يعتبر أحد أقدم المراكز الإسلامية القائمة في الولايات المتحدة
ديربورن – «صدى الوطن»
تحتفل الجالية العربية في منطقة ديترويت –هذه الأيام– بالذكرى الثمانين على تأسيس «مسجد ديربورن» –أو مسجد ديكس– الذي غدا أحد أهم المعالم الإسلامية العريقة في الولايات المتحدة، بسبب عراقته وطرازه المشرقي ودوره الاجتماعي في تشكيل بيئة جاذبة للمهاجرين المسلمين الجدد.
وكان «مسجد ديربورن» قد أُسس عام 1938 على أيدي مجموعة من عمال المصانع اللبنانيين والسوريين في الطرف الجنوبي من المدينة (الساوث أند)، الذي شكل النواة الأولى للجالية العربية في ديربورن، ويضم اليوم كثافة يمنية عالية مقارنة بالجاليات العربية الأخرى.
وأشار الناشط محمد سعيد عبد الله إلى أن اليمنيين كانوا محظوظين مع الفرص التي منحتهم إياها شركة «فورد» للعمل في مصانعها، حتى أصبحت المنطقة على مر العقود وجهة مفضلة لهم، لافتاً –على وجه التحديد– إلى دور المسجد في اجتذاب العائلات اليمنية المهاجرة. وقال: «اليمنيون كانوا عازفين عن الهجرة العائلية حتى عقد الثمانينيات (من القرن الماضي) حيث بدأوا يتوافدون بأعداد كبيرة إلى هذه المنطقة، وقد ساعدهم المسجد بنسبة تزيد عن الـ50 بالمئة في تربية أولادنا وتنشئتهم ورعايتهم».
وأكد على أن دور المسجد لم يقتصر في كونه مكاناً لأداء العبادات، وإنما نجح في تمكين أبناء الجالية اليمنية من تحقيق النجاحات في مختلف الميادين، وقال: «في 1975 لم يكن في جاليتنا خريج ثانوية واحد، أما الآن فقد تغير الوضع كلياً في هذه المنطقة التي أصبحت مدارسها تضيق بطلابنا.. ونحن اليوم نتفاوض مع المجلس التربوي في مدينة ديربورن من أجل إنشاء مدرسة جديدة»، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب.
عبد الله، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة في 1975، أضاف: «عند البدايات، كنا نقيم أفراحنا في هذا المكان، إذ لم تكن توجد حينها صالات أفراح وقاعات احتفالات، كما كنا نشيع موتانا من هذا المكان الذي بدأ بمبنى صغير ثم أخذ بالتوسع مع ازدياد أعداد المهاجرين وتعدد احتياجاتهم».
من ناحيته، شدد الدكتور نبيل سليمان على أهمية الدور الذي يلعبه المسجد في حماية الأجيال الجديدة وتحصينهم من الانزلاق إلى مغريات الحياة الأميركية. وقال: «الشباب الصغار يواجهون مراحل صعبة للغاية كونهم يأتون من بيئة محافظة، وقد تكون لتجاربهم نتائج كارثية لولا هذا النوع من المؤسسات الدينية والثقافية».
سليمان، وهو صاحب عيادة طبية في منطقة ديكس، أثنى على جهود المشرفين بإدارة المسجد «ذي التاريخ العريق والإنجازات المشهودة»، مضيفاً: «يشكل هذا المركز الإسلامي هيئة جميلة للتناغم بين الخلفيات المتعددة دينياً وثقافياً، ومن يدخل المسجد يشعر بالراحة وكأنه في بيته، ورغم أن غالبية مرتاديه من اليمنيين، إلا أنك لا تشعر بأي فرق».
وأشار مؤذن المسجد، الشيخ علي صالح العزي، إلى دور المسجد التثقيفي من خلال عقد المحاضرات وحلقات تحفيظ القرآن الكريم وإقامة الدورات الصيفية الإرشادية للبنين والبنات على حد سواء.
وأكد أحمد عباد شريف على دور المسجد في استقطاب الأعداد المتزايدة من المهاجرين، خاصة اليمنيين، وقال: «جئت إلى هذه البلاد في 1970 وكان عمري 16 عاماً.. أيامها كانت الجالية اليمنية صغيرة ولا تضم أكثر من ثلاث أو أربع عائلات في الحي، ومع الأيام تكاثرت أعداد اليمنيين بفضل هذا المسجد».
أضاف: «في البداية كان المكان لا يتسع لأكثر من 100 شخص، وكان لا يفتتح يومياً، وبفضل الله سبحانه وتعالى وبفضل جهود الجالية العربية عموماً، واليمنية بشكل خاص، تم توسعة المسجد عدة مرات حتى بات يتسع اليوم لآلاف المصلين»، لافتاً إلى أن منطقة الساوث أند «أصبحت من أكثر المناطق أماناً في مقاطعة وين وفي عموم ولاية ميشيغن باعتراف المسؤولين الحكوميين»، على حد تعبيره.
