كمال ذبيان – «صدى الوطن»
بعد 16 شهراً على إختطافهم العلني من قبل الشيخ مصطفى الحجيري (أبو طاقية)، أثناء عدوان «جبهة النصرة» التي ينتمي إليها الحجيري على الجيش ومخفر الدرك فـي عرسال، وأسر عناصره الـ 19 منه، و15 عسكرياً، تمّ الإفراج عن 16 منهم كانوا لدى «النصرة» فـي جرود البلدة، بعد مفاوضات صعبة خاضها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي سبق له وخاض هذا الغمار يوم احتجاز الحجاج من الطائفة الشيعية كانوا قادمين من زيارة الأماكن المقدسة فـي العراق، فأنزلوا من الباصات عند الحدود السورية- التركية فـي منطقة أعزاز، واختطفوا من قبل مجموعة إرهابية يتزعمها شخص لقبه «أبو ابراهيم»، حيث تمّ تحريرهم بتبادل موقوفـين فـي السجون السورية، وهو ما حصل أيضاً مع راهبات معلولا اللواتي اختطفن من ديرهم، على يد عصابة إرهابية، فحصلت عملية تبادل معهن أيضاً مع سجناء فـي المعتقلات السورية، مع دفع فدية مالية فـي العمليتين من قبل قطر ورجل أعمال سوري يدعى جورج حسواني بالنسبة للراهبات.
وتكرّر الأمر مع العسكريين اللبنانيين، الذين كان يخطط لإختطافهم من قبل «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، لإطلاق سراح موقوفـين وسجناء فـي سجن رومية، وهو ما هدّد به التنظيمان الإرهابيان، ونفّذاه فـي الهجوم المباغت على الجيش فـي مراكزه فـي عرسال يوم 2 آب 2014، فقتلوا 20 عنصراً منهم بين ضابط وجندي، وأسر آخرين، والدخول الى مخفر الدرك وسوق عناصره فـي سيارات «بيك آب»، مكشوفة أمام مرأى أهالي البلدة، ونقل صورهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استضافهم فـي منزله الشيخ الحجيري (أبو طاقية) كما زعم فـي حينه، وأكّد أنه لن يصيبهم مكروه، وهم فـي حمايته، لكنه كان يخدع المتصلين به لإطلاق سراحهم، مع عسكريين من الجيش خطفوا أيضاً غدراً من مراكزهم وأثناء تجوّلهم فـي البلدة، واستغلّ «أبو طاقية» فترة وقف إطلاق النار التي طلبتها «هيئة العلماء المسلمين» برئاسة الشيخ سالم الرافعي، وهي صاحبة فكر سلفـي جهادي، جنّدت مقاتلين وأرسلتهم الى سوريا، وكان الهدف من انتقالها الى عرسال هي فك أسر العسكريين، وسحب المسلحين من البلدة، إلا أن ما حصل، هو أن الهيئة سهّلت عملية تسليم المختطفـين الى «النصرة» و«داعش»، حيث يقول الشيخ الحجيري، أنهم أخذوا عنوة من بيته بقوة السلاح، وهذا ما ثبت فـيما بعد أنه غير صحيح، وتبين أن مؤامرة تمّ التخطيط لها، لطرد الجيش وقوى الأمن الداخلي من البلدة، وخطف العسكريين، لتتحوّل عرسال الى «إمارة إسلامية» تحتلها الجماعات الارهابية كما ظهر أثناء صفقة التبادل فـي انتشار المسلحين فـي البلدة منتهكين السيادة اللبنانية ويحكمها أمير يدعى «أبو مالك التلة» وهو شيخ سوري يساعده أبو مالك الشامي مع «هيئة علماء القلمون»، التي فجّرت «داعش» مركزها قبل أكثر من شهر فـي البلدة، وبدأت عملية ابتزاز من قبل مسلحي «النصرة» و«داعش»، للحكومة اللبنانية لإطلاق سراح العسكريين، حيث كانت المفاوضات التي خاضها اللواء إبراهيم، وبمساعدة قطرية، تتقدم أحياناً وتتراجع أحياناً أخرى لتتجمد فـي بعض الاحيان، بسبب الشروط التي كان يضعها الإرهابيون، كدفع مبالغ مالية، وكان يلبى شرطهم، ووصول مواد غذائية وطبية فأرسلت لهم.
