وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
كما كان متوقعاً رفض رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، المثول أمام فرع التحقيق في مخابرات الجيش، يوم الأربعاء الماضي، بصفة مستمَع إليه في أحداث الطيونة (14 تشرين)، وذلك بناءً على إشارة لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي.
جعجع كان استبق الموعد بلقاء صحافي، الأسبوع الماضي، أعلن خلاله عن ربط استجابته للاستدعاء، باستدعاء الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله للاستماع إلى أقواله، متهماً القاضي عقيقي بتسييس التحقيق والاستنسابية، وهو الكلام نفسه الذي رفضه جعجع سابقاً حين وجّه «الثنائي الشيعي» (حركة «أمل» و«حزب الله») التهم نفسها لقاضي التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت، طارق بيطار، الذي نزهه جعجع، معتبراً أي تصويب باتجاهه، محاولة لعرقلة التحقيق وحرفه عن المسار الصحيح.
لكن الفرق بين الاتهامين، هو أنه، وبحسب تسريبات التحقيق في كمين الطيونة، ثمة موقوفون اعترفوا بتلقّيهم أوامر من مسؤولي «القوات» بالاستنفار والانتشار على عدد من أسطح الأبنية في منطقة عين الرمانة وعدد آخر من المناطق، وبالتدخل في حال تدحرجت الأمور نحو معركة واسعة! أكثر من ذلك، كان رئيس جهاز الأمن الخاص لجعجع من بين الموقوفين.
أما في ما يتعلق بالتحقيق في انفجار المرفأ، الذي لم يكشف حتى الآن أيّاً من ملابسات الانفجار الكارثي، فلا اعترافات ولا من يحزنون، باستثناء مذكرات استدعاء لبعض السياسيين والأمنيين الذين كانوا في موقع المسؤولية، وسط تشكيك الكثيرين في قانونية تلك الاستدعاءات واستنسابيتها، نظراً لكونها محصورة بجهة دون أخرى.
وفي ظل هذا الجو المشحون والضاغط، وتفاقم الأزمات الداخلية على مختلف الصعد، برزت دعوات من مناصري “القوات» للتوجّه في تظاهرة إلى طريق بكركي معراب بالتزامن مع موعد استجواب جعجع لدى فرع مخابرات الجيش في اليرزة صباح الأربعاء الماضي، تعبيراً عن رفضهم المساس برئيس حزبهم، لكن «الحشد» لم يكن بالمستوى المطلوب رغم اندفاع البطريرك بشارة الراعي لحماية زعيم «القوات».
جهود الراعي
«العراضة القواتية» الهزيلة تزامنت مع جولة مكوكية للبطريرك الماروني الذي جال على كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، حاملاً معه «مبادرة» تقوم على ما يشبه المقايضة بين إغلاق ملف حادثة الطيونة ونقل التحقيق مع الرؤساء والوزراء والنواب أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بدلاً من تركه بيد القاضي بيطار، وهو حل وافق عليه الرؤساء الثلاثة، بحسب ما نقل الراعي.
بالتزامن، أفادت مصادر قضائية بأن محكمة الاستئناف المدنية في بيروت قبلت طلب الردّ المُقدّم من وكلاء الموقوفين في أحداث الطيونة لرفع يد مفوّض الحكومة بالتكليف القاضي فادي عقيقي عن الملف.
ولفتت المصادر عينها إلى أن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي عقيقي، أحال المحضر الإلحاقي لملف الطيونة الذي ختمته مديرية المخابرات بعد رفض جعجع المثول أمامها، إلى قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان وطلب من الأخير الاستماع إلى جعجع بصفته شاهداً.
في المقابل، تقدم أهالي منطقة عين الرمانة، بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية، ضد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وكل من يظهره التحقيق، بزعم ارتكاب جرائم النيل من الوحدة الوطنية والقيام بأعمال إرهابية مسلحة.
وقد أعلنت النيابة العامة اللبنانية في وقت لاحق أن النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات حفظ الشكوى لعدم وجود ما يبرّر اتخاذ أي إجراء جزائي بشأنها».
دعوى جديدة ضد بيطار
وفي سياق متصل، تقدّم النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر بدعوى رد إلى محكمة الاستئناف المدنية في بيروت لرفع يد القاضي بيطار عن التحقيق في انفجار المرفأ بعد فشل محاولات سابقة.
أما بيطار فرفع جلسة استجواب رئيس الحكومة السابق حسان دياب، بعد تبلّغه دعوى مخاصمته من الهيئة العامة لمحكمة التمييز، متجهاً نحو إصدار مذكرة توقيف بحق دياب في حال عدم حضوره، على أن يُتخذ الإجراء نفسه بحق كل من يتخلف من الوزراء السابقين المدعى عليهم في حال استمروا في رفضهم المثول أمامه.
هل يقبل الشارع بالمقايضة؟
بينما ترددت أنباء عن قبول الرئاسات الثلاث بالمقايضة التي طرحها البطريرك الراعي، شنّ رئيس «التيار الوطني الحر»، جبران باسيل، هجوماً حاداً على حركة «أمل» و«القوات اللبنانية»، واتهمهما بالتواطؤ في حادثة الطيونة، وهو ما أسبغ أجواء سلبية أعادت الأمور إلى المربع الأول، وقلّصت الآمال بتخفيف التشنج وتجاوز عقبة الاستدعاءات المستجدة، وهو ما يعني إبقاء نشاط الحكومة معلّقاً، وبقاءها في الثلاجة، في انتظار طارئ قد يطرأ يدفع باتجاه الحلحلة.
