دمشق – يبدو أن المساعي الدولية لانعقاد «جنيف 2» قد أثمرت عن موعد مبدئي في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، في الوقت الذي تؤكد فيه نتائج جولة المبعوث الدولي، الأخضر الإبراهيمي، التي قاطعتها السعودية، بأن مؤتمر الحل السلمي للأزمة السورية بات أمراً واقعاً سيما مع تبدل مواقف تركيا وقطر من الأزمة. ويبدو أيضاً ان المعطيات الميدانية على الارض التي تشير الى تقدم مستمر للجيش السوري في ريف دمشق، الى جانب العفو الرئاسي الذي أصدره الرئيس بشار الأسد كتمهيد للمصالحة الوطنية.
وفي غمرة الحراك الديبلوماسي الروسي والأميركي لعقد مؤتمر «جنيف 2» أواخر الشهر المقبل، ختم الموفد الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي لقاءاته في محطته الثامنة، دمشق. وأكّد الرئيس الأسد، خلال لقائه الإبراهيمي، أنّ «أيّ حل يجري التوصل إليه يجب أن يحظى بقبول السوريين»، مجدداً القول إنّ الشعب السوري هو وحده المخول «رسم مستقبل سوريا».
وكان الأسد قد دعا الى توفير ضمانات لنجاح «جنيف ٢» في مقدمتها وقف تسليح وتمويل الإرهابيين وهو ما قابلته الدوحة بنهج جديد بدأ يتمظهر في سياسة قطر الخارجية. فالإمارة الخليجية قدّمت سلّة عروض لرأس الدولة السورية، أملاً بعودة «حرارة» تلاشت بين الدولتين. فيما لا تبدو دمشق متعجلة لإعادة احياء العلاقة القديمة مع الدوحة «التي اراقت دمّ الشعب السوري». كما كشفت مصادر مطلعة في أنقرة أن السلطات التركية قررت، في سياق المواجهة القائمة بينها وبين السعودية، إغلاق غالبية المراكز والشقق التي يستخدمها عناصر من الاستخبارات السعودية في تركيا ضمن مهمة إدارة المجموعات المسلحة ودعمها في سوريا.
وبدوره، أكد وزير الخارجية وليد المعلم أن سوريا ستشارك في المؤتمر انطلاقا من حق الشعب السوري الحصري في رسم مستقبله السياسي واختيار قيادته ورفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي، وأن الحوار في جنيف سيكون بين السوريين وبقيادة سورية. وشدد المعلم على رفض كل التصريحات والبيانات التي صدرت بعناوين ومسميات مختلفة بما فيها بيان لندن حول مستقبل سوريا باعتبارها اعتداء على حق الشعب السوري واستباقا لنتائج حوار بين السوريين لم يبدأ بعد.
من جهته أوضح الإبراهيمي أن الجهود المبذولة من أجل عقد مؤتمر جنيف تتركز حول توفير السبل أمام السوريين أنفسهم للاجتماع والاتفاق على حل الأزمة بأسرع وقت ممكن ووضع تصور مبدئي حول مستقبل سوريا.
ولكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعلن أن الجميع يدعمون «جنيف 2» بالأقوال، إلا أن بعض الدول الممولة للمعارضة السورية تعمل مباشرة على تقويض الجهود الرامية إلى عقد المؤتمر. وقال لافروف عقب مباحثاته مع نظيره الأوكراني ليونيد كوجارا في مدينة روستوف على الدون الروسية الاثنين الماضي: إن كل جماعة في صفوف المعارضة السورية لها ممول أو مشرف عليها في المنطقة أو خارجها، مؤكدا أن الجميع يدركون ذلك جيدا، بما في ذلك الإدارة الأميركية. كما أكد الوزير الروسي أنه على ممولي الجماعات المسلحة في سوريا أن يتحملوا المسؤولية تجاه مصير الحل السياسي في هذا البلد. وأكد لافروف أن الوضع حول عقد مؤتمر «جنيف 2» يتطلب تدخل جهات مؤثرة في المعارضة السورية المفككة حاليا، مشيرا إلى تعدد مواقف جماعات المعارضة. وقال الوزير الروسي «إن عددا من الجماعات المسلحة تنشق حاليا عن الائتلاف الوطني المعارض، بينما تعلن بعض الجماعات الأخرى أنها قريبة من تنظيم «القاعدة» الإرهابي وتعمل بتوجيهات منه». وأعرب لافروف عن غضبه بشأن تهديد بعض الجماعات المعارضة تجاه المشاركين المحتملين في «جنيف 2» بما في ذلك بعثات روسيا الدبلوماسية في الخارج.