وأشار إلى فضل المسجد في استقطاب الأميركيين من غير المسلمين الذين اعتنق العديدون منهم الدين الحنيف، وقال: «لقد شاهدت الكثير من الأميركيين الذين أسلموا.. بفضل هذا المسجد».
أضاف: «كان في هذه المنطقة أكثر من 10 خمارات، إضافة إلى المراقص والملاهي، وكان مرتادوها من العرب والمسلمين، أما اليوم فلا يوجد فيها شيء من هذا القبيل». وتابع وهو يكفكف دموعه: “«لقد دخلت هذه البلاد طفلاً، ولم أجد حينها من يدعوني لأداء الصلاة، أما اليوم فجميع أولادي يواظبون على الصلاة هنا».
أحد الأساتذة في «مدرسة عبد الله بن عباس» التابعة للمسجد، أشار إلى أن المدرسة تأسست في 2003 وكانت تضم خمسة طلاب فقط، أما اليوم فهي تستقطب قرابة الـ500 طالب من الذكور والإناث. وقال: «اليوم لدينا 17 فصلاً لتعليم الذكور، و12 فصلاً لتعليم الإناث».
وأضاف بأن المدرسة تعلم القرآن الكريم واللغة العربية والتربية الإسلامية، لافتاً إلى أن رسالتها تتمحور حول «تعليم أبناء المسلمين، الرسالة الوسطية المعتدلة للإسلام»، مؤكداً «نحن بحاجة إلى التعايش السلمي الذي ينشد الخير للجميع ويتمنى أن يعم السلام الناس جميعهم باختلاف أديانهم وأعراقهم وأجناسهم».
وبمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس «مسجد ديربورن»، تقيم «الجمعية الإسلامية الأميركية» المشرفة على إدارة المسجد، احتفالاً في قاعة «بيبلوس» يوم الجمعة 19 نيسان (أبريل) الجاري.
كما قامت «صدى الوطن» بإنتاج تقرير مصور يلقي الضوء على ظروف نشأة المسجد وفضاءاته الاجتماعية والدينية، من إعداد الزميل عباس الحاج أحمد وتصوير الزميل عماد محمد. يمكن مشاهدته عبر صفحة «صدى الوطن» على «فيسبوك».
نبذة عن المسجد
يعتبر «مسجد ديربورن»، المعروف باسم الشارع الذي يقع عليه (مسجد ديكس)، واحداً من ثلاثة أركان أساسية في حياة العرب الأميركيين في «الساوث أند»، إلى جانب مدرسة سالينا، ومصنع نهر الروج التابع لشركة فورد لصناعة السيارات.
للمسجد مكانة روحية ووجدانية في نفوس أبناء المنطقة، فضلاً عن مكانته التاريخية كأحد أقدم المساجد في منطقة ديترويت، إذ أنه يشكل مكاناً مميزاً يلتقي فيه الناس ويتعارفون ويتواصلون.
ففي أطروحة دكتوراه حول المساجد في منطقة ديترويت، كتبت الدكتورة سالي هاول: «إن مسجد ديربورن كان بمثابة نادٍ ومسجد في الوقت ذاته، وبمرور الزمن تراجع دوره الثقافي ليحل محله الدور الديني». وأضافت «إن هذا المسجد كان مركزا للحياة الاجتماعية للجالية العربية في أواسط القرن الماضي، وبعد توسيعه بإضافة طابق ثانٍ، وقبة، ومئذنتين، أصبح معروفاً لدى الناس كمسجد بالدرجة الأولى، وأصبح مركزاً لجميع المسلمين في المدينة وكامل المنطقة».
وفي الفترات اللاحقة، وبقدوم موجات جديدة من المهاجرين أصبح تصميم المسجد على الطراز الشرقي، ولم يعد يستقبل الحفلات والمناسبات الاجتماعية كالأعراس والحفلات الفنية.
وبسبب كثافة الوجود الإسلامي الذي كان يزداد باستمرار بسبب موجات الهجرة المتعاقبة، تمت توسعة المسجد ثلاث مرات، وكانت مساحته تتضاعف في كل مرة، وتم ذلك في أعوام: 1952، 1986، و2000.
تبلغ مساحة المسجد حالياً 48 ألف قدم مربع ويتسع لألفين من المصلين، ويتولى شؤون إدارته يمنيون، ويؤمه المسلمون من جميع الجنسيات، من العرب وغير العرب.
Leave a Reply