اصرار اميركي على تنفيذ القرار 1559 يلاقي تجاوباً من اطراف لبنانية
بيروت –
عندما صدر قرار مجلس الأمن 1559 في 2 أيلول 2004، والذي أطلق عليه قرار الفتنة، كان الهدف منه، هو الوصول الى سلاح المقاومة، تحت تسمية نزع سلاح الميليشيات وفرض السلطة اللبنانية سيادتها على الأراضي اللبنانية، وعدم وجود سلاح غير سلاحها الشرعي.
لم يكن القرار المذكور يهمه منع التمديد لرئيس الجمهورية العماد اميل لحود، تحت ذريعة ضرورة احترام الدستور ونصوصه وعدم تعديله، بل كان يهمه من عدم بقائه في قصر بعبدا، لانه يرفض المس بسلاح المقاومة أو تصادم الجيش معها، وهو الذي خبر هذه المحاولة في صيف 1993، وبعد العدوان الاسرائيلي على لبنان، تحت شعار “تصفية الحساب”، وقد جاء من كان في السلطة آنذاك، بطرح فكرة إرسال الجيش الى الجنوب ومنع الظهور المسلح فيه، أو القيام بعمليات ضد الاحتلال الاسرائيلي الذي كان يحتل مساحة واسعة منه، فرفض قائد الجيش العماد لحود، الفكرة ووقف ضدها، وجاء من يقول له ان سوريا لا تمانع في ذلك، فأوفد من سأل القيادة السورية، فكان الجواب بتبني رأي لحود، بعدم زج الجيش بمواجهة المقاومة، وتحويله الى حرس حدود.
فتضمين القرار 1559 فقرة حول رفض تعديل الدستور، لمنع التمديد للحود ، لانه سيكون حجر عثرة في تنفيذ ما ورد فيه لجهة نزع سلاح المقاومة، وقد وقف فعلاً موقفاً وطنياً عندما حصل العدوان الاسرائيلي صيف 2006، وجاء وزراء الى مجلس الوزراء وبعد ثلاثة وثلاثين يوماً من الأعمال الحربية الصهيونية التي قتلت البشر ودمرت الحجر، يطالب بان تأخذ الحكومة قراراً بان تسلم المقاومة سلاحها الى الجيش، فتصدى الرئيس لحود مع وزراء “أمل” و”حزب الله” لهذا الاقتراح المشبوه وسقط.
ففي بند تعديل الدستور الذي حصل مع التمديد للحود، جرى أيضا مع انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، مما يعني ان لا تأثير للقرار 1559، على عملية انتقال السلطة في لبنان وانتخابات رئاسة الجمهورية.
اما في البند المتعلق بانسحاب القوات السورية من لبنان، وقد اسماها القرار بالقوات الأجنبية، فتم تنفيذه بعد القرار الذي اتخذه الرئيس بشار الأسد في 5 آذار 2005، بسحب جنوده وضباطه من لبنان، وهو كان تلقى من الإدارة الأميركية عرضاً، بأنه يتم تجاوز هذا البند في القرار 1559، إذا التزمت سوريا بمساعدة لبنان على حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية (الفلسطينية) ونزع سلاحها، لكن الجواب السوري كان حاسماً انه لا مس بالمقاومة وسلاحها، وقال الرئيس الأسد قوله الشهير: ان اخطر ما في القرار الدولي هو المقاومة وسلاحها.
فبعد انتهاء مفعول القرار لجهة تعديل الدستور وانسحاب القوات السورية الذي حصل في 26 نيسان 2005، بقي موضوع المقاومة، الذي تعهد فريق 14 آذار أمام إدارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش ان يحله بالحوار، لكن فترة السماح التي أخذها، نفذت بالرغم من انعقاد طاولة الحوار في مجلس النواب في 2 آذار 2006 وبدأت البحث في الإستراتيجية الدفاعية، ودور المقاومة فيها، في حين ان المطلوب أميركيا وإسرائيليا وحتى من بعض الأنظمة العربية المسماة معتدلة، هو إنهاء المقاومة في لبنان، ولما لم يتمكن “ثوار الأرز” من ذلك، كانت إسرائيل حاضرة لشن عدوان واسع عليها، انتهى بالهزيمة العسكرية لأكبر جيش في المنطقة، وتغيرت المعادلة في لبنان والمنطقة، وتقدم المحور المقاوم والممانع الذي تمثله إيران وسوريا و”حزب الله” في لبنان و”حماس” في فلسطين وحلفائهم.
لم ينجح المشروع الاميركي-الاسرائيلي في تنفيذ القرار 1559 عسكرياً قبل أكثر من ثلاث سنوات، وفشل في إسقاط المقاومة بالفتنة الداخلية في لبنان، بعد صدور قرار الحكومة الأولى لفؤاد السنيورة بتفكيك شبكة اتصالات المقاومة، التي تصدت بالسلاح لإسقاط القرار، وسلّمت الجيش الأمن، وأعادت التوازن الداخلي عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية، حفظ بيانها الوزاري المقاومة، بعد انتخاب رئيس توافقي للجمهورية قادم من قيادة الجيش العماد ميشال سليمان ولا يكن العداء للمقاومة، ولا يرفع سلاح الجيش بوجهها.
