ريتشموند – «صدى الوطن»
ليست مهمة سهلة أن تكون إطفائياً في الولايات المتحدة، فهذه المهنة تتطلب الكثير من الإعداد البدني والنفسي للاستجابة إلى نداءات الاستغاثة من الحرائق وحوادث السيارات وانهيارات المباني، ومجمل الأخطار التي تتهدد حياة الناس وممتلكاتهم. وعلى مرّ العصور، صنّفت هذه المهنة –التي تعرف في بلادنا العربية بـ«الدفاع المدني»– بين أكثر المجالات التي يهيمن عليها الذكور، ويتفاداها الجنس اللطيف، بسبب تحدياتها الكبيرة والمستمرة.
لكن العربية الأميركية كايتي أمين قبلت التحدي الذي يتجنبه الكثيرون، لتضيف إلى حياتها المهنية والشخصية تحدياً إضافياً كمسلمة ترتدي الحجاب في مقاطعة تشسترفيلد الواقعة إلى الجنوب من مدينة ريتشموند بولاية فيرجينيا، وهي منطقة لا يقطن فيها الكثير من المسلمين، وليس شائعاً فيها ارتداء النساء للزي الإسلامي.
وبمرور الوقت، تمكنت الشابة الفلسطينية الأصل (26 عاماً) من التأقلم مع مهمتها الجديدة كإطفائية متطوعة، حيث كانت المرأة الوحيدة بين 19 شخصاً خضعوا لدورة أكاديمية حول التعامل مع المخاطر التي قد تتهدد حياة الناس وممتلكاتهم، وتدريبهم على تقديم الخدمات الإسعافية والطبية للمستغيثين.
وعلى الرغم من المتطلبات الكثيرة لوظيفتها الشاقة، فقد تمكنت أمين من بناء علاقات وطيدة مع زملائها في العمل، واصفة تجربتها في هذا المجال بـ«الجنونية».
وفي حديث لـ«صدى الوطن»، أكدت أمين أن زملاءها تفهموا حالتها واحتضنوها، وقالت: «إنهم يدافعون عني فعلاً في كل مرة يقول فيها أي شخص شيئاً سلبياً عني.. لقد كان أمراً جنونياً، كيف التقنيا وكيف صرنا أصدقاء».
تجربة فريدة
أمين، ابنة مدينة القدس الفلسطينية التي تعمل أيضاً كمديرة لمكافحة المفقودات في منشأة محلية تابعة لشركة «أمازون»، حلت ضيفة محاضِرة في أحد مؤتمرات TED المخصصة للنساء في ريتشموند. وهي مؤسسة غير ربحية (اختصار لكلمات تكنولوجيا، ترفيه، وتصميم) تقيم مؤتمرات عالمية تهدف إلى التعريف بالأفكار الجديدة والمتميزة حول العالم ورعايتها.
وتحدثت أمين في محاضرتها حول تجربتها وأهمية الأمانة والخدمة المجتمعية.
وباعتبارها واحدة من إطفائيات عربيات ومسلمات قلائل في الولايات المتحدة، أكدت أمين –التي تجيد التحدث بالعربية– على أنها تشجع الجميع على التطوع في الخدمة العامة بغض النظر عن ثقافاتهم وأديانهم وأعراقهم، لافتة إلى أن دائرة الإطفاء التي تعمل فيها «متنوعة، على الرغم من البيئة الريفية في فيرجينيا».
وأضافت: «أحب ما أقوم به في عملي، وأعشق العمل التطوعي»، مشيرة إلى أن «التطوع لا يقتصر فقط على مكافحة الحرائق وإخمادها، وإنما يتضمن أيضاً بأن يكون المرء مدافعاً عن المجتمع، وأن يعمل مع أفراده لتحسين وعيهم وإعدادهم لمواجهة الكوارث وكيفية التعامل مع النيران، والوقاية من الحرائق».
وكانت عائلة أمين قد هاجرت من القدس إلى أميركا عام 2004، وهي في سن الـ13، وقد كافحت الطفلة منذ وصولها إلى الولايات المتحدة لكي تتأقلم مع الحياة الجديدة قبل أن تجد شغفها. كان تدريبها مكثفاً، لكن المكافأة كانت في نهاية المطاف مجزية، وبحسب ما تؤكد، قائلة «كانت تجربة تستحق العناء ولم يكنت لها أية علاقة بالمردود المادي».
خدمة المجتمع
هذه الأيام، تقضي أمين أوقاتها كإطفائية متطوعة وتستمر في التعرف على أفراد المجتمع وتقوي العلاقات والروابط معهم وتخدمهم بعدة طرق، حيث تشمل واجباتها الرد على نداءات المصابين بالنوبات القلبية، والمسنين الذي يواجهون مخاطر صحية، وكذلك المستغيثين من أخطار الحرائق.
وفي الآونة الأخيرة، ساعدت في قيادة برنامج لتدريب المزيد من السكان على القيام بإسعافات التنفس الاصطناعي.
وتصف أمين تجربتها بأنها كانت «رحلة صعبة، ولكن مردودها لا يقدر بثمن»، لأنها مكنتها من خدمة مجتمعها وأن تكون جزءاً لا يتجزأ منه.
وفي مشاركتها في مؤتمر TED، أكدت أمين على ضرورة أن يتحلى المرء بالأمانة التي تنطوي على قيم الوفاء والثقة، وقالت: «كن فخوراً بمن أنت، وقم بمساعدة الأشخاص المختلفين عنك، لجعل هذا العالم مكاناً أفضل للعيش».
ومن ضمن المهام المناطة بأمين، تدريس مهارات التنفس الاصطناعي، وتثقيف السكان حول ما يفعله رجال الإطفاء، إضافة إلى انخراطها في مشروع حول حوار الأديان لمساعدة وكالات الطوارئ المحلية للاستجابة بأقصى سرعة على الحوادث المحتملة في الكنائس والمساجد والكُنُس وبقية المعابد الدينية.
أما رسالتها للعرب الأميركيين، فهي رسالة بسيطة موجهة إلى العالم بأسره، وتتلخض بقولها: «لقد كان العمل التطوعي دائماً مسألة مهمة، وسوف يظل عملاً مهماً، حتى في عالم.. غالباً ما يكون التركيز الأكبر فيه على تحصيل المال».
وتضيف: «إنني أشجع الناس على التطوع، لا يهم ما هي ثقافتك أو دينك، أحياناً يجب عليك أن تفعل ما ينبغي عليك فعله».
يمكن مشاهدة محاضرة أمين في مؤتمر TED عبر الرابط التالي:
https://bit.ly/2IGYKk7
Leave a Reply