القاهرة – كرّست مصر، الأسبوع الماضي، نمطاً ديمقراطياً جديداً في العالم العربي، بعدما اختتمت بسلام أول انتخابات رئاسية تجرى بعد “ثورة 25 يناير”، وهي انتخابات اكتسبت طابعاً تاريخياً، سواء من ناحية الشكل أو لجهة النتائج وما يترتب عليها بالنسبة الى المستقبل الذي يلي تنحية الرئيس السابق حسني مبارك.
ولعلّ أبرز ما رافق هذه الانتخابات تبدّى في أنه لم يكن متاحاً للمصريين أن يعلموا بهوية رئيسهم الجديد سوى في اللحظة التي نطق بها رئيس اللجنة العليا للانتخابات بالنتيجة النهائية، والتي أتت متقاربة جداً، بحيث ظلت ضمن مستوى 3,5 بالمئة بين المرشح “الإخواني” الفائز محمد مرسي، ومنافسه آخر رئيس وزراء في عهد مبارك الفريق أحمد شفيق.
وبعد أيام من الانتظار والتوتر السياسي أعلن رئيس اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة المستشار فاروق سلطان أن مرسي فاز بنسبة 51,73 بالمئة. وأوضح أن إجمالي عدد الناخبين المقيدين في الجداول الانتخابية 50,958,794 ناخباً، وأن إجمالي عدد الناخبين الذي حضروا: 26,420,763، ما يعني أن نسبة المشاركة بلغت 51,85 بالمئة. وأضاف أن إجمالي عدد الأصوات الصحيحة بلغ 25,577,511 صوتاً، فيما بلغ إجمالي عدد الأصوات الباطلة 843,252 صوتاً. وأشار إلى حصول مرسي على 13,280,131 صوتاً في مقابل 12,347,380 صوتاً لشفيق.
وما كاد سلطان يعلن النتيجة حتى تعالت الصيحات داخل مقر الهيئة العامة للاستعلامات، حيث عقد المؤتمر الصحافي للجنة الانتخابية. وبدت الأجواء داخل القاعة صورة مصغرة عن الاحتفالات الصاخبة التي شهدها ميدان التحرير وشوارع العديد من المدن المصرية.
وأعلنت “الإخوان المسلمين” في بيان مقتضب نشر على صفحتها في موقع “تويتر” أن مرسي استقال من كافة مهامه سواء في الجماعة أو في “حزب الحرية والعدالة” الذي يترأسه.
ومساءً، توجه الفريق أحمد شفيق بالتهنئة لمنافسه، لتنتهي بذلك العملية الانتخابية بسلام.
وفي خطاب بثه التلفزيون المصري، من أحد استوديوهاته في منطقة المقطم، تعهد الرئيس المنتخب محمد مرسي بأن يكون “رئيساً لكل المصريين” ووصف فوزه بأنه “لحظة تاريخية”.
وتعهد مرسي بتحقيق أهداف كل من شاركوا في الثورة، مؤكداً أن “الثورة مستمرة حتى تتحقق كل أهدافها”، وأن “مصر الوطن ومصر الشعب في حاجة الآن إلى توحيد الصفوف وجمع الكلمة حتى يجني هذا الشعب العظيم ثمار تضحياته” المتمثلة في “الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهي الشعارات الأساسية للثورة والتي لا تزال حناجر المصريين تعلنها قوية في كل منابر الثورة”.
وبرغم الحديث عن الثورة وأهدافها، فإن خطاب مرسي، الذي اكثر فيه الرئيس المنتخب استحضار الآيات القرآنية وخطب الخلفاء الراشدين، قد أتى ناقصاً لجهة طمأنة المصريين القلقين إزاء تولي “الإخوان” هذا المنصب الحساس في الجمهورية المصرية، فقد خلا، ولو تلميحاً، من نقاط جوهرية، من بينها السياسة التي سينتهجها الرئيس المنتخب لإقامة شراكة فعلية بين مكوّنات المجتمع، والطريق الذي سيسلكه لحل الإشكاليات الدستورية القائمة في البلاد. كما أنه لم يتطرق إلى هواجس المصريين في الأمن والاقتصاد سوى عرضاً.
أما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وفي ما بدا تطميناً لإسرائيل والغرب، قال مرسي إن مصر تحت قيادته ستحافظ على كافة المعاهدات والمواثيق الدولية وعلى الالتزامات والاتفاقيات” في إشارة الى اتفاقية “كامب دايفيد”، و”على منظومة القيم المصرية والإنسانية، وعلى حقوق المرأة والطفل”.
لكنه أكد على “أننا لن نسمح بالتدخل بالشأن الداخلي لأي دولة، كما لن نسمح بالتدخل بشؤوننا، وليعلم الجميع أن قرار مصر سيكون من داخلها، وبإرادة أبنائها”.
ردود فعل
تفاوتت مشاعر المصريين بعد الإعلان عن فوز مرسي، حيث عمّت فرحة طاغية حشود المحتجين في “ميدان التحرير” وسط القاهرة ومدن مصرية أخرى، فيما بدت الخيبة واضحة على وجوه مؤيدي الفريق أحمد شفيق، الذين تجمع بعضهم أمام ضريح “شهداء حرب أكتوبر” في مدينة نصر وأمام مقر حملته في حي الدقي.
وعمّت مناطق قطاع غزة تظاهرات فرح خرج فيها المواطنون بشكل عفوي وقام عشرات المسلحين بينهم من عناصر “حماس” بإطلاق النار في الهواء ابتهاجاً.
وهنّأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسي بانتخابه رئيسا لمصر، ودعا المصريين الى احترام الخيار الديموقراطي ونتائجه. كذلك هنأت حركتا “الجهاد” و”حماس” مرسي بفوزه.
وفي واشنطن، هنأ البيت الأبيض مرسي بفوزه (تفاصيل صفحة ١٢)، وتوالت اتصالات ورسائل التهنئة من العواصم العربية والأوروبية ومن تل أبيب التي اشادت اسرائيل بـ”العملية الديمقراطية” في مصر، حيث أصدر مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بياناً جاء فيه إن “اسرائيل تعتزم مواصلة تعاونها مع الحكومة المصرية على اساس معاهدة السلام”.
وأعربت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان تهنئة عن “اجلالها واحترامها لكل شهداء الثورة المصرية”، مبدية “ثقتها بتحقيق الشعب المصري النجاحات علي صعيد تحقيق التقدم والسعادة في ظل استمراره بالحضور في كافة الساحات السياسية والاجتماعية بهذا البلد”.
تسلّم الرئاسة
ويستعد مرسي لتسلم مهامه رسمياً من المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم السبت المقبل في ظل توافق بين الجانبين، اللذين تبادلا عبارات الإطراء والمديح في لقاء ودّي عقد الأسبوع الماضي في مقر وزارة الدفاع، وأتى مناقضاً لأجواء الشحن التي سبقت إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة خاصة بعد تجريد المجلس العسكري الرئيس الجديد من معظم صلاحياته وبعد أن حل البرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون.
Leave a Reply