أول قاضية عربية مسلمة في تاريخ محكمة الاستئناف بولاية ميشيغن
ديربورن
وسط حضور حكومي وقضائي ومجتمعي رفيع، أُقيم في «مركز فورد للفنون» بمدينة ديربورن، يوم الخميس 18 أيلول (سبتمبر) الجاري، حفل تنصيب القاضية في محكمة الاستئناف بولاية ميشيغن مريم سعد بزي التي دخلت في أواخر نيسان (أبريل) المنصرم، تاريخ القضاء بولاية البحيرات العظمى كأول عربية ومسلمة تتولى هذا المنصب القضائي المرموق.
وتضم محكمة الاستئناف، التي تعتبر ثاني أعلى سلطة قضائية في الولاية بعد محكمة ميشيغن العليا، 25 قاضياً منتخباً موزعين على أربع دوائر قضائية، هي: ديترويت، تروي، لانسنغ وغراند رابيدز.
وفي مراسم رمزية، أدّت القاضية اللبنانية الأصل، اليمين الدستورية أمام رئيسة المحكمة العليا بولاية ميشيغن، القاضية ميغان كاثلين كافانو، بحضور زوجها عبّودي بزي الذي حمل نسخة من المصحف الشريف، وكذلك بحضور رئيس محكمة الاستئناف بالولاية القاضي مايكل غادولا، ونائب الحاكمة غارلين غيلكريست، ومحافظ مقاطعة وين وورن أفينز، إلى جانب عشرات القضاة الآخرين من المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف ومحكمة مقاطعة وين ومحكمتي ديربورن وديربورن هايتس.
وقام والداها، رجل الأعمال عارف سعد وزوجته عايدة، بإلباسها روب القضاة في لحظة غلبت عليها مشاعر الاعتزاز والفخر العائلي، فيما دوّى تصفيق مئات الحضور الذين امتلأت بهم قاعة مسرح فورد في مشهد رمزي يجسد عمق الروابط الأسرية واحتفاء المجتمع المحلي بالإنجاز التاريخي للقاضية التي تتحدر من مدينة بنت جبيل في جنوب لبنان.
وكانت بزي قد باشرت مهامها القضائية في محكمة الاستئناف بميشيغن في 23 أبريل الفائت إثر تعيينها من قبل حاكمة الولاية غريتشن ويتمر لخلافة القاضي نواه هود الذي عيّن بدوره قاضياً في محكمة ميشيغن العليا، حيث يتعين عليها بموجب هذا التعيين استكمال ولاية الأخير التي تنتهي في مطلع عام 2027.
وسيتعين على القاضية بزي خوض الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2026 للاحتفاظ بمنصبها لفترة كاملة مدتها ست سنوات.
وقائع الحفل
توّلى رئيس محكمة الاستئناف القاضي مايكل غادولا تقديم القاضية بزي مستعرضاً أبرز المحطات في سيرتها المهنية والقانونية «الناجحة للغاية»، ومشيداً «بخبرتها ومناقبيتها التي أهلتها لكي تكون موضع ثقة الحاكمة الديمقراطية لخدمة العدالة في أرفع محكمة بالولاية»، على قاعدة «الشخص المناسب في المكان المناسب».
ولفت غادولا إلى تنامي الدور الحيوي للمجتمع العربي الأميركي الذي أفرز عديد القضاة والقانونيين في مقاطعة وين وعموم ولاية البحيرات العظمى. وأضاف ممازحاً وسط تصفيق مئات الحاضرين وضحكاتهم بأنه بات قادراً على نطق الأسماء العربية بـ«الشكل الصحيح»، في معرض ترحيبه وتعريفه ببعض القضاة العرب الأميركيين الذين شاركوا في حفل التنصيب.
ووصف غادولا، مريم بالشخصية «المتميزة» و«امرأة الأفعال» التي نجحت بالتعامل مع آلاف القضايا خلال خدمتها في محكمة مقاطعة وين إثر تعيينها في عام 2017 من قبل الحاكم الجمهوري ريك سنايدر، مشيراً إلى أن القاضية اللبنانية الأصل حظيت بثقة «حاكمين للولاية من حزبين مختلفين» في ما يدلل على الثقة الكبيرة التي تحظى بها في الأوساط الحكومية والقضائية بالولاية.
وتقدّم حرس الشرف لدى شرطة ديربورن بخطوات مهيبة على مسرح فورد حاملين العلم الأميركي وعلم ولاية ميشيغن، قبل أن يقوموا بنصبهما عبر عرض عسكري قصير في أقصى يمين المكان، بينما قام الطفلان علي وإيزابيلا سعد بأداء تحية العلم.