وتعود الإدارة الأميركية من جديد وبرئاسة باراك اوباما، المطالبة بنزع سلاح المقاومة ،وكان العالم ينتظر منه ان يغير سلوكه مع ادارته،عن اداء الادارات السابقة، لكنه لم يفعل تحت ضغط “اللوبي اليهودي” عليه، فلم يغير نهجه عن من سبقه، لأن الالتزام الأميركي ثابت في حفظ أمن “إسرائيل” ووجودها، مع كل الإدارات الأميركية التي تعاقبت سواء كان الجمهوريون أو الديمقراطيون في الحكم، إذ ما زال هناك إصرار أميركي على تنفيذ القرار 1559 بشقه المتعلّق ببند المقاومة، وهو المقصود من كل ما ورد فيه، وبدأت عملية تحريك لأطراف داخلية لبنانية لطرح الموضوع، وإبقاء سلاح المقاومة قيد التداول، في وقت أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري، أنه غير مطروح للبحث خارج طاولة الحوار، وأكّد بعد فوز قوى “14 آذار” بأكثرية مقاعد مجلس النواب في الانتخابات النيابية، أنه يمدّ يده للتعاون مع الجميع، وأنه ملتزم بما صدر في البيانات الوزارية السابقة عن المقاومة، وهذا ما حصل في بيان الحكومة الحالية التي ترأسها، وقد سانده في موقفه النائب وليد جنبلاط ، الذي عاد الى موقعه السياسي السابق في دعم المقاومة وإبقاء سلاحها، والاستفادة منها في الدفاع عن لبنان بمواجهة “إسرائيل” واعتداءاتها.
لكن البيان الوزاري للحكومة، كان موضع تحفّظ من مسيحيي “14 آذار”، الذين يغردون خارج سرب الوفاق الوطني الذي مثّلته الحكومة وتبنّت حق لبنان جيشاً وشعباً ومقاومة في الدفاع عن لبنان، إذ تحفّظ كل من: حزب الكتائب و”القوات اللبنانية” واعترض الوزير بطرس حرب، فعرّضوا الحكومة الى الاهتزاز، وظهرت أنها غير متماسكة سياسياً، مما فتح ثغرة فيها أمام السفيرة الأميركية في لبنان ميشال سيسون لتتحرّك مع هؤلاء وتحرَضهم على المقاومة، ودفعهم الى المطالبة بتنفيذ ما تبقى من القرار 1559، وقد كان لافتاً تجاوبهم معها، وشنّهم حملة على المقاومة، وإقدام حزب “الكتائب” على تقديم طعن أمام المجلس الدستوري في الفقرة السادسة من البيان الوزاري لإسقاط الشرعية عن المقاومة، لكن لم يلقَ طعنه التجاوب من عشرة نواب، حتى من حلفائه “القوات اللبنانية” وحرب، فسقط في الشكل، وكان المجلس الدستوري سيرفضه بالمضمون، لأنه ليس من اختصاصه البت بدستورية بيان وزاري، بل بدستورية القوانين.
وما فعله حزب الكتائب، يلتقي مع طروحات السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان الذي يشغل منصب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الاوسط، والذي رفض وجود ممثلين لـ”حزب الله” في الحكومة، الذي وصفه بـ”الإرهابي” ويشكل خطراً على لبنان، وتلاقى موقفه هذا مع موقف لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي تحدث عن سلاح “حزب الله” الأقوى من سلاح الجيش اللبناني، وهو ما تزامن مع استمرار حملة “تيار المستقبل” بوزارئه ونوابه وقيادته وإعلامه، ضد “حزب الله” وسلاحه، حيث أعلن النائب السابق مصطفى علوش، انه لو اعترف العالم كله بشرعية سلاح المقاومة، فهو لن يعترف به، وكان لافتاً موقفه الى جانب قياديين في “تيار المستقبل”، تحدثوا في نفس الاتجاه، دون ان يحرك الرئيس الحريري ساكناً، مما يشير الى ان ما يجري فيه الكثير من التناقضات بين القول والممارسة، ولا يتطابق مع ما يؤكده رئيس الحكومة دائماً ان سلاح المقاومة ليس للتحريض عليه، ولن يكون مادة سجال داخلي، وهذا ما يفرض عليه وقف الحملة الإعلامية والسياسية، والتزام ما يقوله وما تبنته حكومته في بيانها الوزاري.
