«برنامج عامر» ثمرة نضال عائلة عانت من تشتّت شملها
رغم مرور ما يزيد عن ثلاثة عقود على محنة عائلة عامر بتشتت شملها، إلا أن تداعيات تلك المأساة ماتزال تتجدد مع عائلات أخرى على الرغم من الإجراءات التشريعية التي أقرت في ولاية ميشيغن لتفادي تكرارها.
فقد لعبت قضية الأسرة العربية التي تقطن في مدينة ديربورن، دوراً أساسياً في تغيير قانون رعاية الأطفال بولاية ميشيغن على خلفية القصة المأساوية التي بدأت فصولها في عام 1985، حين قضت محكمة محلية بتجريم الأم بتهمة مقتل طفلها الصغير (سنتان) الذي انزلق في حوض الاستحمام ومات متأثراً برضوض، مما أدى إلى تجريد الأبوين من رعاية أبنائهما (صبي وفتاتين) ووضعهما تحت رعاية عائلة مسيحية أميركية ذات ثقافة مخالفة كليا لثقافة العائلة العربية.
ولقد دفعت المحنة العائلية، الأم رحاب عامر وزوجها أحمد عامر -في العام 2005- إلى تكريس جهودهما من أجل إصلاح قانون رعاية الأطفال بولاية ميشيغن. وبعد معركة قاسية قضائياً وتشريعياً، نجحا في 2010 تحقيق ما يصبوان إليه، مع صدور «قانون عامر» الذي يلزم محاكم ولاية ميشيغن بإعطاء الأقارب الأحقية والأفضلية باحتضان المفصولين عن ذويهم بقرار المحكمة، وفي حال تعثر وجود أقارب للعائلات، تعطى الأحقية لعائلات أخرى لها نفس الخلفية الدينية والثقافية، لتجنب أي نوع من أنواع الاضطهاد وسلخ الأبناء عن بيئتهم الأم.
ونضال عائلة عامر لم يتوقف عند ذلك، بل أطلقت هذا العام، برنامجاً باسم «عامر» اختصاراً لـ Muslim American Empowerment Resources لمساعدة العائلات المسلمة الأميركية في تبني الأطفال الذين فقدوا رعاية وحضانة آبائهم، وذلك تمهيداً لتأسيس دار رعاية للأطفال في ديربورن تكون حضناً آمناً ومؤاتياً ثقافياً ودينياً لهم بانتظار تبنهيم.
دار رعاية .. إسلامية
«برنامج عامر» وبانتظار توفير المنشأة الخاصة لإيواء الأطفال العرب والمسلمين، يركز جهوده حالياً على تأهيل العائلات الراغبة بتبني الأطفال ومساعدتها على تأمين التراخيص المطلوبة منها.
ويؤدي البرنامج حالياً دور المرشد للأسر الراغبة بالتبني لتجاوز التعقيدات القانونية والبيروقراطية للحصول على موافقة وزارة الخدمات الاجتماعية في ولاية ميشيغن.
وفي هذا السياق، قالت عامر في حديث مع «صدى الوطن» «لقد آليت على نفسي ألا أدع طفلاً يمر بما مر به أبنائي».
وكانت الأم اللبنانية الأصل، قد اكتسبت خبرة هائلة بالتعامل مع نظام الرعاية من خلال تجربتها المريرة، لكن تتطلع اليوم إلى تسهيل مساعدة العائلات التي قد تواجه ظروفاً مماثلة، ففي مدينة ديربورن تقول عامر إنها عملت هذا العام على أكثر من 17 حالة تشمل ما يزيد على 40 طفلاً، معظمهم من اللاجئين العراقيين والسوريين.
وبحسب عامر، فإن بعض حالات فصل الأطفال عن عائلاتهم مبررة، لكن في كثير من الأحيان فإن العاملين في مجال الخدمات الاجتماعية، ولمجرد إصابة طفل أو تشاجره مع إخوته، يقصدون منازل الأسر المهاجرة التي لا يستطيع أفرادها التحدث بالإنكليزية، والتي لدى بعضها ما يزيد عن عشرة أطفال، ويقومون بتشتيت شمل العائلة.
