“ساوث بارك” إعادة لمشهد الرسوم الدنماركية؟
لوس أنجلوس – “خاص “صدى الوطن”
تولت عدة وسائل إعلام أميركية منذ الأربعاء قبل الماضي إثارة موضوع “تهديد” أطلقه موقع “إسلامي” في نيويورك لمعدي برنامج “ساوث بارك” الكارتوني يحذرهما من مصير مشابه للمخرج الهولندي ثيو فان غوخ الذي اغتاله “مسلمون متطرفون” في امستردام العام 2004، بعد إظهار النبي محمد (ص) بمظهر دب.
وانتشر الخبر بسرعة في القنوات والصحف والمواقع الالكترونية في أميركا، والعالم، في محاولة لتصوير المسلمين على أنهم مجموعة متعصبين في محاولة لإعادة انتاج مشهد “الرسوم الدنماركية” في العام ٢٠٠٥ ويؤكده.
هذا المشهد الذي رأى بعض الإعلام الأميركي “ضرورة” لإحيائه وتذكير العالم به، لم يلق، بعد، التجاوب “المطلوب” في العالم الإسلامي، فلم نر حتى الآن المتظاهرين الغيارى على الدين يجولون في شوارع إسلام آباد أو جاكرتا أو بيروت… رغم تولي بعض الإعلام العربي والإسلامي نقل الخبر وبثه في النصف الآخر من الكرة الأرضية.
وحدهم إذا “المسلمون” في نيويورك احتجوا وهددوا بالقتل، ولكن تحرص قنوات أميركية كـ”فوكس” و”سي أن أن” و”أي بي سي”.. وصحف أميركية وبريطانية عريقة على اعتبار ما أقدم عليه هؤلاء بأنه صفة للدين الإسلامي وأتباعه، الذين لا يتصرفون كالمسيحيين واليهود عند انتقاد دينهم ولا يجدون غير العنف وسيلة للدفاع عنه.
وبالعودة الى مسلسل “ساوث بارك”، فقد لجأ معدّا البرنامج مات ستون وتراي باركر الى رسم النبي محمد في حلقة كاملة عام ٢٠٠١ حيث كان من الشخصيات الرئيسية في محاربة الساحر البريطاني ديفيد بلاين مع مجموعة أنبياء لديانات أخرى، ولم يبدِ أحد احتجاجه على ذلك قط. كما لم يتردد ستون وباركر بالسخرية من الله الذي ظهر على شكل مخلوق قصير وقبيح، الأمر الذي لم يثر احتجاج المسلمين أيضاً، وكذلك تم تقديم صورة السيد المسيح والنبي موسى بطريقة ساخرة.
فلماذا اليوم يظهر هذا الاحتجاج-التهديد، الذي يدعي مسوقوه على أنه صادر عن مسلمين؟ وكأن المسلمين لا يهمهم قدسية الله ولا حتى المسيح، ووحده النبي محمد يعنيهم.
تسويق الاحتجاج-التهديد لم يقتصر على الإعلام فحتى الجهة المنتجة للبرنامج الكرتوني تجاوبت معه و”تخوفت” من بث المشاهد الأمر الذي أدى الى انتقادات أميركية واسعة من “مؤيدي” حرية التعبير.
فقد إنتقدت الأوساط الأميركيَّة فرض الرقابة على مشاهد المسلسل التي تظهر النبي محمد (ص) بمظهر دب، وطالبت بعرض المشاهد كاملة كما تفعل بالحلقات التي تسخر فيها من اليهود أو المسيحييّن، ورأت أن هذه الإجراءات تحدّ من الحريّات، وإعتبرت أنَّ من حقّ المسلمين أن يحتجوا ولكن لا يحقّ لهم التهديد!
فقد انتقدت صحيفة “بوسطن غلوب” الأميركيَّة فرض قناة “كوميدي سنترال” الأميركيَّة الرقابة على مشاهد من المسلسل الكارتوني في حلقة عرضت يوم الأربعاء قبل الماضي، وذلك بعد أن لصقت القناة عبارة “قطعته الرقابة” على كلمتي “النبي محمد”، كما استبدلت صورة أثارت الجدل تظهر النبي محمد في زي دب بأخرى لـ بابا نويل وهو يرتدي الزي نفسه. وطالبت الصحيفة الأميركيَّة بإعادة عرض المشاهد التي تمّ استبدالها أسوة بالمشاهد الأخرى التي تعرضها وتسخر فيها من اليهود والمسيحيين، والتي لا يطالها مقصّ الرقيب بالرغم من انَّها تثير الاحتجاجات.
