وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
سطر مخيم جنين في الضفة الغربية، صفحة جديدة من بطولات الشعب الفلسطيني في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية، بصده عملية اقتحام واسعة شنتها قوات الاحتلال، موجهاً ضربة ميدانية قاسية لحكومة بنيامين نتنياهو ومخططاته لاجتثاث قوى المقاومة في الضفة الغربية، مستغلاً تساهل الإدارة الأميركية مع استخدام العنف ضد الفلسطينيين بذريعة «الدفاع عن النفس».
إذن، فشل جيش الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق هدفه الأساسي وهو إنهاء حالة المقاومة في المخيم الذي تبلغ مساحته أقل من نصف كيلومتر مربع، وكما دخل جنود الاحتلال خرجوا خالي الوفاض، بعد أن أحبطت المقاومة عملية الاقتحام التي بدأت فجر الإثنين الماضي.
وتعد محاولة إخضاع مخيم جنين، أوسع عملية عسكرية يشنها جيش الاحتلال ضد المخيم منذ عملية «السور الواقي» عام 2002، حيث شارك في الهجوم أكثر من ثلاثة آلاف جندي و200 آلية عسكرية وعشرات الطائرات، ما أدى إلى استشهاد 12 فلسطينياً وإصابة أكثر من مئة آخرين، بعضهم في حالة خطرة، فضلاً عن الدمار الواسع الذي لحق بأبنية المخيم.
وإلى جانب انسحاب عناصر الاحتلال تحت وابل نيران المقاومين، كان أبلغ دليل على فشل العملية الإسرائيلية التي حملت اسم «منزل وحديقة»، هو مسيرة تشييع الشهداء بالسلاح مما عبر، بما لا يقبل الشك، عن بقاء المقاومة وصمودها وأن سلاحها ما زال موجوداً ومرفوعاً في وجه غطرسة الاحتلال ووحشيته.
وخلال المعركة التي استمرت نحو يومين، والتي كانت تعِدّ لها إسرائيل منذ عام ونصف، فاجأ المقاومون، القوة المقتحمة بتكتيكات وآليات عمل مبتكرة دفعت الاحتلال الإسرائيلي إلى الانسحاب من مدينة جنين ومخيمها، وسط اشتباكات عنيفة تخلّلها تفجير عبوات ناسفة بآليات عسكرية.
واعترف جيش الاحتلال قبيل الانسحاب من مدينة جنين بمقتل أحد جنوده. وفور الانسحاب تجمّع آلاف الفلسطينيين من أهالي مخيم جنين، مبتهجين بالانتصار الذي حققته المقاومة في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي. ورفع الفلسطينيون على مدخل المخيم علامة النصر، وهتفوا للمقاومة بكل فصائلها لصمودها وتصدّيها لقوات الاحتلال. وإزاء ذلك، لم يسلم رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير حربه من هجوم الصحافة التي رأت أنهما خدعا الشارع الإسرائيلي بحجّة توفير الأمن من خلال عملية عسكرية في جنين. كما كان هناك شبه إجماع إعلامي على أن معركة جنين بدلاً من أن تحقق أهدافها، هي على العكس، منحت الفلسطينيين قوة ردع إضافية، وتحديداً في ما يتعلق بـ«كتيبة جنين»، التي کرّست وجودها وجعلت من نفسها أيقونة جديدة لدى الشعب الفلسطيني، وأسهمت في تعزيز ثقة الناس بها والتفافهم حولها.
وفي السياق، اعترف جيش الاحتلال، على لسان الناطق باسمه، بأن العدوان على مدينة جنين ومخيمها لم يحقّق الأهداف المرجوة، متذرّعاً بأنه لا توجد حلول سحرية لما سماه «الإرهاب». وأعلن أن الجيش سيعود إلى جنين في حال توفّر المعلومات الاستخباراتية التي «لم تكن كافية للوصول إلى جميع الأهداف»، مشيراً إلى أن «الكثير من الخلايا المسلحة انسحبت خارج المخيم، ومن ضمنها الخلية التي قتلت أحد المستوطنين قبل أسابيع جنوبي غرب جنين»
وأقر رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق، تامير هايمن، بأن العملية لم تستطع استئصال القوة العسكرية التي بناها تنظيم «الجهاد الإسلامي» في مخيم جنين وشمال الضفة، بينما هدفت إلى إضعاف المسلحين وضرب البنى التحتية التابعة لهم والسماح للجيش بحرية العمل على غرار ما يجري في باقي مدن الضفة.