النائب السابقة لمدعي عام ولاية ميشيغن، فدوى علوية حمود، عبّرت عن فخرها بالإنجاز الذي حققته مريم «المتواضعة والرصينة» كأول عربية وأول مسلمة يتم تعيينها في محكمة الاستئناف بالولاية، وقالت: «أن تكون الأول، لا يعني الانفصال والوقوف بعيداً، وإنما يعني أن تأخذ كامل مجتمعك معك، ولهذا فقد قررت مريم أن تحتفل بهذا الإنجاز بحضوركم جميعاً»، في إشارة إلى عديد الفعاليات المجتمعية والأهلية التي حضرت حفل التنصيب، بمن فيهم بعض الأشخاص الذين جاؤوا من لبنان للمشاركة في الحفل.
حمود، التي كانت بدورها أول عربية وأول مسلمة تترافع أمام المحكمة الأميركية العليا بالنيابة عن ميشيغن بصفتها محامية الاستئناف العام في الولاية، أوضحت بأن تعيين مريم ليس مجرد «محطة مفصلية في حياة عائلتي سعد وبزي، وإنما يشكل لحظة فارقة في تاريخ المجتمع العربي الأميركي في كامل ولاية ميشيغن»، مخاطبة القاضية المحتفى بها: «هذا التشريف لا يخصك وحدك وإنما يعنينا جميعاً، نحن الذين اجتمعنا هنا اليوم للاحتفال بقصتنا العربية الأميركية».
من جانبه، شكر ناشر «صدى الوطن» أسامة السبلاني، الحاكمة ويتمر على تعيين بزي في محكمة الاستئناف، وكذلك الحاكم الجمهوري ريك سنايدر على تعيينها في محكمة مقاطعة وين عام 2017، وقال: «إنه من النادر أن يحظى قانوني بثقة حاكمين من حزبين مختلفين، ولكن إذا كان هذا يعني شيئاً، فإنه يعني بأن ذلك الشخص كفوء ومحترم وملتزم للغاية، ومريم سعد بزي هي ذلك الشخص».
وأبرق السبلاني برسالة شكر لكل من ويتمر وسنايدر، «بالنيابة عن جميع العرب الأميركيين وكافة مواطني ميشيغن»، وكذلك لمدعي عام مقاطعة وين كيم وورذي ومحافظ المقاطعة وورن أفينز الذي يسعى بإخلاص وتفانٍ إلى خدمة وتمكين جميع المجتمعات في الولاية، بما فيها المجتمع الأميركي. وقال: «مايزال أمام حاكمتنا سنة ونصف في المنصب، وإنني أطمح وأتمنى أن تقوم بتعيين المزيد من كفاءاتنا العربية في السلك القضائي».
وخاطب السبلاني القاضية بزي بالقول: «نجاحك مصدر فخر واعتزاز لنا، وهذا الحفل ليس للاحتفاء بإنجازاتك الشخصية فحسب، وإنما مناسبة للاحتفاء بالأمل والإلهام الذي تجلبينه لجميع من يؤمن بالعدالة وتطبيق القانون»، مضيفاً: «لقد عرفت عائلتك منذ كنت طفلة صغيرة وشاهدتك وأنت تكبرين لتصبحي المرأة التي أنت عليها اليوم، وإن إنجازك الذي نحتفل به اليوم ليس إلا البداية، فالأفضل لم يأتِ بعد، فشكراً وهنيئاً لك يا أختي ويا قائدتي: مريم سعد بزي».
بدوره، عبّر نائب الحاكمة غارلين غيلكريست عن تشرّفه بالانضمام إلى حفل تنصيب القاضية بزي، مؤكداً بأنها استحقت التعيين في محكمة الاسئتناف عن جدارة كونها تمثل «صورة مشرقة لذوي الكفاءات العالية في هذا المجتمع وعموم ولايتنا»، وموضحاً بأن الحضور المتنوع الذي يضم طيفاً واسعاً من الفعاليات الرسمية والأهلية يؤكد صوابية قرار الحاكمة الديمقراطية.
وأضاف غيلكريست: «بالأصالة عن نفسي، وبالنيابة عن الحاكمة وعشرة ملايين شخص في ولايتنا، أنا هنا اليوم للتعبير عن امتناننا لدوركم وقيمكم التي تستثمرونها من أجل تقدّم وازدهار ولايتنا، ولأقول لكم إننا نثق بكم، وسوف نواصل الثقة بكم»، مؤكداً بأن بزي ليست الشخص «الذي يحظى فحسب بثقة الناس، وإنما باحترامهم كذلك، بسبب مسيرتها ومناقبيتها المهنية المتميزة».
أداء اليمين
قبل قيام بزي بأداء اليمين الدستورية، ألقت رئيسة المحكمة العليا بولاية ميشيغن، القاضية ميغان كافانو، كلمة مقتضبة حول القانونية التي دخلت تاريخ الولاية كأول عربية وأول مسلمة في محكمة الاستئناف، وقالت: «إن القاضية بزي سوف تستمر بكونها الأولى: الأولى في التزامها بخدمة مجتمعنا، والأولى بالشرف والاستقامة والنزاهة والتمتع بالقيم التي نتشاركها جميعاً، وكذلك الأولى في كونها الشخص الذي يضمن أن تتم معاملة الجميع أمام قوس المحكمة باحترام وتقدير».
