واشنطن، بالم بيتش
في خطوة وضعها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في سياق مساعي «الديمقراطيين الراديكاليين» المتواصلة لمنعه من الترشح لانتخابات الرئاسة 2024، داهم عناصر من مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) –مساء الإثنين الماضي– مقر إقامة ترامب في ولاية فلوريدا، مثيرين موجة ردود فعل غاضبة في أوساط الجمهوريين الذين سارعوا إلى اتهام إدارة الرئيس جو بايدن بتسييس نظام العدالة واستخدام الأجهزة الأمنية للانتقام السياسي كما يحدث في «بلدان العالم الثالث» و«جمهوريات الموز»
وبينما لا تزال أسباب المداهمة غير المسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة، غير معلنة رسمياً، إلا أنها ربطت في التحقيق الخاص بالسجلات السرية التي يعتقد بأن ترامب كان قد نقلها من البيت الأبيض إلى مقر إقامته في منتجع «مارالاغو» بعد انتهاء ولايته الرئاسية، قد يشكل انتهاكاً لقانون حفظ السجلات.
وما التحقيق الخاص بالسجلات السرية، إلا واحداً من التحقيقات العديدة التي لا تزال تواجه ترامب بشأن فترة وجوده في المنصب وبشأن أعماله التجارية الخاصة، عدا عن محاولات عزله السابقة وتحقيق مجلس النواب المستمر بدوره في أحداث اقتحام الكابيتول.
وكان ترامب سباقاً في الإعلان عن مداهمة «مارالاغو» حيث أدان عبر منصته الجديدة للتواصل الاجتماعي (تروث سوشال) «الهجوم» على منزله الفخم في منطقة بالم بيتش، كما سارع سياسيون جمهوريون بارزون إلى التعاطف معه واصفين المداهمة التي استهدفته بأنها عمل سياسي مدبر لأجل الانتقام من ترامب بسبب آرائه وسياساته عندما كان الرئيس الـ45 للولايات المتحدة.
وبحسب التقارير المتداولة في وسائل الإعلام الأميركية، داهم عناصر «أف بي آي» منزل ترامب بعد دقائق قليلة من إعلام جهاز الخدمة السرية بذلك، حيث قاموا بتفتيش أرجاء المنزل بما في ذلك غرفة نومه وخزنته الخاصة وخزانة ملابس زوجته ميلانيا، وصادروا حوالي دزينة صناديق تحتوي على وثائق وأدلة محتملة.
ونفذ عناصر «أف بي آي» المداهمة بموجب مذكرة تفتيش وقعها مساعد قاض فدرالي بناء على انتهاك محتمل لقانون السجلات الرئاسية، إلى جانب خرق قوانين متعلقة بالتعامل مع وثائق ذات طابع سري، حسبما نقل عن أريك ترامب، نجل الرئيس السابق.
غير أن التجاوزات من هذا النوع عادة ما تحدث مع الرؤساء الأميركيين السابقين وتتم معالجتها بشكل روتيني، دون الوصول إلى حد مداهمة مكاتبهم ومقار إقامتهم، بحسب المشرعين الجمهوريين الذين اتهموا وزير العدل أريك غارلاند باستخدام «أف بي آي» ونظام العدالة للاستهداف السياسي.
وقال ترامب في بيان نشره عبر منصة «تروث سوشال» بالتزامن مع «احتلال» عناصر «أف بي آي» لمنزله في فلوريدا: «هذه أوقات عصيبة لأمتنا، حيث إن منزلي الجميل، في بالم بيتش فلوريدا، يخضع حالياً للحصار، والمداهمة والاحتلال من قبل مجموعة كبيرة من عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي». وأضاف: «إنه سوء سلوك من جانب الادعاء العام، واستخدام لنظام العدالة كسلاح سياسي»، واصفاً ما يحدث بأنه «هجوم يشنه الديمقراطيون من اليسار المتطرف الذين يحاولون بشكل يائس أن لا أترشح للرئاسة في عام 2024».
وأردف قائلاً: «لم يحدث شيء من هذا القبيل قط لرئيس للولايات المتحدة من قبل».
