كمال ذبيان – «صدى الوطن»
تغيّر الزمن الذي كان فيه الكيان الصهيوني، هو الذي يقرّر الحرب العسكرية والنفسية، ويفرض على العالم العربي أن يتلقى ما يقرره قادته، ولم يعد يملك المبادرة، بعد أن قامت بوجهه مقاومة في لبنان وتوأمها في فلسطين المحتلة، وحققت كل منهما انتصارات ميدانية في تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، في عام 2000، ومن قطاع غزة في عام 2004 مع تفكيك المستوطنات البالغ عددها 21، دون قيد أو شرط، أو إقامة معاهدة صلح أو سلام مع العدو الإسرائيلي.
الإسرائيلي مَن يصدّق
ولم يعد الإسرائيلي، يصدّق قادته، ولا يستمع إلى تصريحاتهم ومقابلاتهم وأحاديثهم، بل يشعر بعدم الثقة تجاههم، بسبب الأكاذيب التي يطلقونها لطمأنة المستوطنين من عدم وجود قدرات لدى المقاومة في لبنان أو فلسطين المحتلة عموماً وغزة خصوصاً، على مهاجمة المستوطنات، وإطلاق الصواريخ عليها، لكن الوقائع تكذب مواقف قادة العدو، وأن حرب إسرائيل في تموز 2006 على لبنان، ثم حروبها على غزة، تؤكد بأن المقاومة تطور قدراتها العسكرية، وأن صواريخها تصل إلى عمق الكيان، التي لم تعد «إسبرطة الشرق»، وهو ما حدث في كل مرة تشن إسرائيل عدواناً على لبنان وغزة، حيث بات القطاع كما لبنان وجنوبه تحديداً، يشكل خطراً فعلياً على الإسرائيليين الذين لم يعد لهم مكان آمن في دولتهم التي اعتبروها ثكنة عسكرية، لا يمكن لأحد أن يخترقها، كما تمّ توصيفها لهم من قبل قادتهم، إلا أن المقاومة بدّلت المعادلات، وأصبحت هي مَن يملك المبادرة، عندما تبدأ الحرب، لتسقط الصواريخ داخل الكيان الصهيوني، فيلجأ الصهاينة إلى وسائل إعلام المقاومة، ليعرفوا ماذا يحدث.
الأنفاق
وجاءت قضية الأنفاق في شمال فلسطين المحتلة، عند الحدود مع لبنان، لتكشف عجز الكيان الصهيوني بجيشه واستخباراته، عن معرفة وجود أنفاق تم حفرها من بعض الأراضي اللبنانية نحو الجليل الأعلى، الذي وصفه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، بأنه سيكون أرض المعركة المقبلة، حيث بات المستوطنون يقلقون على مصيرهم، وكانوا يتحدثون منذ أعوام عن أنهم يسمعون أصوات «مطارق» أو «شواكيش»، كما أراد السيد نصرالله أن يسمي المطرقة بـ«الشاكوش»، وقد دفع ذلك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مع قادة الجيش، أن يقوم بعملية سماها «الدرع الشمالي»، للتأكد من وجود أنفاق، كما أبلغ المستوطنون مسؤوليهم، ولتبدأ أعمال الحفر من الجانب الإسرائيلي، في الأراضي القريبة من الحدود ليتبين وفق المعلومات الإسرائيلية عن وجود أربعة أنفاق، لم يعلق عليها «حزب الله»، الذي يعتمد سياسة الصمت أو «الغموض البناء»، ويترك للعدو أن يستنتج، وهو لا يرد على عدد الصواريخ التي يمتلكها، كما أنه لم يعلن أي موقف، عندما جرى الحديث من قبل العدو الإسرائيلي عن وجود مصانع أسلحة للمقاومة في منطقة الأوزاعي قرب المطار، وقبل ذلك أعلن أنها في الهرمل، فقامت وزارة الخارجية اللبنانية بالرد من خلال جولة للسفراء في المنطقة المذكورة، ليتأكّد خلوها من مصانع، بل وجود ملعب للكرة، وقد تمّ دحض الإدعاءات الإسرائيلية.
لكن في موضوع الأنفاق، فقد فاجأهم السيد نصرالله، في مقابلته التلفزيونية على قناة «الميادين»، باعترافه بهذه الأنفاق، وأنها موجودة منذ أكثر من 13 أو 14 سنة، وهذا ما أربك قادة العدو من كلام الأمين العام لـ«حزب الله» الذي يصدقه الصهاينة، حيث اضطرت القنوات العبرية إلى نقل المقابلة، واستضافة خبراء ومحللين وسياسيين للتعليق عليها، وتوقفوا عند عجز المخابرات الإسرائيلية عن كشف أنفاق وصلت إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد نشر السيد نصرالله، القلق في نفوس المستوطنين، عندما قال إن الجبهة طولها نحو 100 كلم، وقد تكون فيها أنفاق.