وهكذا فإن الإدارة الأميركية تعمل باتجاه الضغط على لبنان، من أجل فك ارتباطه بالمقاومة، وهذا ما أبلغه الرئيس أوباما للرئيس ميشال سليمان أثناء زيارته لواشنطن، عندما حذّره من استمرار تدفق السلاح الى المقاومة، وإن “إسرائيل” لن تقف مكتوفة الأيدي، وقد تلجأ الى عمل عسكري، وأن القرار 1559 لم ينفذ بكامله، ورد عليه رئيس الجمهورية بأن “إسرائيل” لم تنفذ القرار 1701، ومازالت تخرقه، وأن لبنان ملتزم به ولا وجود للسلاح جنوب نهر الليطاني، كما لم تسجل القوات الدولية خروقات لـ”حزب الله” في هذا المجال، وكل ما يتم تداوله حول نقل سلاح من سوريا الى لبنان والى المقاومة غير دقيق، وإن الأقمار الاصطناعية ترصد الحدود اللبنانية، ولم تسجل دخول أسلحة، وكذلك البحرية التابعة للقوات الدولية التي ترابط في المياه الإقليمية اللبنانية.
فاستغلال وجود السلاح، وشرعنة الحكومة له، في مقاومة الاحتلال، لم يرق للعدو الإسرائيلي، كما للادارة الاميركية، التي بدأت تسرب معلومات، ان حرباً ستقع على لبنان اذا لم يعمل على نزع سلاح المقاومة، وهذا ما تلقاه رئيس الهيئة التنفيذية “للقوات اللبنانية” سمير جعجع وبدأ يتحدث عن حرب مقبلة على لبنان، وان من يراهن من فريق 14 اذار على ان خط المقاومة هو الذي انتصر ويعمل على تقديم تنازلات له، هو مخطئ ،لانه في الربيع او مطلع الصيف القادم، ستكون الارض اللبنانية مسرحاً لعملية عسكرية اسرائيلية واسعة، تشبه اجتياح العام 1982، وستصل قوات الاحتلال الى تخوم الضاحية الجنوبية، وستدخل الى عمق البقاع الشرقي والشمالي، لاجتثاث المقاومة وتدمير منصات صواريخها، والقاء القبض على قيادتها وبذلك تنتهي اسطورة “حزب الله” وتعود الدولة لتسيطر على الارض وتبسط سيادتها وتستعيد قرارها المسلوب.
هذه الاجواء يعيشها مسيحيو “14 اذار” ويتناغم معهم اطراف من “تيار المستقبل” ويعملون على ان لا تسقط ثورة الارز التي عنوانها حسب رأيهم العبور الى الدولة، بعد تحقيق السيادة والاستقلال، فكما استعانوا بالادارة الاميركية لاخراج القوات السورية، فهم ينتظرون مرة ثانية العدو الاسرائيلي للقيام بعملية ضد “حزب الله” فشل بها في العام 2006، ويحاول تكرارها الصيف القادم، بضوء اخضر اميركي ،ذكرت المعلومات ان الرئيس سليمان تبلغ عنها من الرئيس الاميركي، ولمح اليها امامه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اثناء استقباله له مطلع العام الجديد، عندما سأله ايضاً تنفيذ ما تبقى من بنود في القرار 1559، لان اسرائيل لن تسكت عن سلاح المقاومة، وهو ما كان صرح به علناً وزير الخارجية الفرنسية برنارد كوشنير عندما هاجم “حزب الله” وسلاحه.
فالاشارات الخارجية التي تتحدث عن احتمال قيام اسرائيل بعدوان جديد على لبنان، يقابلها فريق من اللبنانيين بارتياح وقد بدأ بالضغط داخلياً لتسليم المقاومة سلاحها الى الجيش وشطب فقرة المقاومة من البيان الوزاري كي لا يتحمل لبنان بكامله مسؤولية استمرار وجود المقاومة وسلاحها، ولنزع ذريعة اسرائيلية، في وقت تدرس الحكومة الصهيونية اقتراحاً للانسحاب من الشطر الشمالي من قرية الغجر وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا، لتتمكن الحكومة اللبنانية من الطلب الى “حزب الله” التخلي عن المقاومة وسلاحها، وهذا الاقتراح يجري التداول به في اروقة الامم المتحدة كما في البيت الابيض وقصر الاليزيه.
لكن المقاومة وسلاحها بعد تحرير كامل التراب اللبناني، يبقيان مطروحين للبحث ضمن استراتيجية دفاعية، لان الاخطار والاطماع الإسرائيلية على لبنان باقية ودائمة، ولا بد من بناء قوة دفاعية في مواجهتهما وهي تتكون من الجيش اولاً، مضافاً اليه المقاومة واحتضان الشعب لهما ومساندتهما، وهذا ما تقوم به الدول عندما تتعرض لتهديدات خارجية واعتداءات على سيادتها، وهذا ما ستتابع طاولة الحوار مناقشته في الاستراتيجية الدفاعية.
Leave a Reply