واشنطن – ذكر التقرير النهائي للتحقيق الذي أجرته لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، أن الأدلة التي يمكن أن تؤدي إلى عزل الرئيس دونالد ترامب بتهمة استغلال منصبه وعرقلة عمل الكونغرس، «هائلة»، في حين رد الرئيس الجمهوري بالقول إنه «سينتصر» في معركة عزله بعد أن أمرت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، اللجنة القضائية بصياغة الاتهامات ضده.
ورغم تشكيك الجمهوريين والبيت الأبيض الذي نفى وجود أي دليل على انتهاك ترامب للقانون، اتهم التقرير الواقع في 300 صفحة، ترامب بتعريض الأمن القومي للخطر وبممارسة «جهود لا مثيل لها لعرقلة التحقيق في اتهامات له بالضغط على أوكرانيا لتشويه سمعة جو بايدن، المرشح الديمقراطي الأوفر حظاً لمواجهته في الاستحقاق الرئاسي المقبل.
وأضاف التقرير الذي أعده رئيس لجنة الاستخبارات، النائب الديمقراطي آدم شيف: «ليس هناك رئيس في التاريخ باستثناء ترامب أصدر أمراً للجهاز التنفيذي بأكمله بعدم الشهادة أمام الكونغرس»، في إشارة إلى طلب الرئيس من موظفي إدارته عدم المثول أمام لجنة الاستخبارات.
وأوضح التقرير أن الاتصال الذي جرى في 25 تموز (يوليو) الماضي بين ترامب ورئيس أوكرانيا كان تصعيداً مثيراً لمساع استمرت شهوراً لتحقيق «مكاسب سياسية».
وأضاف أن الرئيس ترامب سعى بشكل شخصي ومن خلال عناصر من داخل وخارج الحكومة الأميركية تدخل إلى حكومة أجنبية وهي أوكرانيا ليستفيد من ذلك في إعادة انتخابه.
واستند تقرير شيف الذي أُقرّ بتصويت الأعضاء الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات، إلى شهادات أكثر من عشرة شهود تحدثوا عن وجود مقايضة بين التحقيق حول بايدن وحجب المساعدة العسكرية عن أوكرانيا، لكن أياً منهم لم يقدم أدلة تثبت ذلك.
من جانبه، اعتبر البيت الأبيض بعد نشر التقرير أن هذا التحقيق «الزائف» لم يقدم «أي دليل» ضد الرئيس.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض ستيفاني غريشام، إن «هذا التقرير لا يعكس سوى إحباط الديمقراطيين»، مشبهة إياه بـ«هلوسات مدوّن رخيص يحاول إثبات أمر ما في حين أن ليس هناك شيء».
وأكد ترامب مراراً أنه لم يرتكب أية مخالفة ومن حقّه الإشارة إلى قضية «فساد» محتمل، وأنه لم يمارس أي ضغوط على كييف عندما طلب منها إعادة فتح تحقيق حول شبهات فساد تطال نجل المرشح الرئاسي جو بايدن.
وجدد ترامب من لندن، اتهامه للديمقراطيين بأنهم يلعبون لعبة سياسية، وذلك أثناء مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي، حيث قال إن «العزل خدعة. ثبت أنها خدعة تستخدم لتحقيق مكاسب سياسية بحتة».
وتبريراً لسعيهم للمضي قدماً في المساءلة، قال الديمقراطيون في «تقرير شيف»: «أي رئيس قادم سيشعر بأنه يملك القوة لمقاومة فتح تحقيق في أي أخطاء أو مخالفات أو فساد قد يرتكبه والنتيجة ستكون أمة تواجه خطراً أكبر بكثير من هذه الأشياء الثلاثة».
ووصف شيف، ترامب خلال مؤتمر صحفي، الثلاثاء الماضي، بأنه «رئيس يظن أنه فوق الاتهام، فوق المساءلة، فوق أي شكل من أشكال المحاسبة، فعلياً.. فوق القانون».
وقال النائب اليهودي الأميركي عن كاليفورنيا للصحفيين إن «هذا التقرير يسرد خطة رئيس الولايات المتحدة لإكراه حليف هو أوكرانيا التي تخوض حرباً مع خصم هو روسيا، على القيام بأعمال الرئيس القذرة».
وأضاف شيف أنه في موازاة عقد اللجنة القضائية جلساتها، يمكن للجنته أن تواصل تحقيقاتها في جوانب أخرى من القضية، ولا سيما التحقيق لمعرفة ما إذا كان ترامب قد مارس ضغوطاً على أوكرانيا لفتح تحقيقات أخرى في عهد رئيسها السابق بترو بوروشينكو، أو لكشف أي تورط لأعضاء في الكونغرس.