أما واشنطن التي تؤكد تمسكها بمسار الحل السلمي فتواصل ضغطها على المعارضة للمشاركة بـ«جنيف ٢» والتخلي عن مطلب إسقاط الأسد كشرط مسبق للحوار.
وبالرغم من كل الاشارات السلبية التي تستمر المعارضة السورية بارسالها واعلان «المجلس الوطني» بوقت سابق مقاطعته للمؤتمر المنتظر، يبدو أن «الائتلاف»، أكبر تشكيلات المعارضة السورية، يتجه للمشاركة بـ«جنيف 2» ولو على مضض.
وفي سياق آخر، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أنّ كافةَ القدرات الإنتاجية في المنشآتِ الكيميائية في سوريا قد جرى تدميرها. وقالت المنظمة إن فرقها فتشت 21 موقعا من 23 موقعا للأسلحة الكيماوية في أنحاء البلاد. وأضافت أن الموقعين الآخرين شديدا الخطورة بحيث تعذر تفتيشهما لكن المعدات الموجودة بهما نقلت الى مواقع أخرى خضعت للتفتيش.
تهريب الأسلحة عبر الأردن
نشرت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، الأسبوع الماضي، تقريراً للصحافي جورج مالبرونو ينقل فيه عن أحد المسؤولين في «الجيش السوري الحر» وصفه للطريقة التي تشرف من خلالها وكالة الإستخبارات الأميركية (سي آي أي) على عمليات نقل أسلحة إلى «الجيش الحر» في ريف دمشق، والتي وصل حجمها إلى 600 طن خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي.
ويقول إنه «بسرية تامة تعبر، ليلاً، مواكب إلى سوريا إنطلاقاً من صحراء شرقي الأردن. وبمساعدة البدو، تتجه عربات المتمردين نحو ضواحي دمشق (ريف دمشق)، حيث مكان التسليم، الذي يتم تصويره» بهدف توثيق عدم وصول الأسلحة إلى فئات متطرفة.وينقل التقرير عن مسؤول في «الجيش السوري الحر» يدعى أنور قوله إنه «مع بداية الليل تنطلق سياراتنا الثماني من منطقة الرويشد الأردنية»، مضيفاً أنّ «أول سيارتين من طراز «لاند كروزر» يكون فيها عناصر من وكالة الاستخبارات الأميركية. وخلفها تسير سياراتنا الخمس المحملة بالأسلحة».
ويوضح أنور أنّ السيارة الأخيرة يكون على متنها «فريق مشترك من وكالة الاستخبارات الأميركية والاستخبارات الأردنية». ويشير الصحافي الفرنسي إلى أنه «بعد عبور ثلاثة كيلومترات في الأراضي السورية يترك عناصر الاستخبارات الأميركية والأردنية أنور وفريقه ليكملا طريقهما نحو الغوطة وريف دمشق».
ويكشف التقرير أن فرق الاستخبارات تبقى على تواصل مع الفريق المتجه إلى الداخل السوري. وينقل عن المسؤول في «الجيش السوري الحر» قوله إنه «في بعض الأوقات ترسل وكالة الاستخبارات الأميركية طائرات استطلاع تدخل حتى 150 كيلومتراً فوق الأراضي السورية، لتنبهنا من كمائن» قد يضعها الجيش السوري.
ويقول الصحافي الفرنسي إنه في «كل أسبوع يصل 15 طنا من الأسلحة إلى مخازن الجيش السوري الحر»، مشيراً إلى أنّه يتم شراء الأسلحة بتمويل سعودي من الأسواق السوداء في أوكرانيا وبلغاريا قبل أن يتم نقلها بطائرات سعودية إلى مطارات في جنوب الأردن. ويلفت التقرير إلى أنّه يبدو أنّ الحاجة إلى الأسلحة تقررها غرف عمليات «الجيش الحر» المنتشرة حول دمشق قبل أن يتم نقل ذلك إلى غرفة العمليات المتواجدة في العاصمة الأردنية عمان.
ويشرف على غرفة عمليات عمان الأمير السعودي سلمان بن سلطان، شقيق رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، أو أميركي في حال غيابه. وإلى جانب الأردنيين، يوجد أيضاً في غرفة العمليات ممثلون عن الدول المانحة: بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، قطر، الإمارات العربية المتحدة، تركيا، إضافة إلى مبعوث يمثل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري. ويلفت تقرير «لوفيغارو» كذلك إلى أنه «خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، تم توصيل ستمئة طن من الأسلحة إلى معارضي الأسد عن طريق الأردن».
Leave a Reply