مريم شهاب
مثل الفراشة وجدتني منجذباً إلى نار تلك السيدة، وبعد لقاءات عديدة لمناقشة ما تريد تنفيذه في بيتها، عرفت أنها زوجة مدير مهم في شركة عملاقة للسيارات. لديها ابنة عمرها عشر سنوات ، وابن في السابعة. بدت لي أنها تعيش حياة مستقرة: مال وجمال وأولاد وزوج وأهل، لكن شيئاً ما في عينيها أخبرني بأنه سيكون لي شأن مع هذه السيدة، بعيداً عن العمل الذي كنت أنفِّذه في تجديد بيتها.
راحت ترحب بي بحرارة وتتعمد إطالة الحديث في أمور بعيدة عن العمل، حتى انتهى الأمر باعتراف متبادل مني ومنها بأن كلاً منَّا بحاجة إلى الآخر. علاقتي العميقة بها لشهور عديدة، شغلتني تماماً عن الفتاة التي خطبتها من أهلها ورحت أتهرب من تحديد موعد الزواج متعللاً بعدم حصول أمي وأبي على فيزا للقدوم بسبب إقفال السفارة الأميركية في بيروت، إلى أن جاءت اللحظة التي تجرأت فيها على مصارحة أهل خطيبتي بأنني لا أعتزم إكمال مشروع الزواج من ابنتهم، ولا شك أنهم غضبوا مني كثيراً، لكني لم أكترث.
تعلقت بالسيدة الجميلة كثيرا، وبدأنا نتحدث عن الزواج. شجعتها على طلب الطلاق من زوجها وطمأنتها إلى أنني سأكون أباً ثانياً لأولادها. ما فاجأني أنها لم تكن قلقة بشأن طفليها، وإنما بأمر زوجها حين أخبرتني أنّه يحبها جداً ولن يفرِّط بها بسهولة. بدأت المعركة مع زوجها حين طلبت منه الطلاق، فرفض بشدة. تركته وذهبت إلى بيت أسرتها مصطحبة معها ولديها. حاول الوسطاء بين الطرفين إصلاح ذات البين، لكن بلا جدوى. وأصبحنا نلتقي كل يوم ونفكر في إيجاد حل لمشكلتنا العويصة.
أخيراً كان لا بدَّ من مواجهة الزوج وإعلامه بأن زوجته لا تريده وإنما تريد رجلاً آخر، وأنه من الأكرم له أن يسرحها بإحسان لأن العشرة بالمعروف لم تعد ممكنة بينهما. سألتني هل تستطيع أنت بالفعل مواجهته بذلك؟ وماذا لو اعتدى عليك؟ فأجبتها بثقة أنني -وبدون شك- أستطيع ذلك.
وبالفعل قابلته وبصراحة قاتلة واجهته بكل شيء، وكمن مات ضميره، لم أشعر بالخجل ولم أهتز حين قال لي إنني بما أقوله، أهدم بيتاً وأدمر أسرة كانت سعيدة قبل ظهوري في حياة زوجته، وأفرق طفلين عن أبويهما وأحرمهما من حياة هادئة. كما لم يؤثر فيَّ كثيراً قوله إن الله سوف يحاسبني حساباً عسيراً على فعلتي. وبكل برود قلت له إن هذا من شأني مع ربي ولا دخل لأحد به. انتهت الجلسة العاصفة بقبوله بتطليقها، ولكن بشرط واحد لا محيص عنه، وهو أن تتخلى عن حقها القانوني بحضانة الولدين،وأن توقع إقراراً بالتنازل عنهما له.
رجعت إليها وأنا أتساءل عما سيحدث لها حين تعرف بشرطه القاسي، وكان كل خوفي أن تتراجع عن مشروع زواجنا أمام هذا الشرط التعجيزي. وبحذرٍ شديد، أخبرتها بالشرط القاسي، ولكن فوجئت بها تستقبل الأمر باستهانة وقلة اكتراث، قائلة، إن ابنها سيكبر وسوف ينفضل عنها، وإنها اختارت أن تتزوج مني لأنها تحبني وسوف تدفع ضريبة ذلك عن رضى.
لم أشأ التوقف كثيراً أمام تنازلها عن طفليها بهذه السهولة، وأكثر من مرة تساءلت هل يكون ذلك دليلاً على حبها العميق لي ورغبتها فيَّ فقط، أم أنه مؤشر على ضعف أمومتها وأنانيتها وتفضيلها لسعادتها الشخصية على أي اعتبار آخر، ولو كان إبنها وابنتها.
تزوجنا وأقمنا في بيتٍ كنت أمتلكه، وتفجَّر بيننا نبع من الحب والعشق الحار وبذلت كل ما أملك لإسعادها وتعويضها عن حرمانها من ولديها. رزقنا بإبنة عمَّقت الروابط بيننا، وتحسنت أحوالي المالية كثيراً، إنتقلنا إلى مدينة مجاورة لديربورن بعدما اشترينا بيتاً فخماً يليق بزوجتي وعشنا حياة مليئة بعبق الحب وحرارة العاطفة وقمنا برحلات عديدة هنا في أميركا وحول العالم، زرنا أهلي في لبنان فشهد الجميع لنا بأننا أسرة مثالية، تنعم بالحب والمال والصحة. (يتبع)
Leave a Reply