المتحدة، وأن الأتراك اتخذوا المبادرات الضرورية مع الأمم المتحدة في جنيف وسيتابعون المسألة عن كثب. ومن جهة أخرى كشفت صحيفة “صباح” التركية، المقربة جداً من حكومة رجب طيب أردوغان، أن أنقرة تفضّل إقامة “ممر إنساني” إلى سوريا من البحر المتوسط، لأنها غير متحمسة لفكرة فتح حدودها لتكون بمثابة هذا “الممر الانساني” بسبب المخاطر التي يكتنفها مثل هذا الخيار.
الاستخبارات الأميركية: “القاعدة” في سوريا
وقد برزت تصريحات لافتة لمدير الاستخبارات القومية الأميركية جيمس كلابر الذي رجح ان يكون تنظيم “القاعدة” هو الذي نفذ التفجيرات الانتحارية في دمشق وحلب، مؤكدا اختراق عناصر التنظيم صفوف المعارضة المشتتة.
وقال كلابر، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، إن التفجيرات التي شهدتها دمشق وحلب “تحمل جميعها بصمات “القاعدة”، لذلك نعتقد أن “القاعدة” في العراق آخذة في مد نفوذها إلى سوريا”. وأعرب كلابر عن قلقه من أن مسلحين من “القاعدة” اخترقوا المعارضة السورية المنقسمة. وقال إن “ظاهرة أخرى مثيرة للانزعاج هو أننا شاهدنا مؤخرا تواجد متطرفين اخترقوا جماعات المعارضة”، مشيرا إلى أن “جماعات المعارضة في العديد من الحالات ربما لا تعلم بوجودهم بينها”(!). وأكد كلابر أن المعارضة متشرذمة بشكل كبير، وان النظام السوري على ما يبدو قادر على الاحتفاظ بالسلطة في الوقت الحالي، مشيرا إلى انه لا توجد مؤشرات حاليا على أن الأزمة في سوريا ستنتهي قريبا. واعتبر أن تشرذم المعارضة قد يؤدي إلى فراغ في السلطة إذا سقط الأسد، وان المتشددين قد يسدون هذا الفراغ، واصفا هذا الأمر “بالمقلق” لان سوريا تملك أسلحة كيميائية.
ومن ناحيته، أعلن زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري في شريط فيديو ظهر على مواقع جهادية على الإنترنت دعمه للثوار السوريين، وحذرهم من الاعتماد على الغرب والدول العربية، ودعا المسلمين إلى نصرة الشعب السوري بكل ما يملكون. وحث الظواهري المسلمين في تركيا والعراق ولبنان والأردن على النهوض لمساعدة السوريين الذين يواجهون قوات الأسد. وقال إن كل مسلم في تركيا والعراق والأردن ولبنان يجب أن “يهب لنصرة إخوانه في سوريا بكل ما يملك، بنفسه وماله وقوله ورأيه ومعلوماته”. ويؤكد “جهاديون” عبر منتديات حوارية على الانترنت ان “مجاهدين” عرباً اصبحوا يقاتلون بالفعل في مناطق مختلفة في سوريا.
من جهته، أعرب الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية “الموساد”، مئير داغان، عن ثقته بأن النظام السوري لن يسقط، رغم اعترافه بأن “سقوط هذا النظام سيكون مدعاة للسرور” بالنسبة إلى حكومته. وقال داغان: “سأكون مسروراً جداً لو رأيتُ سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، لكن مع أسفي الشديد، يبدو أنني لن أرى هذا السقوط، فالنظام لا يزال صامداً ومستقراً، إذ لا انشقاق في صفوف الضباط الرفيعي المستوى في الجيش، ولا تزال المؤسسة العسكرية مستقرة، وحقيقة أن الأسد قادر على تحريك وحداته العسكرية بنحو كامل دليل على أن الجيش ليس في مرحلة الانهيار، وأن النظام لا يزال منيعاً”.
دستور جديد
ومع استمرار عملية الحسم الميداني ضد المجموعات المسلحة في عدة محافظات سورية وفي ظل ورود تقارير يومية متناقضة عن أعداد القتلى من الطرفين، تسلم الرئيس الأسد مشروع دستور جديد للبلاد سوف يطرح للاستفتاء الأسبوع القادم، وينهي احتكار حزب “البعث” للسلطة، ويفترض أن تتبعه انتخابات خلال تسعين يوماً. ودعا معارضون الى مقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور.
Leave a Reply