وأكدت كافانو بأن بزي لا تتخوف من تكون «الأولى» في جميع المسارات التي قد تعترض مسؤولياتها القانونية، لأنها «متواضعة ومنفتحة ولا تخاف من تغيير رأيها»، معربة عن تشرّفها بأن تكون هي نفسها «الأولى التي تهنئها بالمنصب الجديد»، وكذلك مبرقة شكرها للحاكمة ويتمر التي كان قرار اختيارها للقاضية بزي «سهلاً، جداً جداً جداً».
ونوهت القاضية كافانو بأن الخدمة في محاكم الاستئناف الأميركية هي الأصعب في «نظامنا القانوني»، ليس بسبب تعقيدات القضايا فحسب، وإنما لآثارها الكبيرة على المواطنين، بحسب تعبيرها، وقالت: «إن القاضية بزي أكثر من مؤهلة للخدمة في هذه المحكمة».
وفي ختام الحفل، شكرت بزي جميع المسؤولين والفعاليات والمنظمات الذين ساهموا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في تنمية خبراتها القانونية والمجتمعية التي أسهمت في نهاية المطاف بتعيينها في محكمة الاستئناف، معربة عن امتنانها الخاص لكل من الحاكمة ويتمر والمحافظ أفينز ومدعي عام مقاطعة وين كيم وورذي التي عملت تحت قيادتها زهاء عقد من الزمن، بالإضافة إلى رئيسة محكمة ميشيغن العليا، ورئيس محكمة الاستئناف، وزملائها القضاة في محاكم الولاية والمقاطعة، ومحكمتي ديربورن وديربورن هايتس.
كما شكرت أيضاً رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود الذي أتاح الفرصة لإقامة حفل التنصيب في مركز فورد للفنون.
أفراد عائلتها، بمن فيهم زوجها عبودي وأولادها الثلاثة نور وزين ويوسف، ووالداها عايدة وعارف سعد، وكذلك أشقاؤها وعائلاتهم، وصديقاتها وعائلاتهن، كانوا أيضاً ضمن القائمة المطولة من الأفراد الذين خصتهم بالتقدير والامتنان لوقوفهم بجانبها خلال مسيرتها المهنية والعامة.
وقالت بزي، إن حفل التنصيب لا يخصها وحدها، وإنما يشمل جميع المسؤولين الذين «كانوا جزءاً من عملية القرار الذي اتخذته ويتمر»، والذي يعكس إيمان الحاكمة الديمقراطية بأن المجتمع العربي جزء هام من النسيج الأميركي، وكذلك رؤية ورغبة الحاكمة الديمقراطية بخدمة وتمثيل مجتمع العرب الأميركيين في كافة المفاصل الحكومية.وأضافت: «يشرفني ويسعدني قبول هذا التعيين من الحاكمة ويتمر، وإنني أشكرها وفريقها على وقتهم وجهودهم خلال إجراءات اتخاذ وتطبيق القرار»، مردفة بالقول: «إنه لشرف كبير لي في أن أواصل خدمة سكان هذه الولاية العظيمة، وسوف أسعى بكل إخلاص لتحقيق العدالة بإنصاف ونزاهة».
وكانت فيروز سعد، شقيقة القاضية مريم بزي، قد تولت تقديم الحفل الذي شهد أيضاً كلمات لأبناء القاضية المنصّبة، وكلمتين أخريين لكل من إمام «دار الحكمة الإسلامية» الشيخ محمد علي إلهي، وراعي «كنيسة القديسة مريم» في مدينة ليفونيا الأب جورج شلهوب، اللذين رفعا الأدعية كي يسدد الله سبحانه وتعالى خطى بزي ويعينها على اتخاذ القرارات القضائية الصحيحة من أجل إحقاق الحقوق وتكريس العدالة.
يُشار إلى أنه بالإضافة إلى منصبها القضائي بمحكمة الاستئناف، تعتبر بزي ناشطة بارزة في المجالات القانونية والتربوية والاجتماعية، حيث شغلت عضوية العديد من الجمعيات، مثل «رابطة محاميي ديترويت» و«رابطة قضاة ميشيغن» و«الرابطة الوطنية للمحامين المسلمين»، كما شغلت عضوية «مجلس ميشيغن الاستشاري للشؤون الشرق أوسطية» ومنظمة LAHC (النادي اللبناني الأميركي سابقاً)، و«اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك). كذلك تولت رئاسة مجلس ديربورن التربوي الذي يشرف على المدارس العامة و«كلية هنري فورد» في المدينة.
وتحمل بزي شهادة الدكتوراه في القانون من كلية الحقوق بجامعة «وين ستايت»، ودرجة البكالوريوس في العلوم السياسية من «جامعة ميشيغن–ديربورن».
Leave a Reply