وأكدت عامر على وجود حاجة كبيرة في أوساط الجاليات العربية والإسلامية لتأسيس دور رعاية وتبني الأطفال، مشيرة إلى ضآلة موارد الجالية في هذا المضمار.
«بكاء من القبر»
واستذكرت عامر بعضاً من فصول قصتها المؤلمة التي تصدرت عناوين الأخبار في التسعينات، حيث قضت الأم الكثير من أوقاتها في أروقة المحاكم لإثبات عدم تسببها بوفاة ابنها سمير.
وفي إحدى زياراتها لأبنائها في دار للرعاية، سمعت ابنها محمد علي، الذي كان يبلغ من العمر أربع سنوات، وهو يبكي متسائلاً عن عدم زيارة أمه له.
وقالت عامر إنها كانت تمنع من رؤية أبنائها والالتقاء بهم، وكان يفرض عليها أن تبقى في إحدى الغرف دون أن يسمح لها حتى بفتح الباب ورؤية ابنها. وأضافت «لقد أردت أن أفتح الباب وأحضن ابني وأقول له بأنني لست أنا من لا يريد رؤيته»، مشيرة إلى أن عاملي الخدمات الاجتماعية هددوها مراراً بأنها قد تحرم من زيارة ابنها في حال خرقها التعليمات، وكذلك من رؤية ابنتيها الأخريين، سهير وزينب.
وبعد عدة سنوات، كثفت عامر جهودها من أجل استعادة أطفالها الثلاثة إلى حضنها، وقد بدا لهم خلال اللقاءات في المحاكم أنهم قد تعرضوا للمعاملة السيئة.
وفي كانون الثاني (يناير) 1989، وافق القاضي على استعادة حقوق الأبوين، أحمد ورحاب عامر، برعاية أبنائهما، إذا اعترفت الأم بتهمة التسبب بمقتل ابنها سمير، ولكن الأم المجللة بالحزن، رفضت ذلك، مضيفة «ابني.. لم تظهر عليه أية كدمات تدل على أنه قُتل».
وتقول عامر إنه بعد 17 عاماً على موت سمير، سمعت «بكاء من القبر» الذي دفن ابنها فيه، فطالبت بإعادة الكشف على جثة ابنها الميت، حيث توصل الأطباء الشرعيون إلى أن سبب الوفاة هو مرض نادر يصيب العظام ويؤدي إلى هشاشتها.
وعند تلك النقطة، استعادت عامر بريقاً من الأمل، واستلهمت فكرة الدفاع عن الأطفال المفصولين عن ذويهم بقرار المحكمة.
وبمساعدة النائب السابق في مجلس ميشيغن التشريعي جينو بوليدوري (ديمقراطي عن ديربورن)، قامت حاكمة ولاية ميشيغن السابقة جينيفر غرانهولهم بالتوقيع في العام 2011 على «قانون عامر» الذي يعطي الأولوية للأقارب برعاية الأطفال المفصولين عن عائلاتهم، بما يؤمن الحماية الثقافية والدينية لهم.
الخطوة التالية
حالياً، تجري عامر مداولات مع مسؤولين في بلدية ديربورن للسماح بإقامة دار لرعاية وتبني الأطفال في المدينة على مساحة ٤٥٠٠ قدم مربع.
تقول عامر «أريد التأكد من أن الأطفال يعيشون في بيئة تلبي احتياجاتهم العاطفية»، وأضافت «عندما يريد الطفل أن يتكلم، أو عندما يبكي، سيجد من يهتم به»، مؤكدة أنها تريد عملية شفاء الطفل من صدمة انفصاله عن أبويه أن تبدأ منذ اليوم الأول لدخوله دار الرعاية.
وينظم «برنامج عامر» حفلاً خيرياً يوم العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، في قاعة «نادي بنت جبيل الثقافي الاجتماعي» في ديربورن عند الساعة السادسة مساء لجمع التبرعات لمشروع توفير دار رعاية لأطفال الجالية المنتزعين من أسرهم.
لمزيد من المعلومات يمكن زيارة البرنامج عبر العنوان الإلكتروني التالي: amerfostercare.org أو الاتصال بالرقم: ٢٤٨.٦٦٠.٩٣٣١
Leave a Reply