لا شك أن النائب ديفيد كينيزك نجم صاعد في المشهد السياسي بميشيغن، فهو أصغر نائب ديمقراطي في مجلس نواب الولاية ذات الأغلبية الجمهورية -ومع ذلك- هو أحد القلائل من حزبه ممن نجحوا في تمرير مشروع قانون في الكونغرس الذي يسيطر الجمهوريون على مجلسيه. ويبدو أن طموحات كينيزك (٢٧ عاماً) السياسية جامحة، حيث لم يمر عام ونيف على دخوله مجلس نواب الولاية حتى قرر خوض معركة مجلس الشيوخ، الذي عادة ما يصوب عليه السياسيون بعد فوزهم بثلاث فترات نيابية مثلما فعلت النائبة رشيدة طليب التي تسعى للفوز بمقعد «الدائرة الرابعة» (جزء من ديترويت) في مجلس شيوخ ميشيغن الذي يتألف من ٣٨ سناتوراً.
كينيزك بعد إعلانه ترشحه في ثانوية «كريستوود» |
أما كينيزك الذي أعلن مؤخراً في «ثانوية كريستوود» عن دخوله سباق «الدائرة الخامسة»، فهو يقضي ولايته الأولى عن الدائرة 11 في مجلس نواب ميشيغن الذي يتشكل من ١١٠ أعضاء. وتضم دائرته حالياً أجزاء من مدينة ديربورن هايتس وليفونيا ووستلاند وكامل مدينتي غاردن سيتي وإنكستر. أما «الدائرة الخامسة» التي ينوي تمثيلها في مجلس الشيوخ مكان السناتور الديمقراطي الحالي، توباك هانتر، فتقع الى الغرب من «الدائرة الرابعة»، وتضم جزءاً من مدينة ديترويت (غرب طريق ساوثفيلد السريع بما في ذلك منطقة وورنديل ذات التواجد العربي الكثيف) وكامل مدينتي ديربورن هايتس وإنكستر.
يقول كنيزيك لـ«صدى الوطن» إن قرار ترشحه لهذا المنصب لم يأت من فراغ، بل هو ترجمة للثقة التي منحها له «قادة المجتمع المحلي» لتمثيل المنطقة على الحلبة السياسية في لانسنغ. وأضاف أنه «قبل بضعة شهور» فاتحه قياديون محليون بموضوع الترشح لمجلس الشيوخ وذلك بسبب «معرفتهم به وبطريقة عمله» وبالخدمات التي يقدمها للناخبين في دائرته. وتابع كنيزيك بالقول «يعتقدون أنني مرشح جيد… فأنا من النوع الجسور وأعرف كيف أنجز المهمة».
وتقدم كينيزك العام الماضي بمشروع قانون يمنح الهيئات الحكومية المحلية سلطة توفير المال عن طريق اتخاذ القرارات الإدارية، وقد حاز مقترحه على موافقة الكونغرس وتوقيع الحاكم ريك سنايدر. ويعتبر كينيزك من السياسيين الديمقراطيين الشبان المدافعين عن قضايا المحاربين القدامى والمعلمين والمعاشات التقاعدية وغيرها من القضايا الإجتماعية التي تشكل مصدر قلق لسكان ميشيغن، والتي سيحملها معه من مجلس النواب الى الشيوخ.
على الأجندة
ويرى النائب الديمقراطي أن هناك أموراً أخرى تهم الناس مثل ارتفاع فواتير المياه، لافتاً الى أن مدينة مثل إنكستر يتلقى بعض سكانها فواتير تصل الى 7000 دولار للمنزل بسبب نظام الأثر الرجعي، ما يجعل السكان غير قادرين على الدفع. وأضاف كينيزك أنه «في ظل المناخ الاقتصادي الذي نعيشه اليوم لا يستطيع المواطن تلقي فاتورة باهظة كهذه والتفكير في سدادها على الفور»، واصفاً شبكة المياه والصرف الصحي التي تغذي منطقته الإنتخابية وسائر منطقة ديترويت بـ«النظام الفاشل.. الذي يتم العمل على إصلاحه الآن» مؤكداً «أننا بحاجة إلى نظام أكثر عدلا يحمي المستهلك ولا يضع عبئا إضافيا على أكتافه».