الحرب النفسية
ففي اعتراف السيد نصرالله، وجود أنفاق حفرتها المقاومة، نجح في الحرب النفسية مع العدو الإسرائيلي، وأفقده ورقة الحرب التي حاول أن يخوضها بتسريب معلومات حول صحة السيد نصرالله، والتي ليست بجديدة، ويلجأ إليها قادة العدو دائماً لتغطية إخفاقاتهم، وقد ظهر الأمين العام لـ«حزب الله» بصحة جيدة، مما زاد من اللاثقة بين المسؤولين الصهاينة ومواطنيهم الذين أبلغهم السيد نصرالله عن امتلاك المقاومة لصواريخ دقيقة، لا تخطئ أهدافها، كما أنه أعلن بأن الدخول إلى الجليل هو هدف دائم، إذا ما شُنّت حرب إسرائيلية على لبنان، والتي لم يتوقعها، ولكنه لم يستبعد حصولها محذراً نتنياهو من التهور.
بذلك، ربح السيد، الحرب النفسية على العدو الإسرائيلي الذي شعر بالإرباك من ظهور نصرالله بصحة جيدة، وتحذيره من أن الحرب المقبلة التي قد تلجأ إليها إسرائيل، ستكون ساحتها سوريا التي نشأت فيها مقاومة في جنوبها.
محور المقاومة
مع تركيز العدو الإسرائيلي على سوريا، واستهداف قواعد لخبراء ومستشارين إيرانيين، كما لقوافل عسكرية لـ«حزب الله»،، فإن الرد –بلا شك– سيأتي من سوريا، وهذا ما أكّد عليه السيد نصرالله، بأن القرار اتّخذ في محور المقاومة الذي يضم سوريا وإيران و«حزب الله» والمقاومة في فلسطين بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية. في المقابل، تخشى إسرائيل أن يصبح جنوب سوريا، قواعد للمقاومة، وهي تطالب بانسحاب «الحرس الثوري الإيراني» من سوريا، وقد حاول نتنياهو عبر اتصالات أجراها مع القيادة الروسية، إخراج إيران من سوريا، ومعها «حزب الله» والمنظمات الحليفة التي قاتلت معها، وسعت إسرائيل إلى تأخير الانسحاب الأميركي من سوريا، الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترامب، لمقايضته بانسحاب إيران منها، لكن الرئيس السوري بشار الأسد، أعلن عن أن الوجود الإيراني هو بطلب من القيادة السورية، وليس موازياً للوجود العسكري الأميركي الذي هو احتلال، فباءت جهود تل أبيب بالفشل حتى الآن.
الحرب محتملة
وفي ظل الاعتداءات الصهيونية المتكررة على سوريا، فإنها مؤشرات على أن الحرب قد تقع في أية لحظة، إذا لم ترتدع إسرائيل. فقد أعلن مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري، بأن الرد قد يستهدف مطار بن غوريون في تل أبيب، وهو ما أكّد عليه مسؤولون إيرانيون أيضاً، بأن الرد لن يقتصر على مواقع إسرائيلية في الجولان، بل عمق الكيان الصهيوني، حيث نقل موقع «ديبكا» الإسرائيلي، بأن الجيش الإسرائيلي نشر بطاريات صواريخ دفاع جوي في تل أبيب ووسطها، تحسباً لأي هجوم صاروخي إيراني، في أعقاب الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية.
وسبق للقوات الإيرانية المرابطة في سوريا، أن أطلقت صاروخ «فاتح 110» على مواقع إسرائيلية في الجولان، واعتبر مسؤولون إيرانيون أن هذا الرد لا يكفي، وليس ردّاً مناسباً.
وقامت روسيا، بتزويد الجيش السوري بصواريخ من نوع «أس–300» التي يصل مداها إلى 250 كلم، حيث باتت سوريا تمتلك صواريخ دفاعية منذ نهاية 2018، رداً على إسقاط إسرائيل لطائرة حربية روسية قبل أشهر، كانت تمر في الأجواء السورية، وأسقطتها الطائرات الحربية الإسرائيلية، فكان الرد الروسي تزويد سوريا هذه الصواريخ، التي يقول قادة العدو، أن قسماً منها وصل إلى «حزب الله» في لبنان، وقد أعلن أمينه العام، بأن ما تريده المقاومة من أسلحة نوعية ومتطورة قد وصل، وأن الغارات الإسرائيلية على ما تسميه قوافل لـ«حزب الله»، أو مواقع له، كما لخبراء إيرانيين، لم يعد يفيد العدو الذي بات أمام مشهد مفتوح على حرب واسعة هذه المرة، إذا لم يوقف اعتداءاته، حيث حذّر قادة إيرانيون، الكيان الصهيوني، من اقتلاعه إذا ما وقعت الحرب، وقد لمح إلى ذلك، السيد نصرالله الذي يؤكّد بأن المقاومة هي على جهوزية تامة، ولديها من الوسائل لتدمير الجدار الذي تبنيه إسرائيل على الحدود مع لبنان، وأن المعركة داخل فلسطين المحتلة، أسهل منها في سوريا، وهو ما يأخذه قادة العدو على محمل الجد، بعد أن أعلن نصرالله أن احتساء القهوة أو الشاي في تل أبيب خلال الحرب لن يعد ممكناً.
Leave a Reply