وفي وقت المداهمة لم يكن ترامب في المنزل الذي تقاطر إليه أنصار الرئيس السابق لإظهار تضامنهم معه، فيما كان الرئيس السابق في نيويورك، تمهيداً لمثوله بعد يومين –تحت القسم– أمام المدعية العامة لنيويورك في إطار تحقيق مدني منفصل بشأن احتيال مفترض في ممارسات عائلته التجارية.
وفي معرض تبرير مداهمة «مارالاغو»، نقلت صحيفة «واشنطن بوست»، عن مصدرين لم تذكر اسميهما، أن مسؤولين في إدارة الأرشيف الأميركي تواصلوا مع أشخاص من دائرة ترامب طيلة أشهر وحاولوا إقناعهم بإرجاع أشياء مدرجة ضمن السجل الرئاسي، ومحاطة بالسرية، لكن تجاوب الرئيس السابق لم يكن كافياً ومطمئناً.
وكان ترامب قد أكد في وقت سابق أنه وافق على إعادة بعض السجلات إلى إدارة المحفوظات، واصفاً إياها بأنها «عملية عادية وروتينية».
وبدورها، ذكرت «نيويورك تايمز» أن مسؤولي وزارة العدل الأميركية رجحوا أن ترامب لم يتجاوب على النحو الإيجابي المطلوب مع طلبات بإعادة وثائق مصنفة يرجح أنه قام بإخراجها من البيت الأبيض بعد انتهاء ولايته.
وقالت الصحيفة إن ترامب قد يمنع من الترشح لرئاسة الولايات المتحدة مجدداً عام 2024 حال إدانته بقانون جنائي يحظر إزالة السجلات الرسمية.
ويجرم قانون الولايات أي شخص تكون بعهدته مستندات أو سجلات حكومية وعمل على «إخفائها أو إزالتها أو تشويهها أو محوها أو تزويرها أو إتلافها عن عمد وبشكل غير قانوني».
ورغم ذلك، يرى الجمهوريون أن تفتيش مكان إقامة رئيس أميركي سابق، تحتاج لأكثر من مخالفة عادية يمكن حلها بوسائل عديدة.
وأضافوا أن الهدف الحقيقي من المداهمة هو العثور على أدلة قد تساعد في منع ترامب من الترشح للرئاسة مرة أخرى، مطالبين وزير العدل ميريك غارلاند ومسؤولي «أف بي آي» «بتحضير ملفاتهم وإفراغ جدول مواعيدهم»، في إشارة إلى قرب مساءلتهم أمام الكونغرس، في حال تمكن الحزب الأحمر من استعادة الأغلبية التشريعية في الانتخابات النصفية القادمة.
وأثيرت الأسئلة في واشنطن حول ما إذا كانت عملية التفتيش هذه ستؤدي إلى إيجاد أدلة ما على أخطاء وقع فيها ترامب خلال توليه المسؤولية، أم إن هذه الخطوة ستعزز رصيده السياسي والشعبي بظهوره كضحية لاضطهاد الإدارة الديمقراطية و«اليسار الراديكالي».
من جانبه، نفى البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، أية معرفة مسبقة للرئيس بايدن بمداهمة منزل ترامب في فلوريدا. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، للصحفيين، إن بايدن يؤمن بسيادة القانون واستقلالية وزارة العدل وإنه لم يكن على علم مسبق باقتحام منزل ترامب، مشيرة إلى أنه علم بالقضية من خلال وسائل الإعلام! وأوضحت بأن «وزارة العدل تجري تحقيقات بشأن ترامب بشكل مستقل، وبالتالي لا يمكن التعليق على أي تحقيق مستمر».
من جانبه، سارع ترامب الذي يحظى بشعبية جارفة في أوساط الجمهوريين ويعتبر المرشح الأقوى للرئاسة في 2024، إلى تحويل مداهمة منزله في فلوريدا، لصالحه، عبر إطلاق حملة لجمع تبرعات انتخابية من أنصاره.
وقال ترامب في رسالة بريد إلكتروني «إنهم يحاولون إيقافي وإيقاف الحزب الجمهوري مرة أخرى»، وأضاف «يجب فضح ومنع انتهاك القانون والاضطهاد السياسي».
وكان ترامب قد أطلق لجنة «أنقذوا أميركا» عقب خسارته انتخابات 2020، وقد تجاوز رصيدها –الأسبوع الماضي– 100 مليون دولار، إلا أنه لم يعلن عن ترشحه رسمياً للرئاسة حتى الآن.
Leave a Reply