وفي شباط (فبراير) الماضي، طرح كينيزك بالتعاون مع النائبة ثيريسا أىبد (ديمقراطية عن مناطق غرب لانسنغ) والسناتور جيم أنانيتش (ديمقراطي عن منطقة فلنت) مشروع قانون تحت عنوان «من اجل ميشيغن أكثر ذكاء وحفاظاً على المواهب» (سمارت) يدعو الى انشاء برنامج تجريبي يتيح لطلاب المدارس الالتحاق بالجامعات والكليات الحكومية مجاناً في إطار اتفاقية تقضي بتسديدهم نسبة صغيرة من دخولهم بعد التخرج لدعم البرنامج، ما من شأنه توفير الاموال لضمان تهيئة الفرصة نفسها لطلاب آخرين مستقبلاً دون أية معوّقات مالية.
وفي هذا الصدد، قال كينيزك هناك دوماً أفكار مبتكرة من شأنها خدمة المجتمع، لكن انجاز العمل يبقى دائما أصعب من مجرد الكلام، مشيراً الى أنه مع سيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ ومحكمة ميشيغن العليا وسكرتارية الولاية والإدعاء العام، «فإننا في أغلب الأحيان نصطدم بالمعوقات الحزبية».
وقال «في نهاية المطاف.. المسألة تتعلق بما يمكن بناؤه من علاقات.. فأنا أحاول دائماً التعرف على زملائي وأحاول اقناعهم بأننا جئنا الى لانسنغ لإنجاز العمل، ولو أننا سمحنا للخلافات الحزبية أن تشكل عوائق في الطريق فانت بذلك تلحق الضرر بالمواطنين»، مؤكداً أنه «عند فتح خطوط الاتصال تصبح المهمة أسهل بكثير».
مسألة أخرى تؤرق كينيزك وهي الموارد المحدودة المتوفرة للمحاربين القدامى -مثله- في ميشيغن، مع أن فيها النسبة الأعلى من العسكريين السابقين مقارنة بالولايات الأخرى. وفي هذا الإطار قدم مؤخراً مشروع قانون من شأنه أن يسمح لقدامى المحاربين الذين يعانون من الإعاقات المرتبطة بالخدمة العسكرية، مثل «إجهاد ما بعد الصدمة»، أن يتمكنوا من اصطحاب كلاب الخدمة في جميع تحركاتهم اليومية.
علاقة كينيزك بالجالية العربية
يشير كينيزك الى انه قدرته على التواصل والتفاهم مع الآخرين تعززت إبان خدمته في سلاح مشاة البحرية الاميركية في العراق، حيث كان يتولى شرح العادات والتقاليد العربية والإسلامية لزملائه في الجيش لمحاربة الصور النمطية السائدة بين زملائه… وفي ذلك استفاد كينيزك من تجربته كطالب في ثانوية كريستوود في ديربورن هايتس التي يشكل العرب الأميركيون اليوم أغلبية طلابها.
وفي وقت مبكر من العام الحالي، رفض كينيزك تطاول أحد زملائه الجمهوريين على المسلمين الأميركيين في ولاية ميشيغن، ودعا حاكم الولاية ريك سنايدر الى التنديد بتصريحات دايف أغيما المعادية للمثليين والمسلمين، مؤكداً أنه يرغب بأن يكون صوتاً لجميع «المجتمعات التي تشعر بالغبن السياسي».
ويقول كينيزك إنه «من الجيد أن يكون الإنسان منفتحا على الآخرين ممن يختلفون عنه.. فهذا مصدر قوة لنا جميعاً على المدى الطويل». وأضاف أنه حين يرى «المختلفين» يتعرضون للهجوم والتمييز من أناس ضيقي الأفق، فإنه يشعر بواجب الدفاع عنهم لأنه يراهم «كأنهم أفراد عائلته وأصدقاؤه».
وقال كينيزك لـ«صدى الوطن»: «أنا فخور بقوة وتماسك مجتمعنا في ديربورن هايتس كما أنني فخور بتمثيله في لانسنغ»، علماً بأن مدينة ديربورن هايتس شهدت خلال السنوات الماضية تحولات ديمغرافية بارزة مع تدفق العرب الأميركيين وما رافق ذلك من طفرة تجارية في المدينة رغم سنوات الإنحدار الإقتصادي. وبات العرب الأميركيون يشكلون ثقلاً انتخابياً وازناً على مستوى المدينة، ولكن جمع ديربورن هايتس مع غرب ديترويت وإنكستر ضمن دائرة واحدة (٥) -وفق تقسيمات العام ٢٠٠٠- تسبب بإغراق بضعة آلاف من الأصوات العربية في ديربورن هايتس وورنديل بعشرات آلاف الناخبين السود الذين يتركزون في ديترويت وإنكستر، إضافة الى الناخبين البيض الذين يشكلون الأغلبية في ديربورن هايتس ومعظمهم من أصول بولونية مثل كينيزك.
