بيروت – عماد مرمل
إنقسمت القوى السياسية فـي لبنان بين مؤيد لخيار التمديد لمجلس النواب ورافض له، علما ان بعض المعترضين يمارسون «التقية السياسية»، فـيعلنون غير ما يضمرون، أما من باب المزايدة على الخصم، وأما خوفا من التداعيات التي يمكن ان ترتبها المجاهرة بحقيقة موقفهم على صورتهم.
وحين تجري الإضاءة على معسكر داعمي التمديد، فإن النائب عن مدينة زحلة فـي البقاع نقولا فتوش يتصدره من دون منازع، بعدما ذهب الى ابعد الحدود فـي تأييد هذا الخيار و«التبشير» به، برغم عدم شعبيته.
ولم يكتف فتوش بموقف نظري، بل بادر الى وضع اقتراح قانون معجل مكرر، بمادة وحيدة، ضمّنه شرحا مفصلا لـ«الاسباب الموجبة» التي تدفع من وجهة نظره الى تمديد ولاية المجلس.
وتنشر «صدى الوطن» فـي ما يلي أبرز ما ورد فـي هذا الاقتراح الذي رفعه فتوش الى رئاسة المجلس النيابي: ان الخطر قائم وداهم، يحوم فوق لبنان، وهناك تعذر إن لم نقل استحالة لاجراء الانتخابات فـي ظل الفتن والاضطرابات القائمة والمؤامرات الآتية من الخارج والتي تهدد الكيان والصيغة والعيش المشترك.
ويخشى بسبب الظروف الاستثنائية الخطرة التي لا تنتهي فـي المدى المنظور، ألا تتم الانتخابات فـي موعدها وتنتهي ولاية المجلس فـي 30 تشرين الثاني 2014، فتسقط الوكالة وتتلاشى المؤسسات وعندها نكون نحن بأيدينا جئنا بالفراغ القاتل، فـي هذا المناخ التآمري الذي يعيشه الشرق الاوسط برمته.
مجلس النواب اللبناني |
ولا يُستبعد ان تكون الخطة هي الدفع باتجاه إجراء الانتخابات فـي هذه الظروف الاستثنائية، ثم لا تحصل هذه الاخيرة وتكون ولاية المجلس قد انتهت، وعندها نكون نحن قد ساعدنا فـي تنفيذ المؤامرة ووصلنا الى الفراغ الكبير.
لقد اثبتت الايام ان سبب بقاء لبنان واستمراريته حتى اليوم ومحافظته على وحدته ومؤسساته برغم الحروب المتعددة الوجوه هو استمرار المجلس النيابي منذ سنة 1972حتى سنة 1992، وبالتالي فإن التمديد للمجلس فـي هذه الظروف الاستثنائية بأوسع مشملاتها هو للصالح العام ومصلحة البلاد العليا والسلم الاهلي والعيش المشترك، وليس لاي مصلحة أخرى، وليس موضوع صفقة كما يحلو للبعض ان يقول، بل ممارسة قانونية سليمة تحفظ البلاد وسلامتها وتبعد الاخطار الداهمة.
وانطلاقا من الاوضاع الامنية الخطيرة التي يمر فـيها الوطن والتي تؤثر بشكل واضح ومباشر على الحياة الطبيعية فـي مناطق واسعة، وفـي معظم المحافظات اللبنانية، حيث انتقال الفتن والعصيان المسلح من منطقة الى اخرى،
سببت سقوط شهداء وجرحى فـي الجيش اللبناني البطل والاهالي، لاسيما فـي مدن رئيسية تشكل عقدة المواصلات الاساسية بين المناطق اللبنانية من الشمال الى الجنوب الى البقاع.
وبناء على ما لهذه الظروف من أثر مباشر على قدرة القوى الامنية التي تسخر كل قوتها وانتشارها لضبط الاوضاع، مع تكرار الاعتداءات على الجيش ووقوع خسائر فـي أرواح جنوده وضباطه، ما شكل تحديا لدوره، أدى الى سحب ونقل قواته من مهامها الاساسية فـي الجنوب الى مناطق أخرى.
ونظرا لانعكاس هذه الحالة وتلازمها مع تصعيد سياسي وانقسام يأخذ فـي كثير الاحيان أبعادا مذهبية وطائفـية تنذر تداعياتها بالفتنة التي أصبحت معالمها تنتقل من مكان الى آخر وبأشكال متعددة.
وبالاطلاع بالتفصيل ودقة وحيادية واخلاص للوطن على أوضاع أكثر من منطقة لبنانية، يظهر ان سلاح الفوضى والتكفـير والارهاب الآتي من الخارج يعبث بأمنها حيث يتجرأ المسلحون على هز هيبة الدولة واستقرار حياة الناس، مع ما لهذا من انعكاس على صورة لبنان، إضافة الى الأحداث الدامية والاقتتال فـي الشمال والبقاع الشمالي وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، والفتن التي تتحرك بشكل مجوقل فـي أكثر من منطقة.
وبما ان مجمل هذا الوضع الامني والسياسي الخطير يعطل بشكل كبير إمكانية تطبيق أحكام المادة 58من قانون الانتخابات الحالي والقيام بتحرك انتخابي وتنظيم الحملات التي تسمح للمواطن وللمرشح بممارسة حقهما فـي إطار القوانين والانظمة، ويعطل قدرة التواصل بينهما فـي أغلب المناطق وخصوصا فـي المدن الكبرى ومنها وإليها. وهذا أمر جوهري يعطل العملية الانتخابية برمتها ويبطلها، إضافة الى مشكلة ديموغرافـية خطيرة، فـي ظل وجود ما يزيد على مليون ونصف مليون نازح سوري، فـيما تنام عناصر الارهاب فـي المخيمات، تنتظر ساعة الاعتداء على الدولة.