وفي الوقت الذي حاول فيه بعض قادة إسرائيل الإيحاء بأنهم وجّهوا ضربة للمقاومة في عملية جنين، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، الثلاثاء الماضي، أي قبل انسحاب جيش الاحتلال من جنين، عن إصابة 14 مستوطناً، بينهم ثلاثة في حالة خطرة، إثر عملية مزدوجة شمال تل أبيب، تبنّتها حركة «حماس».
وفي التفاصيل، فإن المنفّذ ارتدى زي جيش الاحتلال، وأطلق النار على عدد من المستوطنين وتابع بدهسهم بسيارة سيطر عليها من أمام فندق في تل أبيب.
أيضاً وبعد يوم واحد من العدوان على جنين، أي يوم الأربعاء الماضي، أفادت «القناة 14» الإسرائيلية، بأن سيارة مسرعة أطلقت النار تجاه مركبة لشرطة الاحتلال قرب نابلس. فيما أعلنت إذاعة جيش الاحتلال، أن مسلحين فلسطينيين فتحوا النار على مستوطنة قرب نابلس ما تسبب بأضرار في متجر وسيارة.
وفجر الأربعاء أيضاً، أعلنت قوات الاحتلال رصد إطلاق خمسة صواريخ من قطاع غزة باتجاه مستوطنة سديروت المحاذية للقطاع، وعلى الأثر، استهدفت طائرات الاحتلال الحربية، عدة مواقع للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. ولم تعلن أي جهة فلسطينية مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ الذي نُفّذ بعد ساعات من الإعلان عن انسحاب قوات الاحتلال من مخيم جنين.
ما جرى في تل أبيب ونابلس وغيرها لا يمكن فصله عمّا جرى في جنين، فهو يأتي في سياق الرد على العدوان الإسرائيلي المتمادي وللتأكيد بأنه لا يمكن الاستفراد بجنين أو القدس أو غزة ، فالساحات توحدت، والمقاومة تولد من رحم الاحتلال والظلم والعدوان، وما دام هناك احتلال هناك مقاومة، وها هو الشعب الفلسطيني يثبت كل يوم أن المقاومة تجري في عروقه وأنه لن يتراجع حتى استرجاع كامل التراب الفلسطيني.
وعلى وقع انتصار مخيم جنين، عقد أمناء الفصائل الفلسطينية اجتماعاً لهم في دمشق بمشاركة وفد من «الجهاد الإسلامي» حضر من غزة برئاسة نافذ عزام عضو المكتب السياسي في الحركة. وتمحورت كلمات المشاركين على أهمية إزالة الخلافات بين الفصائل والتركيز على وحدة الصف وترميم القدرات العسكرية في الضفة الغربية والتجهيز الدائم للمعارك مع قوات الاحتلال حتى تحرير فلسطين بالكامل. وفي بيان مشترك، دعت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، «المجموع الوطني الفلسطيني» بكل ألوانه وأطيافه «للتحرك فوراً وسريعاً من أجل الاتفاق على خطة وطنية شاملة لمواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين»، وسط إشادات ببسالة المقاومة في جنين.
أما على مستوى ردود الفعل الدولية، أدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، متأخراً –يوم الخميس الماضي– «بشدة كل أعمال العنف ضد المدنيين، وبضمنها الأعمال الإرهابية»، وقال إن «القصف الإسرائيلي والعمليات على الأرض في مخيم مزدحم كان أسوأ عنف في الضفة الغربية منذ سنين».
في سياق منفصل، تجدّد المأزق الداخلي بحكومة نتياهو، بعودة التظاهرات إلى الشارع الإسرائيلي احتجاجاً على «الانقلاب القضائي»، حيث شارك مئات الآلاف في عشرات التظاهرات التي نُظمت في تل أبيب وحيفا والقدس وبئر السبع وغيرها من المدن المحتلة. ووقعت أعنف الاحتجاجات عند تقاطع «يغئال ألون» في تل أبيب؛ والذي أغلقه المحتجون لأكثر من ثلاث ساعات، ما تسبّب بتعطيل حركة السير وازحام مروري في أكثر من شارع. وواجهت الشرطة الإسرائيلية أعمال الشغب تلك، باعتقالات طالت عدداً من المحتجين، فيما نُقل بعض هؤلاء إلى المستشفيات نتيجة القمع الذي تعرّضوا له.
Leave a Reply