إلى اللجنة القضائية
من جانبها، قالت بيلوسي، في بيان: «الحقائق لا شك فيها. الرئيس استغل سلطته لمنفعته السياسية الشخصية على حساب أمننا الوطني من خلال حجب المساعدة العسكرية وعقد اجتماع مهم في المكتب البيضاوي، في مقابل إعلان فتح تحقيق في أنشطة منافسه السياسي».
وأضافت «للأسف، لكن بثقة وتواضع… أطلب من رئيس (اللجنة القضائية) المضي قدما في إعداد بنود المساءلة».
ورد ترامب في تغريدة على موقع «تويتر»، حذر فيها من أن هذه الخطوة «تعني أن عملية العزل البالغة الأهمية، والتي لا يتم اللجوء إليها سوى في حالات نادرة، ستصبح سلاحاً مألوفاً في مهاجمة الرؤساء الأميركيين مستقبلاً»، مشيراً إلى أن مؤسسي الدولة الأميركية لم يتصوروا أن يجري التعامل مع عملية العزل على هذا النحو، لكن الأمر الإيجابي، بحسب ترامب، «هو أن الجمهوريين لم يكونوا في يوم من الأيام أكثر توحداً كما هم اليوم، سنحقق الفوز».
وقال ترامب إن الديمقراطيين واليساريين الراديكاليين، ومن وصفهم بالفاشلين، قرروا المضي قدما في قضية العزل، علما أنهم تخلوا في وقت سابق عن تحقيق روبرت مولر بعد الترويج لسنتين لنظرية بالتواطؤ مع روسيا خلال انتخابات 2016.
وأضاف الرئيس الأميركي، أن الديمقراطيين قرروا أن ينكبوا حالياً على مكالمتين هاتفيتين مع الرئيس الأوكراني، علما أنهما جرتا بشكل ممتاز ولا يشوبهما أي شيء.
ماذا بعد؟
اكتمال تقرير رئيس لجنة الاستخبارات، الديمقراطي آدم شيف، شكل نهاية المرحلة الأولى من عملية العزل التي يتوعد بها الديمقراطيون منذ انتخاب ترامب رئيساً.
وبعد إتمام التقرير، أحيل ملف العزل إلى اللجنة القضائية بمجلس النواب والتي ستكون من مهامها صياغة بنود فعلية للمساءلة إذا ما قرر مجلس النواب المضي في الأمر قدماً. وقد بدأت تلك اللجنة إجراءاتها الأربعاء الماضي، في ظل مقاطعة البيت الأبيض لها.
وقال النائب الديمقراطي جيري نادلر، رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، إن قرار ترامب عدم حضور الجلسات «أمر مؤسف».
واعتبر نادلر، أن ترامب «دعا بشكل مباشر وواضح إلى التدخل الأجنبي في انتخاباتنا».
وأدلى المسؤول الديمقراطي بهذا التصريح، في افتتاح نقاش قضائي لتحديد ما إذا كانت الأفعال المنسوبة للرئيس تبرر عزله. وأضاف النائب اليهودي الأميركي عن ولاية نيويورك، أن ترامب «كان على استعداد لتعريض أمننا ومنصب الرئاسة للخطر من أجل مكاسب شخصية وسياسية».
وأعلن البيت الأبيض، الاثنين الماضي، أنه لن يشارك، من دون استبعاد إمكانية المشاركة في وقت لاحق «إذا ما أصبحت العملية منصفة».
ويتعيّن على اللجنة القضائية تحديد ما إذا كانت الاتهامات ضد ترامب تندرج ضمن الدوافع المحتملة للعزل المنصوص عليها في دستور الولايات المتحدة وهي «الخيانة والفساد وغيرها من الجرائم الكبرى».
ويمكن أن ينظر أعضاء اللجنة في أربعة اتّهامات رئيسية هي: استغلال السلطة، الفساد، إعاقة عمل الكونغرس وإعاقة سير العدالة. لكن يبدو أن الجمهوريين بغالبيتهم أوفياء لترامب وغير مستعدين للسير في إجراءات العزل.
وما أن يتم الانتهاء من صوغه سيعرض القرار الاتهامي على التصويت في جلسة عامة في مجلس النواب، يرجح أن تعقد قبل عيد الميلاد.
ونظراً لوجود غالبية ديمقراطية في مجلس النواب، قد يصبح ترامب ثالث رئيس أميركي يقرر مجلس النواب عزله. لكن نظراً لهيمنة الجمهوريين على مجلس الشيوخ والحاجة لغالبية ثلثي أعضاء المجلس لإدانة الرئيس، يرجح أن يتم إسقاط التهم عن ترامب. مع ذلك، يرى الديمقراطيون أن العملية مهمة لتعزيز سيادة القانون ومواجهة رئيس يرى كثيرون أنه لا يبدي احتراماً لسلطات الكونغرس.
Leave a Reply