خرج مرسوم التجنيس الاخير عن الخط المرسوم له، بعدما انكشف امره، وأخفقت محاولة مروره عبر الخط العسكري، ليتبين أنه ينطوي على العديد من الثغرات وان بعض الأسماء التي وردت فيه لا تستحق نيل الجنسية اللبنانية، وهذا ما اعترفت به وزارة الداخلية التي أصدرت بيانا أوضحت فيه أن تحقيقاتها الأولية أظهرت أن عدداً من الأسماء تدور حولها شبهات أمنية وقضائية، وأنه يتم حالياً التدقيق في مدى دقة هذه المعلومات من خلال التحقيق الإضافي الذي تقوم به المديرية العامة للأمن العام.
ومع مبادرة الوزارة إلى نشر محتوى المرسوم عبر موقعها الالكتروني بعد تكتم، تبين انه صدر في 11 أيار (مايو) الماضي مذيلا بتواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية، وانه يشمل قرابة 400 شخص، أغلبيتهم من السوريين والفلسطينيين، إضافة إلى أسماء أخرى متعددة الجنسيات، من بينها اسم رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي وأفراد عائلته، علما أن والدته لبنانية من آل عسيران.
ولئن كان المرسوم قد احتوى أخطاء فاضحة وربما متعمدة بعدما تبين أنه تم منح الجنسية لبعض من لا يستحقها، وفق تلميح وزارة الداخلية في بيانها، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أخرى وهي أن جهات سياسية عدة استثمرت الخلل في هذا الملف للانقضاض على العهد وتصفية حسابات سياسية مع الرئيس ميشال عون، الأمر الذي أدى إلى اختلاط الحابل بالنابل، ما دفع عون إلى الطلب من المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إجراء مسح للمرسوم والتدقيق في أسماء المستفيدين منه، لإراحة القلقين من أصحاب النيات الحسنة، وسحب الذريعة من أصحاب النيات السيئة.
مقاربة باسيل
وقال وزير الخارجية جبران باسيل لـ«صدى الوطن» إن التجنيس الإنفرادي يكون في بعض الأحيان ضرورياً، لاسيما عندما يشمل أفراداً يستحقون ذلك ويشكل تجنيسهم إنصافاً لهم أو خدمة للمصلحة الوطنية العليا، مشيراً إلى أن هذا الأمر يختلف كلياً عن التجنيس الجماعي الذي قد يصب في خانة التوطين والتغيير الديموغرافي.
ويلفت باسيل الانتباه إلى احتمال أن يكون قد حصل سوء إدارة لهذا الملف من قبل بعض المعنيين به، ولكن ليس رئيس الجمهورية الذي استخدم صلاحياته القانونية والدستورية في منح الجنسية إفرادياً وهو التزم بالمعايير المطلوبة في هذا المجال، إما إذا كان بعض غير المستحقين قد دفعوا أموالاً، كي يحصلوا على الجنسية اللبنانية فمن المؤكد أن الرئيس عون و«التيار الوطني الحر» لا علاقة لهما بتاتاً بمثل هذا الأمر إذا حصل.
ويلاحظ باسيل أن بعض ردود الفعل على مرسوم التجنيس أظهرت أن هناك استغلالاً سياسياً مكشوفاً له من اجل التصويب على العهد ومحاولة النيل منه، مؤكداً أن غبار الحملات لن يغطي الحقيقة وأن اصحابها لن ينجحوا في أن يساووا بين مرسوم محدود للتجنيس يشمل 300 أو 400 شخص وبين مشروع توطين مليوني نازح سوري ولاجئ فلسطيني لا يخلو من بصمات داخلية، مشيراً إلى أن بين المنخرطين في الحملات من تهاون أو تواطؤ في ملف النزوح.
ويستغرب باسيل التركيز على استهداف الرئيس عون تحديداً في حين أن مرسوم التجنيس يحمل ايضا توقيعي الرئيس سعد الحريري والوزير نهاد المشنوق، ما يؤشر إلى الدوافع المريبة التي تقف خلف مواقف البعض.
ويلفت الانتباه إلى أن ثلثي المجنسين هم من المسيحيين والثلث من المسلمين، وبالتالي لا يوجد أي مبرر للقلق على الواقع الديموغرافي.
معارضو المرسوم
في المقابل، أبلغت مصادر سياسية معارضة للمرسوم «صدى الوطن» أنه لا يجوز استخدام المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم من قبل أحد للتغطية على مهزلة مرسوم التجنيس. وأضافت: اتركوا اللواء ابراهيم، هذا الموظف المثالي، كي يستمر في عمله الناجح في الأمن العام بدلاً من إلهائه بفضيحة المرسوم.
وتعتبر المصادر أنه كان مطلوباً إلغاء مرسوم التجنيس من أساسه، وليس تصحيحه أو ترقيعه كما تقرر، لانه ليس قابلاً لا للتصحيح ولا للترقيع، مشيرة إلى أن ما جرى هو في حقيقته «ضرب سمسمرة، «إلو أول ما إلو آخر». وتابع المصدر بالقول: إن إلغاء المرسوم ليس من صلاحية اللواء ابراهيم، ولذلك فإنه ما كان يجب وضع المسألة عنده بل عند من يملك تلك الصلاحية».
وتؤكد المصادر أن معظم الذين وردت أسماؤهم في المرسوم لا يستحقون الجنسية اللبنانية، متسائلة: هل كبار رجال الأعمال المقربون من بشار الأسد هم أصحاب حق في ذلك؟
وتنبه المصادر إلى أن رائحة المال والفضائح تفوح من بين سطور هذا المرسوم المعيب الذي حاولوا تهريبه سراً قبل أن ينكشف المستور وتظهر الحقائق التي كانوا يريدون إخفاءها.
وتستغرب محاولات التملص من المسؤولية عن هذا المرسوم، حتى كدنا نعتقد أن «الأشباح» هي التي وقّعته نيابة عن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الداخلية، مشددة على أن هذا الهروب إلى الأمام لن يفيد، وكل من ساهم في هذا المرسوم هو متورط.
وترى المصادر أن مرسوم التجنيس أساء إلى العهد الذي وجه إلى نفسه ضربة قوية، ملاحظة أنه منذ بداية العهد «ما في شي ظابط معو..».
Leave a Reply