ولما كانت الاوضاع الامنية لا تسمح بإجراء الانتخابات النيابية فـي يوم واحدعملا بالمادة 80 من قانون الانتخابات المعمول به حاليا، لعدم قدرة الجيش والاجهزة الامنية على تأمين سلامة الاقتراع فـي هذه الظروف الخطرة. كل هذا انعكس وسينعكس على القطاعات الاقتصادية والتجارية والسياحية المتعثرة، بما يؤدي الى شلل اقتصادي يدفع اللبنانيون ثمنه مباشرة، يوما بعد يوم. حيث ان معظم هذه الامور السياسية والامنية والاقتصادية، تتسم بصفات الظروف الاستثنائية والقوة القاهرة بأشد مفاهيمها.
ولو سمحت الظروف لاي كان بالاستماع الى وزيري الدفاع والداخلية وقادة الاجهزة الامنية والاطلاع على تقاريرها، لعُرف بدقة حجم الصعوبات والازمات والمفاجآت التي تتطلب المساعدة من الجميع للوقوف فـي وجه الخطر والمخططات النائمة والمعلنة.
فالقوى الامنية لا تستطيع فـي يوم واحد الانتشار وتأمين النظام فـي اقلام الإقتراع وفقا للمادة 84من قانون الانتخاب.
كما ان المادة 68من قانون الانتخاب معطلة وغير مطبقة، ولا يتم التقيد بأحكامها، ومخالفة هذه الاحكام يعرض العملية الانتخابية برمتها للإبطال، فبعض وسائل الاعلام لا تمتنع عن بث ما يتضمن إثارة النعرات الطائفـية او المذهبية او العرقية او تحريضا على ارتكاب أعمال العنف او الشغب او تأييدا للارهاب او الجريمة التخريبية، وان بعض وسائل الاعلام لا تمتنع عن بث وسائل الضغط والتخويف او التخوين او التكفـير.
كما انه إذا لم تُراع أحكام المادة 105من قانون الانتخاب بالنسبة الى المغتربين، يمكن إبطال العملية الانتحابية برمتها.
والديموقراطية ليست فـي صندوق الاقتراع وحده، بل هي نمط حياة وسلوك شعب ومؤسسات تعمل فـي ظل القانون وظروف عادية وهانئة. وقد أثبتت الايام انه جرت الانتخابات فـي صندوق الاقتراع فـي أكثر من بلد، من أفغانستان الى العراق الى تونس وليبيا، وبقيت الظروف الاستثنائية سائدة والبلاد معطلة والازمة الاقتصادية قائمة والمؤسسات مشلولة وسلامة الشعب مهددة والاوطان مهددة بالتقسيم والتفتيت والفتن المجوقلة.
والدول المتآمرة تتكلم بالديموقراطية وحقوق الانسان، وهي بسلاحها وتمويلها للارهاب تهدم الدول، فلعبة الامم المتآمرة عطلت المبادئ العامة، لاسيما المبدأ القائل «القانون يمنع سيّء النية من الاستفادة من عمله».
ولبنان يعيش على بركان الشرق الاوسط، وما هو مخطط له خطير وخطير جدا كما قال قائد الجيش فـي مؤتمره الصحافـي، والدراسات والمقالات الآتية من المشرق والغرب مرعبة، والتقارير الامنية تثبت ذلك.
وانطلاقا من وعي المجلس النيابي الكريم لهذه الظروف الاستثنائية التي تعصف بالوطن، وللأخطار القائمة المستيقظة منها والنائمة. وانطلاقا من مسؤوليتنا الوطنية،
أتقدم بهذه المبادرة لاتخاذ الاجراءات التي تحفظ الصالح العام وسلامة الشعب والسلم الاهلي والعيش المشترك فـي ظل المبادئ القانونية التي كرست نظرية الظروف الاستثنائية ومندرجاتها أعلاه، والتي تفرض اتخاذ التشريع السريع الذي يمنع الفراغ فـي المؤسسات وتهديد كيان الوطن برمته فـي أجواء الفتن والحروب التي تجتاح المنطقة ولبنان، مع التأكيد ان الظروف الاستثنائية القائمة اليوم وغدا أخطر وأشرس وأدهى بكثر من الظروف السابقة التي جرى فـيها التمديد فـي سنة 2012.
لهذه الاسباب
وللاسباب الاكثر حكمة ودراية التي يراها المجلس الموقر، أقترح تمديد ولاية المجلس النيابي الحالي لغاية 20حزيران 2017بكل قناعة وراحة ضمير ومن دون مصلحة شخصية او صفقة كما يزعم البعض، إنما استنادا الى المبادئ الدستورية، لاسيما الفقرة «ي» من مقدمة الدستور، والمبادئ القانونية والظروف الاستثنائية، والحق المعطى للمجلس النيابي وحده بتقرير الظروف الاستثنائية والتشريع على ضوئها إنقاذا للبنان وصيغته وسلمه الاهلي وعيشه المشترك، وان يكون موعد الاستحقاق فـي الصيف، ولضمان تجاوز كل المرحلة الحرجة والاخطار والحرب والظروف الداهمة التي تعصف بلبنان والمنطقة والتي لا يبدو فـيها أفق الحلول واضحا حتى الساعة.
عندما يكون الوطن وعيشه المشترك فـي خطر نتيجة مؤامرة لعبة الامم لا مكان لجدل عقيم وغير مبني على القانون وبعيد عن حسن النية والصالح العام.
المؤامرات الآتية تفوق كل تصور وتقارير الاجهزة الامنية تشهد على ما قلت.
الوقت لا يرحم، والوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك.
Leave a Reply