تطبيقه يبدأ بفراغ رئاسي يمهد لفوضى وانهيار المؤسسات
في الاستحقاق الرئاسي عام 1988، ومع قرب نهاية ولاية الرئيس امين الجميّل، تحركت الادارة الاميركية بإتجاه سوريا، التي كان لها تأثيرها في لبنان، من اجل البحث في ملف رئاسة الجمهورية، ومهدت لذلك بأن ارسلت السفيرة ابريل غلاسبي، للاطلاع على كيفية الخروج من الازمة اللبنانية، وتحقيق المصالحة الداخلية، واجراء الاصلاحات السياسية على النظام، التي كانت تشكل نقطة الخلاف بين اللبنانيين.في صيف ذلك العام، توصل الطرفان الاميركي-السوري الى الاقرار بالاصلاحات السياسية، التي كان «الاتفاق الثلاثي» اقرها، كما تم الاتفاق على اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وكلف رئيس مجلس النواب حسين الحسيني بالتمهيد مع البطريرك نصرالله صفير لهذا الاستحقاق مترافقاً مع التوصل الى رئيس للجمهورية يتبنى الاصلاحات السياسية وان يشكل حالة وفاقية.قام الرئيس الحسيني بعقد سلسلة لقاءات واتصالات، وتوصل مع البطريرك صفير الى اتفاقات حول الاصلاحات وكذلك على ان يسمي مرشحين مقبولين لرئاسة الجمهورية.ودخلت الفاتيكان على خط دعم حصول الانتخابات الرئاسية، وايدت تحرك صفير-الحسيني لا سيما بعد ان تم تعطيل جلسة انتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وكان بطلها انذاك قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع وبغض نظر من قائد الجيش في ذلك الوقت العماد ميشال عون الذي كان يطمح لان يصل هو لرئاسة الجمهورية، فتم اختطاف نواب وحجزهم وعرقلة وصولهم الى مجلس النواب، لمنع حصول النصاب القانوني للجلسة وهو الثلثين، ولم يقبل الرئيس الحسيني فتح الجلسة وانتخاب فرنجية بالاكثرية المطلقة اي النصف زائداً واحداً من عدد اعضاء مجلس النواب الاحياء، وكانت متوفرة من قبل حلفاء سوريا من النواب، ولم تنعقد الجلسة رغم الضغوط التي تلقاها رئيس مجلس النواب من قبل القيادة السورية وتحديداً مسوؤل جهاز الامن والاستطلاع العميد غازي كنعان واكد له ان الانتخاب ليس دستورياً.انتهت الجلسة من دون انتخاب فرنجية الذي اعتبر انه مرشح سوريا، ورفضت اميركا تمريره فقام جعجع وعون بتعطيلها، وفتحت واشنطن حواراً مع دمشق للتفاهم على مرشح للرئاسة، واوفدت الادارة الاميركية ريتشارد مورفي الى العاصمة السورية، وقد تسلم لائحة باسماء مرشحين لرئاسة الجمهورية وضعها البطريرك، وضمت كل من: رينيه معوض، بيار حلو، فؤاد نفاع، واضاف اليها الرئيس امين الجميل اسم مخايل الضاهر، كما يروي الرئيس الحسيني، وقد اتفق الرئيس حافظ الاسد اثناء اجتماعه بالمبعوث الاميركي على اسم مخايل الضاهر، الذي رفض من قبل اجتماع مسيحي عقد في بكركي، لان صفير لم يورد اسم الضاهر، حيث تبين ان الجميل ضمه لانه كان على علم برفضه، كي يتسنى له التمديد لولاية جديدة، ولذلك شارك في تعطيل جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، حتى الربع الساعة الاخير من نهاية ولايته، وادخل لبنان في الفراغ الدستوري، مما اضطره الى تشكيل حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد عون، بعد ان تعطلت محاولات تشكيل حكومة مدنية برئاسة بيار حلو.رفض بكركي ومعها القوى السياسية المسيحية مرشح الاتفاق الاميركي- السوري مخايل الضاهر، دفع بمورفي الى القول «مخايل الضاهر او الفوضى»، ودخل لبنان فيها، حيث قامت حكومتان، وانقسمت المؤسسات ونشأت الى جانبها «ادارة مدنية» في الجبل و«دويلة مسيحية» بين كفرشيما والمدفون، الى ان حصلت متغيرات اقليمية ودولية، بعد غزو العراق للكويت وحصول حرب الخليج الاولى وانهيار النظام الشيوعي، اعادت السلام الى لبنان بعد اتفاق الطائف وتوحدت المؤسسات.بعد ثلاثة اشهر، يدخل لبنان تجربة جديدة، فاما ان تحصل الانتخابات الرئاسية بتوافق داخلي ورعاية اقليمية ودولية، واما ان لا تحصل، فيكون اللبنانيون امام فوضى ولكن هذه المرة من ضمن المشروع الاميركي للرئيس جورج بوش الذي يقدم «الفوضى البناءة» التي تتمحور على قيام نزاعات اقليمية وفتن طائفية ومذهبية وعرقية واثنية، تؤدي الى انفراط الكيانات السياسية القائمة، ليعاد رسمها وفق «الشرق الاوسط الجديد»، او اي تسمية اخرى، ولكن بتقسيم جديد للمنطقة استكمالاً لما جرى قبل حوالى قرن عبر اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت المشرق العربي، تمهيداً لوعد بلفور الذي اعطى فلسطين لليهود.والفوضى المنتظرة للبنان، هو ما يتوقعه المراقبون والمتابعون للتطورات اذا لم تعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، او حتى لو تمت من قبل قوى 14 شباط من خلال الاكثرية المطلقة اي النصف زائداً واحداً كما يدعو وليد جنبلاط وسمير جعجع، مما يعني دخول اللبنانيين في الفوضى الدستورية والسياسية وانفجار الفتنة الداخلية، التي ستؤدي الى فقدان المؤسسة العسكرية لوحدتها، وتشرذم قوى الامن وتشتتها وانقسام المؤسسات.ويتخوف اللبنانيون من الوقوع في هذا السيناريو الذي تعززه معلومات عن تقارير دبلوماسية تكشف ان لبنان يتجه نحو التفتيت، وان الخطة الاميركية المرسومة له، تقضي بتقسيمه الى 21 «كانتوناً».وفي هذا الاطار اعلن السفير الاميركي السابق في لبنان ريتشارد باركر ان الرئيس بوش سيعمل خلال الفترة الباقية من ولايته الرئاسية على وضع اسس ثابتة لمشاريع خرائط طرق لمنطقة الشرق الاوسط، تنطلق من تطلعات القسم الاكبر من ممثلي الاقليات الدينية او المذهبية او العرقية، التي تتركز كلها على ضرورة منح الحكم الذاتي لهذه الاقليات عبر اقامة انظمة حكم ديمقراطي فيدرالية بديلة للاوطان والحكومات القائمة الان وان ادارة بوش لم تتراجع عن خطة الفوضى المنظمة في الشرق الاوسط.ان هذه الخطة بوشر بتنفيذها في العراق، عبر احتلاله ونشر الفوضى فيه، وانشاء دستور فدرالي، يتم تطبيقه على الارض بحروب مذهبية وطائفية وعرقية، وهذا ما ينتظر لبنان، حيث الحديث عن «الفدرالية» والتقسيم عاد ليطل من جديد.
Leave a Reply