مسلسل «دونالد ترامب في البيت الأبيض» الأميركي لا ينتهي بل هو حافل دائماً بالمفاجآت. فلم يكد ترامب يلملم أذيال فضيحة كتاب «نار وغضب» حتى وقع في فضيحة أكبر عندما أفصح عن مكنونات صدره (مع أنَّ هذا ليس سراً من الأسرار) ووصف البلدان الأفريقية بأشنع الألفاظ عندما كان يبحث موضوع الهجرة مع نواب الكونغرس من الحزبين. الإعلام العربي «المهذَّب» (نسبياً فقط إلا عندما تعلق الأنظمة العربية مع بعضها)، استخدم ترجمة «الحثالة» أو «القذارة» لما نطق به ترامب إلا أن الترجمة الحرفية لعبارة (Shithole) هي «فوهة البراز» (ترجمتي).
ورغم الضجة العالمية التي أحدثها توصيف ترامب العنصري، لم ينف الأخير استخدام لغة «خشنة» لكنه نفى استعمال هذا التعبير بعينه، أي ربما استخدم توصيفاً قريباً منه أو يشبههه وربما أكبر عياراً منه، من يدري؟
لكن ترامبو العنتري ليس معروفاً بدفء لسانه والعياذ بالله إذا ما راقبنا سير كلماته في «أشرطة هوليوود» وغيرها، فلا يمكن أن نصدقه.
إلا أن الخطير في الموضوع هنا ليس الكلام السوقي البذيء والأرعن لرئيس أميركا (قائد العالم الحر (؟)، ليس تماماً!). الخطورة أن عنصرية ترامب، التي تخصه لوحده إذا كانت شخصية، قد تنسحب على السياسات الداخلية والخارجية التي تسنُّها إدارته الجهيضة! ففي الإجتماع المذكور ادَّعى ترامب أنه يريد تطبيق نظام هجرة جديد يعتمد على معايير مهنية وعلمية وثقافية فقط للمتقدِّمين بطلبات هجرة للولايات المتحدة. ولو قال هذا وحسب لكانت نصف مصيبة، لكنه تساءل لماذا لا تستقدم دائرة الهجرة متقدمين من دولة النروج مثلاً. أولاً، من المدهش أن ترامب يعلم بدولة اسمها النروج، كما أنه ذكر سابقاً السويد في إحدى جولات هذيانه، وهذا شيء يثير الانبهار وهو على ما يبدو مأخوذ بالدول الإسكندنافية. ولهذا السبب ولأنه يعرف عن النروج فقد استنتج الجميع أنه يقصد لما لا يتم إدخال المزيد من الأوروبيين البيض بدل دول «فوهات البراز»، لأن 90 بالمئة من سكان النروج هم من البيض، هل وضحت الفكرة العنصرية؟
والمؤسف في الموضوع أن كلام ترامب لم يُحدِث أثراً إلا لماماً تماماً مثل النيازك التي سقطت على سطح الأرض وسمع دويها ورأى لهيبها الكثير من سكان العالم، ثم أصبحت أثراً بعد عين. فهل «تمسكن» ساسة أميركا ونخبها الإعلامية وورؤساء العالم ومنظوماته الوطنية والشعبية والمدنية واقتنعوا بوجود رئيس متعصِّب في البيت الأبيض معاد لهم ولشريحة كبرى من المواطنين الأميركيين؟!
لقد بات واضحاً الْيَوْمَ أن العنصرية تمتد جذورها عميقاً في الأرض الأميركية ولو تم انتخاب رئيس من أصل أفريقي لأعلى سلطة في البلاد، فباراك أوباما لم يكن ليحلم بالرئاسة لو لم يكن نصفه أبيضاً (من جهة الأم). وبالواقع فإن انتخاب ترامب جاء كردة فعل من القوميين البيض على فوز رئيس أسود بالرئاسة وهكذا يكون ترامب المستفيد الأكبر من إرث أوباما وبدلاً من أن يحفظ له الجميل يقوم بمحو كل التشريعات والقوانين والاتفاقات التي حملت توقيع أوباما خلال ولايتيه!
السؤال كيف سيتعامل رؤساء الدول الأفريقية وغيرها مع هكذا رئيس مارق وهم يعرفون ما هو رأيه بهم وببلدانهم؟ فهذه سابقة لم تُعرف بين دول العالم. وماذا يظن رؤساء الدول العربية الرجعية خصوصاً السعودية التي رضخت له وفتحت له ثرواتها؟! هل يظنون أنه يعفيهم من هذا التوصيف؟
منذ الْيَوْمَ لا يجب النظر إلى سياسة ترامب الخارجية إلا من باب العنصرية، فهو يريد بناء جدار مع المكسيك بسبب كرهه لها. ويرغب بإبقاء المسلمين والملونين خارج أميركا لنفس السبب ويعتزم إبقاء جنوده في سوريا والحفاظ على التكفيريين بسبب كرهه للعرب في محور المقاومة وخدمة لإسرائيل التي أسدى لها أعظم خدمة عبر إعلان القدس عاصمةً لها. وقس على ذلك، سياسته تجاه كوريا الشمالية وآسيا وحتى بعض أوروبا (ما عدا النروج). أما الصين فهي حالة خاصة لأنها أصبحت أوكي بقاموسه فقط عندما استقبله الصينيون باستعراضات أمبراطورية فقط، مدغدغين غروره من دون مال فكانوا أذكى من السعوديين الذين منحوا ترامب استقبالاً حافلاً عزّ نظيره وكادوا يعطوه الكعبة نفسها لو استطاعوا!
في هذا العالم «فوهات براز» كثيرة سببها دول الاستعمار والأمبريالية التي نهبت ثروات الشعوب ولم تتركها إلا بعد امتصاص دمائها وتركها فريسة لغدرات الزمان. ورئيس أميركا آخر من يحق له الحديث عن الحثالات في العالم خصوصاً عندما لا يدري أن الأفارقة هم أكثر ثقافة جامعية وعلمية من غالبية الأميركيين وأن معظم ثورة الإنترنت والتكنولوجيا في «سيليكون ڤالي» في كاليفورنيا وراءها أدمغة من المهاجرين من مختلف أصقاع العالم.
Leave a Reply