لم يوقف اللواء ابراهيم الأمل فـي إطلاق سراح العسكريين لاسيما منهم مَن هم مع «النصرة» التي اعترفت بوجودهم لديها، لأنها استلمتهم من الشيخ الحجيري الذي بات مطلوباً للعدالة، وحاول أن يظهر حسن نيته ونفـي التهمة عنه، فكان يؤمن لقاءات لعائلات العسكريين مع أبنائهم فـي جرود البلدة، حيث مورست على الأهالي الكثير من أنواع الضغط، بأن مصير أبنائهم سيكون الذبح إذا لم يتحركوا فـي الشارع لتلبي الحكومة مطالب الخاطفـين الإرهابيين، بإطلاق سراح سجناء باعداد كبيرة فـي السجون اللبنانية والسورية، وفك الحصار عن مخيمات النازحين فـي عرسال، وتأمين وصول المواد الغذائية والطبية والاستشفائية إليهم، فكان الأهالي يتجاوبون مع الضغوط فـيقطعون طرقات لتحريك ملف العسكريين، وكان المفاوض اللبناني يرفض الشروط التعجيزية والمخالفة للقوانين فكانت المفاوضات تتوقف من قبل الخاطفـين، فـيدب اليأس فـي صفوف عائلاتهم، بعد أن نفذّ الإرهابيون عمليتي قتل الجندي محمد حمية الذي سُلمت جثته من ضمن الصفقة والعسكري علي بزال الذي لم يرحمه المسلحون، أن زوجته من عرسال، فتمّ ذبحه أيضاً والجندي عباس مدلج.
مرّت عملية التفاوض فـي كرّ وفرّ ومدّ وجزر، وكان يخرج منها وسطاء محليون وخارجيون، ويوقف الوسيط القطري حركته احيانا، لاسيما المفاوضات مع «النصرة» والتي انقطعت مع «داعش» منذ حوالي العام، ولم يعد يعرف عن مصير الجنود التسعة مع هذا التنظيم شيئاً، ولا توجد قناة تواصل معه، على عكس «النصرة» التي كان أمراؤها يتجاوبون مع الوساطة القطرية، ربما لأن قطر يمكنها أن تمارس ضغطاً عليها، حيث نجحت فـي الوصول الى خواتيمها السعيدة، كما أعلن اللواء إبراهيم الذي كان يطلب من وسائل الإعلام أن تتعاطى بهدوء وموضوعية مع هذا الملف الدقيق والخطير، لأن بعض الوسائل كانت تنقل معلومات غير دقيقة وأحياناً غير صحيحة، مما يعقّد المفاوضات، أو يحرّك أهالي العسكريين بإتجاه التصعيد بما يضر فـي هذه القضية التي اجتمع اللبنانيون حولها رغم خلافاتهم السياسية على أنها شأن وطني، وأن المخطوفـين هم أبناء المؤسسة العسكرية والأمنية، حيث كان يُطلب من الأهالي أن يلجأوا الى ضبط النفس، لأن هناك مَن كان يحاول تسييس القضية، وتحميل «حزب الله» مسؤولية ما جرى فـي عرسال، بسبب مشاركته القتال الى جانب النظام السوري، وكاد بعض أهالي العسكريين أن يقع فـي هذا الفخ الذي يهدف ناصبوه الى تحويل أزمة العسكريين الى أزمة داخلية، وهذا ما تنبّه له الأهالي و«حزب الله»، فلم يقعوا فـيه، ووفروا على لبنان صداماً داخلياً.