المبادرة لم تُدفن حتى الساعة، بحسب مصادر خاصة لـ«صدى الوطن» لكنها تواجه عراقيل يجري العمل على تذليلها، علماً بأن المتابعة عن كثب تسمح للمراقب بتلمس الأجواء المشحونة ومدى الاحتقان الذي يعيشه الشارع بعد «كمين الطيونة» الذي تسبب بسقوط سبعة قتلى، ما يوحي بشبه استحالة القبول بالمقايضة السالفة الذكر، فهذه المرة، الفاعل مكشوف وقد اعترف بفعلته والدم «لا يزال على الأرض»!
إذ أن هذه المقايضة تعني شيئاً واحداً بالنسبة لأهالي الضحايا ومن خلفهم القاعدة الشعبية العريضة «للثنائي الشيعي»: الاستثمار والتوظيف في دماء الأبرياء التي سالت من أجل المطالبة بإقصاء القاضي بيطار للأسباب التي أصبحت معروفة لدى الجميع!
ووسط المعطيات الحالية، والشكوك القائمة، فإن السياق الحالي في تحقيقات المرفأ لا يشي بإمكان وصوله إلى نتائج حاسمة تفضي إلى بلوغ الحقيقة المبتغاة. ولكن، في حال التوافق على المقايضة، وهو أمر مستبعد، فكيف ستكون صورة القضاء على أثر ذلك؟
كل ما كان يُحكى عنه من خضوع وارتهان القضاء للسياسيين بات مبرّراً، بل صحيحاً، وستكون الثقة بعد ذلك بالقضاء، ضرباً من الغباء.
أزمة دبلوماسية
على صعيد آخر، برزت إلى الواجهة أزمة دبلوماسية مستجدة بين الحكومة اللبنانية وبعض الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، بسبب تصريحات كان قد أدلى بها وزير الإعلام جورج قرداحي في آب (أغسطس) الماضي، أي قبل تسلّمه منصبه الرسمي الحكومي. إذ عمد بعض وسائل الإعلام الممولة خليجياً إلى نبشها وبثّها من جديد، ما أثار عاصفة من الاستنكار والرفض، بلغت لدى البعض حد مطالبة قرداحي بالاستقالة.
مضمون اللقاء، سبب الأزمة، الذي أجراه قرداحي مع مجموعة من الشباب في برنامج «برلمان الشعب» من إنتاج شبكة «الجزيرة»، حيث قال قرداحي حينها إنّ «الحوثيين يدافعون عن أنفسهم في وجه اعتداء خارجي» من قبل السعودية والإمارات.
ومما قاله قرداحي أيضاً إن «منازل الحوثيين وقُراهم وجنازاتهم وأفراحهم تتعرض للقصف بالطائرات التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية».
احتجاج واستنكار
وبالرغم من أن الحكومة اللبنانية تنصّلت من كلام قرداحي وأكدت أنه لا يمثل إلا نفسه، وأنه مرفوض ولا يعبّر عن موقف الحكومة إطلاقاً، ولا سيما في ما يتعلق «بحرب اليمن وعلاقات لبنان مع أشقائه العرب»، أصرّت الرياض على تضخيم الأمر وصنعت منه أزمة دبلوماسية، حيث استدعت وزارة الخارجية السعودية يوم الأربعاء المنصرم، السفير اللبناني في الرياض للاحتجاج على التصريحات التي اعتبرتها «مسيئة» للتحالف العسكري «في مواجهة الحوثيين» بحسب بيان الخارجية.
الإمارات بدورها حذت حذو السعودية، فاستدعت السفير اللبناني لديها على خلفية تصريحات قرداحي وأعربت خارجيتها في بيان عن «استنكارها واستهجانها الشديدين إزاء هذه التصريحات المشينة والمتحيزة»، بحسب تعبيرها.
من جهتها، استدعت وزارة الخارجية البحرينية سفير لبنان لدى المنامة لتسليمه مذكرة احتجاج على تصريحات الوزير قرداحي، و«على ما ساقه تجاه مجريات الحرب في اليمن من ادعاءات باطلة تنفيها الحقائق الموثقة والبراهين المثبتة دولياً»، وفقاً للخارجية البحرينية.
أما حكومة عبد ربه منصور هادي، الموالية للسعودية، فقد أدانت تصريحات قرداحي أيضاً، وقالت عبر وزير خارجيتها، أحمد عوض بن مبارك، في تغريدة على «تويتر»، إنه وجّه السفارة اليمنية في بيروت بتسليم الخارجية اللبنانية «رسالة استنكار»، فيما طلب مجلس التعاون الخليجي من قرداحي الاعتذار، معتبراً أن تصريحاته «تعكس فهماً قاصراً» للأحداث في اليمن.
صلابة قرداحي
رداً على الزوبعة الدبلوماسية المثارة ضده، عقد وزير الإعلام اللبناني مؤتمراً صحافياً دافع فيه عن نفسه ورفض الاعتذار. ولفت إلى أن ما قاله في هذه المقابلة سواء بالنسبة إلى فلسطين أو سوريا أو لبنان والخليج، أو حرب اليمن من مواقف، لا تلزم الحكومة بشيء «لأنه لم يكن وقتها وزيراً وهذه آراؤه الشخصية». أما بعدما أصبح وزيراً، فلفت قرداحي، إلى أنه ملتزم بالبيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي وملتزم بسياستها.
هكذا هو لبنان ينتقل من أزمة إلى أزمة، ولا شك في أن الأيدي الآثمة التي تعبث بأمنه وتسعى إلى زعزعة استقراره قد أشهرت كل أنواع الأسلحة في وجه هذا البلد، الذي يدفع ثمن انتمائه العروبي ودفاعه عن القضية الأم: فلسطين… فهل ثمة قرار بالذهاب بهذا الكيان الصغير إلى قعر الهاوية أم تبقى الرهانات على الانتخابات النيابية القادمة؟
Leave a Reply