شعر: كمال العبدلي
من بعيد..
ثانيةً
والعمرُ يدور في حلقةٍ مُفرَغةِ الحياة
إذ الدنيا شبيهةٌ بآخرتِك
فالمُستقَرُّ أكذوبةٌ
إنْ أحيل إلى الغُربة
أوَ ما رأيتَ أنَّ الدائرةَ لا تشبهُ الهرَم؟
غيرَ أنّهما يتشابهان في رِحلةِ البدءِ والنهاية
مِن نقطةٍ أولى إلى قرينتِها الأخيرة
المُصطفّةِ بجانبِها المُعاكس
فتلكَ تدور
وهذه رهنَ الصعودِ حثيثاً نحو الهبوط
أجل..
الغُربةُ ليستْ وطناً
إن افتقدتْ لأربعِ مُحرِّكاتِ جيبِ نفّاثة
في زمنٍ
قد اجتاحَ الناسَ وباءُ الوهمِ
إذ تخيّلوا أنّ الفيسبوك
مصدرُ نشرٍ يضاهي الجريدةَ أو الكِتاب
ويُريدونكَ أن تُشارِكَهم
حفلتَهم المجّانيّةَ هذهِ
في زمنٍ
يكونُ فيهِ خادمُ مُقَدَّسَينِ مثلاً
مُعاضِداً لِمُستبيحِ مُقَدَّسِ ثالث!
في زمن الالتفافِ على قاعدةِ أرخميدس
وغيرهِ الأفذاذ
إذ توصَمُ المُقاومةُ بالإرهاب
ويوصَفُ الإرهابيّونَ بالنقيض!
في زمنٍ
أُسقِطَ الشِعرُ عن عرشِ الجمال
لِيحلَّ محلَّهُ الوجهُ البشِع
لسِباقِ التسلُّح
وها أنتَ قد حملتَ ملفَّهُ المُدان
شاكياً وخزاتِهِ إلى الله
في زمنٍ
يولدُ الأطفال
ولا يقدرُ على أن يُزيحَ الجدرانَ الحديديّةَ
عن أحلامِهِم
ولَو ألفُ سبارتكوس
××××
عريان… صديقي أبا خلدون
إنّ رقمَ اليوم التَوأم لِرقمِ الشهر
يُثيرُ الانتباهَ من دون بقية أرقام التقاويم
ربما لِراحةِ البصر
أو لأنّ الانسجامَ ينتظمُها
فيما البعثرةُ تبعثُ على تكديرِ المزاج
مع أنّها تنتهي عند الرقم الثاني عشر
لكنَّ يومَ السادس من كانون الأوّل
لم يكن بذلك القدرِ من الإنتباه
غيرَ أنّهُ رفَعَني فرَماني
وسطَ حومةٍ
من بنات المشاعر الناثرات الشَعر
اللاطِماتِ النائحات
لحظةَ رجَّ صدري خبرُ نعيِك
وإذ حملوا نعشكَ في بغداد
كنتُ من غربتي بين المُشيّعين
لكنّ الكاميرا عصيّةٌ على التقاط
أو رؤية الأجنحة التي
تنبتُ بسرعة الومضِ
على أذرعِ الحزانى
××××
وإذ تتطاوح الأرجاءُ بي
أستديرُ معكَ إلى الشارع الستّينيّ الأوسط
إذ كانَ يجاورنا في مشيتِنا
نهرٌ نظيف
بزوارقِهِ الحالمةِ المُهَدهَدة
تداعبُ ياقاتِ قمصانِنا البيض
نُسَيماتٌ هيفاوات
وكانت بغدادُ بيتَ الدفءِ والحنان
تشعشعُ القصائدَ
عبرَ سيمفونيّة الكلمات
مثلَ كرنفالِ فرحٍ لا ينتهي
كُنّا نملكُ النهرَ والنسائمَ والشارع
والقصائد
وقلوبَ الملايينِ الآمنين
ها أنّي…
بفقدِكَ راحَ كلُّ شيءٍ يتلاشى
خلفَ أعاصيرِ الحزنِ الطاغي
وإذ كنتُ المُغترِب
أحملُ إليكَ نعيَ المُقيم
Leave a Reply