كما أن الحكومة برئاسة تمام سلام، أصابها رذاذ من الإتهامات بالتقصير وعدم إعطاء القضية الإهتمام اللازم، وهي شكّلت ما سمته «خلية أزمة» من الوزراء المعنيين كالداخلية والدفاع والعدل والمال والخارجية والشؤون الاجتماعية والصحة، إضافة الى قادة الأجهزة الأمنية، وفـي مقدمهم اللواء إبراهيم الذي انحصرت به المفاوضات دون غيره، كي لا يكثر المفاوضون وتضيع القضية، كما امتنع الوزراء عن الكلام أو الحديث فـي هذه القضية إلا بما يخدم نجاح مهمة المدير العام للأمن العام الذي ثابر خلال أكثر من عام على المتابعة الدقيقة للملف متنقلاً من عاصمة الى أخرى، لاسيما قطر وأحياناً تركيا، وكان يستجمع أوراق قوة فـي المفاوضات، إذ كان يستفـيد من كل موقوف ينتمي الى الجماعات الإرهابية، لاسيما «النصرة» أو «داعش» ويضعه على طاولة المفاوضات، ومن الموقوفـين سجى الدليمي وهي طليقة إبراهيم البغدادي المعروف بـ«أبي بكر» ولها منه طفلة كانت معها فـي السجن مع ثلاثة أولاد آخرين من زواج آخر، وكانت ورقتها رابحة فـي المفاوضات، إضافة الى موقوفـين من قيادات فـي «النصرة»، التي كانت ترفع من شروطها ومنها ما طرحته قبل شهرين، أن يتم تسليمها بلدتين فـي القلمون وهما فليطا وقارة، إضافة الى إطلاق سراح جميع السجناء فـي رومية وآخرين فـي سجون سوريا.
لكن المفاوض اللبناني رفض هذه الشروط واعتبرها تعجيزية، وأودع الوسيط القطري ما يستطيع لبنان تقديمه، وهو إطلاق موقوف واحد من سجون لبنان، مقابل كل عسكري مخطوف، وتأمين مواد غذائية وطبية الى مخيمات النازحين، وفتح ممر إنساني تعبر منه الإغاثة شهرياً، ويخضع لمراقبة حواجز الجيش وأن هذا هو الحد الذي يمكن أن تقبل به الحكومة اللبنانية، التي نجحت من خلال الجيش بتشديد الحصار على مخيمات النازحين، وإقفال المعابر بين الجرود والبلدة، والتصدي للمسلحين وضرب مراكزهم، وباتوا محاصرين بين نارين، اللبنانية من عرسال ورأس بعلبك والفاكهة والسورية من جبال القلمون، مما أسقط الكثير من الأوراق فـي يدهم، وباتوا بحاجة مع قدوم فصل الشتاء الى المواد الغذائية، فخفضوا سقف مطالبهم وتراجعوا عن شروطهم التعجيزية، وأقرّوا بما قدّمه المفاوض اللبناني الذي تمكّن من السرّية التي أحاط بها تحركاته وإتصالاته، من أن يحقق إنجازاً أمنياً كبيراً إنتهى الى نيل العسكريين لدى «النصرة» وعددهم 16، حريتهم فعادوا الى عائلاتهم وقد غمرتهم الفرحة، بعد أن عاشوا مراحل صعبة، ومرّوا فـي حالات من العذاب والآلام واليأس من أن قضية أبنائهم لن تصل الى خواتيم سعيدة، لكن اللواء إبراهيم كان دائماً يضع الأمل لديهم، بأن أوراق التفاوض باتت كبيرة وكثيرة، وسيأتي اليوم الذي سيتحرّر فـيه المخطوفون، وهو ما حصل فكانت نهاية سعيدة، لكنها منقوصة مع بقاء تسعة جنود مجهولي المصير مع «داعش» وهو التنظيم الأكثر دموية، حيث يسود القلق لدى أهاليهم، الذين يأملون أن يتمكن اللواء إبراهيم من تحقيق خرق فـي قضيتهم التي يلفها الصمت، بعد ثلاثة نجاحات حققها فـي ثلاثة ملفات وهي الحجاج وراهبات معلولا والعسكريين الـ16، وهو زاد المدير العام للأمن العام الإحترام والتقدير والمهنية العالية التي يمارسها، وبات هذا الجهاز يتّكل عليه فـي محاربة الإرهاب وشبكاته، كما خلاياه النائمة، إضافة الى العملاء للعدو الصهيوني، إذ سجّل خلال الأعوام الأخيرة إنجازات موصوفة، كان أكثرها هذا العام الذي يمكن تسمية رجله اللواء عباس إبراهيم.
Leave a Reply