يشكل الأمن هاجسا مستمراً للأجهزة المعنية في الدولة اللبنانية، وسط البراكين المتفجرة في المنطقة وارتفاع منسوب المخاطر المحدقة. وقد بذلت تلك الأجهزة جهداً استثنائياً لحماية الاحتفالات بعيد الفطر من أي تهديد، فيما يراهن كثيرون على يقظتها لتحصين فصل الصيف ضد الاختراق الأمني، بغية حماية موسم السياحة والمهرجانات الذي يأمل اللبنانيون في أن يكون هذا العام مزدهراً بعد سنوات من الانكماش.
ويمكن القول إن مخابرات الجيش والأجهزة الأمنية نجحت حتى الآن في تحقيق إنجازات نوعية على مستوى الحرب الاستباقية التي تخوضها في مواجهة الخلايا الإرهابية التي جرى ضبط العديد منها مؤخراً في العديد من المناطق، وبعضها كان يخطط لأعمال تخريبية على درجة عالية من الخطورة.
وإذا كانت أجهزة المخابرات والأمن العام وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي قد تصدرت خلال السنوات القليلة الماضية مشهد التصدي للكثير من المجموعات التكفيرية وضبطها قبل أن ترتكب اعتداءاتها، فأن «أمن الدولة» استعاد مؤخراً شيئاً من بريقه المفقود، نافضاً عنه غبار مرحلة الصراع في داخل قيادته السابقة، وساعيا إلى تعويض «الوقت الضائع» بقوة الزخم الذي رتبه التوافق السياسي على تعيين اللواء طوني صليبا مديراً عاماً لـ«أمن الدولة» والعميد سمير سنان نائباً له.
إنعاش الجهاز
وفور استلام اللواء صليبا لمهامه، سعى إلى إعادة تثبيت موقع «أمن الدولة» في المعادلة الأمنية، وبادر إلى ضخ جرعة من «المقويات» و«الفيتامينات» في العروق المتيبسة للجهاز، الأمر الذي انعكس على إنجازات عدة على مستوى مواجهة التهديد الإرهابي، حيث نجح الجهاز تباعاً في توقيف إرهابيين ومطلوبين، وعادت بياناته لتحجز مكاناً لها في وسائل الإعلام بعد غياب طويل عن الواجهة.. والمواجهة.
والى جانب التحدي الميداني، يخوض «أمن الدولة» تحدياً من نوع آخر يندرج في صميم مهامه وصلاحياته، وهو فرض «الأمن الرقابي» المتعلق بالتصدي للفساد والهدر في المؤسسات الرسمية، الأمر الذي سيضعه على خط تماس مباشر مع مافيات الفساد المتغلغلة في مفاصل الدولة.
يقول مدير الجهاز اللواء صليبا لـ«صدى الوطن» إن الخلايا الإرهابية تسعى إلى استغلال كل فرصة أو ثغرة ممكنة لشن هجمات على أهداف في لبنان، لكن الأجهزة الأمنية تقف لها بالمرصاد، موضحاً أن «أمن الدولة» يحرص على القيام بعمليات استباقية تحت سقف الأمن الوقائي، ومؤكداً أنه جرى مؤخراً تنفيذ العديد من الضربات النوعية ضد الإرهابيين في أوكارهم، بالتنسيق الكامل مع مخابرات الجيش اللبناني.
دعم سياسي
ويؤكد اللواء صليبا أن «أمن الدولة» أصبح من جديد في جهوزية تامة وهو يسعى دائماً إلى البقاء ممسكاً بالمبادرة، «لأن المعركة مع الإرهاب لا تحتمل أي استرخاء»، معتبراً أن الوضع الأمني في لبنان هو تحت السيطرة إلى حد كبير، «انما من دون أن يعني ذلك، السقوط التام لفرضية حدوث خروقات موضعية».
ويلفت الانتباه إلى أن «أمن الدولة» تمكن من إعادة تفعيل طاقاته وحضوره، في أعقاب الظروف الصعبة التي مر بها، خلال الفترة الماضية، نتيجة الشلل الذي أصابه تحت وطأة الخلاف بين طرفي قيادته السابقة، موضحاً أن عمل الجهاز، منذ تعيينه رئيساً له، يحظى بدعم تام من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي «أعطى توجيهاته بضرورة تنشيط دورنا على مستوى مكافحة الهدر والفساد كذلك، إلى جانب مهمتنا الدائمة الأخرى وهي مكافحة الإرهاب».
ويشير صليبا إلى أن الرئيس نبيه بري «أبلغنا أيضاً بوجوب عدم تكرار حالة الانقسام والاختلاف على مستوى قيادة الجهاز» انطلاقاً من أن النص يحدد صلاحيات المدير ونائبه بوضوح، من دون أي التباس، وبالتالي يجب ألا يحصل تجاوز للقانون، كما أن رئيس الحكومة سعد الحريري أكد أهمية تعزيز التنسيق بين المؤسسات الأمنية كافة.
ويؤكد صليبا أن عمل «أمن الدولة» لا يقتصر حالياً على الشق المتعلق بمكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أنه ينشط أيضاً في مجال مكافحة الهدر والفساد التي تشكل «واحدة من أولويات عملنا».
وفي هذا السياق، يوضح أن الجهاز نجح في تصويب مسار بعض المناقصات في إدارات الدولة اللبنانية، واشتغل على العديد من الملفات الحساسة المتعلقة ببعض المؤسسات الرسمية، «وقد تمكنا من ضبط العديد من الارتكابات والتجاوزات المتصلة بالهدر والفساد، مشيراً إلى أنه جرى تحويل تلك الملفات إلى التفتيش المركزي لإجراء المقتضى، ويوجد موقوفون رهن التحقيق لدى القضاء.
Leave a Reply