مريم شهاب
هل توافق معي، عزيزي القارئ، إنه لا يوجد فـي هذا العالم الكبير أفراح كبيرة، بل تمر فـيه بعض الأفراح العابرة للمسرّات، وأن أهم مواثيق الدنيا لا تقدم عطاءاتها كاملة فـي حياة الإنسان القصيرة، وأن على الواحد منّا أن يصير صياداً يقظاً ليقتنص من حياته السريعة مسرّاتها الصغيرة.
البارحة، كنت أرتِّب بعض الأوراق فـي صندوق قديم، عثرتُ بينها على بطاقةٍ وردية اللون يدوية الصنع، خفق لها قلبي وانا أخرجها من مغلفٍ أبيض، مرسومٌ على جهتيه قلوب ملونة وفـي وسطها (I love you mama) وبعض الكلمات مكتوبة بخط متعرج وبأخطاء إملائية، لكنها بدت لي أجمل من كل لوحات أبدعها الرسامون فـي العالم. قبّلت البطاقة بشغف وضممتها إلى صدري، فحملتني وذكرتني بصورٍ باتت بعيدة، عندما كنت أمّاً صغيرة، أعاني صعوبات الدنيا بين أولادي، حيث كانوا يرسمون بطاقات ويلوّنون أوراقاً، فأضعها هنا فـي هذا الصندوق أو أضيّعها فـي أماكن أخرى.
عثوري اليوم على هذه البطاقة، جعلني أدرك كم هي ثمينة بعد مرور هذه السنوات، وضياع العمر فـي طاحونة الحياة.
يا حب القلب «ولدي منذر». شكراً على كلماتك ورسوماتك وعلى هذه البطاقة الغالية التي كتبتها قبل عقدين ونصف من الزمن فـي يوم عيد الأم. لقد أسعدتني وفجّرت فـي نفسي ينابيع البهجة لأنك كتبتها بأناملك الصغيرة يومذاك، وأعتبرها أثمن وأجمل بطاقة، ضمن البطاقات العديدة الموجودة عندي.
لحظات من المسرّة العابرة، غمرتني وأنا أحضن البطاقة وأطويها وألثمها فـي قلبي.
فـي يوم الأم هذه السنة، أقول لك يا بعضاً من روحي وفرح عمري، أيها الإبن البار الغالي، أصلّي وأبتهل أن يحفظك ربي ويحميك لأنك جعلتني أمّاً فخورة بك.
******
إلى الكثيرين والكثيرات من أبناء وبنات الجالية، الذين لا تزال أمهاتهم «أحياء يرزقون»، ولأسباب دنيوية تافهة، هم وهنّ فـي قطيعة مستديمة أو حديثة مع أمهاتهم، أو ممن يجدون كلمة أحبكِ يا أمي صعبة عليهم كثيراً، وممن لا يعتبرون أن الأمومة تضحية، ومن ثم فالأم ليست بحاجة إلى التكريم، وإلى الذين يبررون تقصيرهم اتجاه أمهاتهم بالعمل المتواصل والحياة التي لا ترحم، إلى هؤلاء جميعاً أقول إنكم تخسرون خسراناً مبيناً. فكلمة الله يرضى عليك «يا بني أو يا بنتي»، لا يساويها مال ولا أعمال ولا بيوت ولا سيارات. فقط جربوا لثم يد أمكم، وتحسسوا تجاعيدها بشفاهكم، ثم تمعّنوا ملياً
بوجهها الطيب، سوف تدركون عندها لماذا تزداد الأمهات جمالاً كلما امتدّ بكم العمر، وهذه مسرّة كبيرة فـي الحياة. وللأسف لا نعرف قيمة هذه المسرَّة إلا بعد فقدها.
Leave a Reply