وفي ايلول (سبتمبر) 2005 أدى نشر 12 رسما كاريكاتوريا تتناول النبي محمد في اكبر صحيفة دنماركيَّة الى موجة من الاحتجاج والغضب ضد الدنمارك في العالم الاسلامي. وقد تلقى واضع هذه الرسوم تهديدات عدة بالقتل.
وكان برنامج “ساوث بارك” الكارتوني التلفزيوني تلقّى تحذيرًا شديد اللهجة من جماعة أميركيَّة مسلمة، وفرض على ضوء ذلك رقابة على كلمتي “النبي محمد”، ولصق عليها شريطًا عليه عبارة “قطعته الرقابة”. وتحت عنوان “لا تفرضوا الرقابة على ساوث بارك”، قالت صحيفة “بوسطن غلوب” “نفهم أن القناة متخوفة على مخرجي المسلسل من التهديدات، ولكن الردّ على هذا التهديد لا يجب أن يكون عبر الخوف منها، وإنما عبر استمرار العرض”. أضافت “البرنامج سبق له وتعرض لانتقادات واسعة بسبب إساءته لرموز المسيحيَّة واليهوديَّة، فضلا عن الشخصيَّات السياسيَّة، ولكن القناة استمرت بإعطاء الحريَّة لمخرجيه بالعمل، ولكن عندما الأمر يتعلق بالمسلمين فإن القناة تتراجع”.
وقالت الصحيفة الأميركيَّة إنَّ ردّ فعل القناة على التهديد يظهر الدين الإسلامي “كدين خطير، وأن مسألة التفكير بحرية التعبير توضع جانبًا عندما تأتي التهديدات”، معتبرة أن المسلمين “لهم الحق بالتعبير عن تعرضهم للإساءة، وليس أكثر من ذلك”.
وفي لقاء على برنامج “أورايلي فاكتور” على قناة “فوكس” قال ناشر ورئيس تحرير “صدى الوطن” الزميل أسامة السبلاني أن برنامج “ساوث بارك” كان يعلم مسبقاً بأنه يقدم على جرح شعور أكثر من مليار و٣٠٠ مليون إنسان، ولكنه أقدم على فعلته. وأضاف “نحن نأسف لهذه الخطوة، ولكننا نؤيد حرية التعبير ونتمنى أن تكون مسؤولة وغير تحريضية”. وأضاف السبلاني “أنا شخصيا أنشر في صحيفتي الأسبوعية منذ أكثر من ٢٥ عاماً آراء قد لا تتوافق مع آراء الكثيرين الأمر الذي دفع البعض الى تهديدي بالقتل، وما زادني ذلك الا إيماناً بحرية التعبير”. وتابع بالقول “حرية التعبير يجب أن تمارس بمسؤولية وباحترام كامل لشعور الآخرين وحرياتهم ومعتقداتهم”.
ولم تؤكد “كوميدي سنترال” رسميا ان الاجراءات الرقابية مرتبطة بتصريحات ادلت بها مطلع الاسبوع مجموعة “ريفولوشن مسلم” ومقرها في نيويورك. وقالت المجموعة المتطرفة ان القيمين على “ساوث بارك” مات ستون وتراي باركر قد يكون مصيرهما كمصير ثيو فان غوخ المخرج الذي اغتاله “مسلمون متطرفون” في امستردام العام 2004. وقالت المجموعة على موقعها الالكتروني “نحذر مات وتراي من ان ما قاما به هو غباوة وعلى الارجح فان مصيرهما من خلال بث هذا البرنامج سيكون كمصير ثيو فان غوخ” نافية في الوقت ذاته ان تكون تحث على العنف. وقال ناطق باسم المجموعة عبر محطة “سي ان ان” التلفزيونية ان “ريفلوشن مسلم” تريد فقط ان يتمكن الاشخاص الذين جرحت مشاعرهم من التعبير عن معارضتهم”.
وقال الصحافي اندرو سوليفان على مدونة “اتلانتيك اون لاين” ان “ساوث بارك” “ومنذ فترة طويلة استعان بالمسيح والشيطان وهزأ بالمورمون وحطم الكنيسة العلمويَّة وسخر من الكاثوليكيَّة واظهر بوذا وهو يتعاطى الكوكايين”. وتابع يقول “الا ان احدا من اتباع هذه الديانات لم يهدد مات وتراي بالموت، لكن متطرفين سنَّة فعلوا ذلك. وما كان رد فعل “كوميدي سنترال”؟ الاذعان الكامل”.
Leave a Reply