والجدير بالذكر أن مدينة إنكستر (٢٥ ألف نسمة) تقع الى الغرب من ديربورن هايتس (٥٨ ألف نسمة)، وتعاني بلديتها من انهيار مالي إضافة الى غياب الأمن وتفشي الجريمة. مع الإشارة الى أن ٧٣ بالمئة من سكان المدينة هم من الأفارقة الأميركيين والباقي معظمهم من الأميركيين البيض، حسب الإحصاء الوطني لعام ٢٠١٠. وإضافة الى هاتين المدينتين تضم الدائرة الجزء الشمالي الغربي من ديترويت الذي يحتضن أكثر من ١٤٠ ألف نسمة. وتجدر الإشارة الى أن كل مقعد في مجلس شيوخ ميشيغن يمثل حالياً ما بين ٢١٢ الى ٢٦٣ ألف نسمة.
ويسعى كينيزك الى الفوز بأصوات الناخبين العرب المتواجدين هناك، لاسيما في أحياء وورنديل الواقعة بين شارعي فورد وجوي حيث يتركز العرب الأميركيون في ديترويت، وخاصة العراقيون الذين يعرفهم كينيزك عن قرب لاسيما بعد مشاركته في حرب العراق.
وأثناء الترويج لحملته تعهد كينيزك بأن يبقى وفيا لناخبيه كنائب، مع الإشارة الى أنه نال دعم اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي (أيباك) في سباق العام ٢٠١٢ الذي حسمه لصالحه.
ولفت كينيزك الى مثابرته على العمل، حيث أنه لم يتغيب أبداً عن اجتماعات الكونغرس منذ بداية ولايته العام الماضي، فهو يقضي ثلاثة أيام أسبوعياً في لانسنغ أما بقية الأيام فيقضيها بالتواصل مع الناخبين، على حد قوله. وأضاف كينيزك لـ«صدى الوطن» أنه يعرف ان المجتمعات متباينة جداً في «الدائرة الخامسة»، وانه «لاحظ» سابقاً محاولة السياسيين التفريق بين ديترويت وضواحيها.. و«لكن غاب عن هؤلاء أن الجميع لهم نفس الاهتمامات المتعلقة بالأمن والمعاشات التقاعدية والتعليم».
ويخطط النائب الشاب لإقامة حفل تبرع خيري لحملته في مركز «هايب» الرياضي في ديربورن هايتس في 26 من الشهر الحالي تحت شعار «مجتمع واحد وموحد»، وقال «أنا أقدم أفكاراً من خارج الصندوق لأني لم أنغمس تماماً في السياسة». وأضاف «لا يهم إن كنت أبيضاً أو أسوداً أو عربياً أو لاتينياً.. فنحن بحاجة للعمل معاً ولن نسمح للسياسيين أن يفرقونا».
إحدى مميزات كينيزك (ابن الضواحي-ديربورن هايتس) التي تؤهله لوراثة السناتور الحالي، الإفريقي الأميركي توباك هانتر، أنه شاب مندفع يمثل حالياً خمس مدن متنوعة قام الناخبون فيها باختياره لتمثيلهم في مجلس النواب قبل عامين، كما أن الناخب الأسود في ديترويت عموماً أثبت في الإنتخابات البلدية الأخيرة أنه لا يصوت اعتماداً على الخلفية العرقية ما يعني أن حظوظ كينيزك مفتوحة مع غياب منافسين ديمقراطيين أقوياء حتى الساعة. وفي حال فاز الأخير بتمهيديات الحزب المقررة في آب (أغسطس) المقبل، فإنه يكون قد حسم عملياً السباق لصالحه.
تجدر الإشارة الى أن ولاية النائب في كونغرس ميشيغن تمتد لعامين، كما يُمنع النائب من الترشح لولاية رابعة متتالية. أما انتخابات مجلس شيوخ ميشيغن فتعقد كل أربع سنوات بالتزامن من انتخابات الحاكم ولا يحق للسناتور الترشح لولاية ثالثة متتالية، وهذا ما يمنع السناتور توباك هانتر من الترشح للإحتفاظ بمقعده عن الدائرة الخامسة.
Leave a Reply