«حزب الله» انفتح على الكلام الايجابي لـ«تيار المستقبل» وسليمان يطرح حكومة حيادية
جنبلاط والحريري عادا من السعودية بسقف منخفض وتنازلات امام الحل
لم يعد باستطاعة العماد ميشال سليمان رئيس الجمهورية المنتخب منذ شهر ونصف الشهر، ان يصبر على التأخير في تشكيل الحكومة الاولى في عهده، التي اوصى بها اتفاق الدوحة ورسم لها «خارطة طريق» عندما وزع المقاعد بين 16 للموالاة و11 للمعارضة 3 لرئيس الجمهورية، لكنه لم يحدد الحقائب، لان الراعي العربي للحل وهو دولة قطر ومعها اعضاء اللجنة الوزارية العربية والامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، لم يتدخلوا في هذا الشأن الذي هو من اختصاص اللبنانيين وقواهم السياسية، ويتعلق الامر بآلية دستورية احترمها الاتفاق الذي وقع عليه المتحاورون من الاطراف اللبنانية في العاصمة القطرية.
لكن الصراع على السلطة، واقتراب موعد الانتخابات النيابية بعد اشهر، واستمرار انعدام الثقة بين الموالين والمعارضين، وضع العراقيل امام تأليف الحكومة التي دخلت على تشكيلها عقدة الحقائب بين سيادية وخدماتية، وفشلت كل الصيغ التي تم تداولها، في التوصل الى حل، كما لم تنفع الرسائل التي وجهت الى قطر واميرها للتدخل من اجل المساعدة في تقريب وجهات النظر، لانه حاذر الدخول في المماحكات اللبنانية والغرق في زواريب المصالح السياسية والفئوية لهذا الفريق او ذاك.
ورغم محاولات التنازل المتبادلة بين الطرفين، الا انه لم يتم انصاف العماد ميشال عون، الذي لا يريد ان يخرج مهزوماً من هذه المعركة السياسية التي تضربه في الصميم لجهة صدقية ما يطرحه امام تياره السياسي وانصاره، ولا بدّ من التعويض عن انكفائه عن رئاسة الجمهورية، وقبوله بالمرشح العماد سليمان وانتخابه رئيساً للجمهورية، كما لم يتشدد في ان تكون من حصته حقيبة سيادية كان يطمح ان تكون الدفاع او المالية، فتراجع عن هذا المطلب، على ان يحصل على منصب نائب رئيس حكومة، بما يعادل حقيبة وزير دولة، على ان تعطى له وزارة الاتصالات مع ما كان معروضاً عليه من حقائب وهي الاشغال، الشؤون الاجتماعية، الشباب والرياضة والصناعة والاقتصاد، وطالب بالزراعة التي كان الرئيس نبيه بري يريدها من حصته، فتنازل عنها لتكون من نصيب النائب ايلي سكاف عضو كتلة الاصلاح والتغيير.
توقف حل العقدة عند قبول الفريق الحاكم تلبية مطالب عون، الذي تضامنت معه المعارضة، واصرت على ان يحصل على حقوقه لما يمثله من كتلة نيابية تضم 22 نائباً، وحضوراً شعبياً كبيراً وتحديداً في اوساط المسيحيين، الا ان السنيورة قطع الاتصال مع رئيس «التيار الوطني الحر»، وابلغه ان شروطه لن تنفذ، ولن يتم التجاوب مع مطالبه، وعندما يقتنع بذلك، يتصل بالسراي، ويقول انه موافق على عرض الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، ويقوم على ان يحصل التكتل الاصلاح و التغيير، اما على حقيبة الاتصالات او الاشغال، ولا يمكن ان ينالهما معاً، لان مسيحيي السلطة يرفضون تعويم عون وتقويته، بل المطلوب تحجيمه واضعافه، وحتى احراجه لاخراجه من الحكومة، اذ ان الحقائب التي يطلبها تؤمن له خدمات بين المواطنين، وتعطيه رصيداً شعبياً يجب ان يتاكل حتى موعد الانتخابات كما يفعل مسيحيو الموالاة وحلفاؤهم، من خلال حملة سياسية واعلامية مركزة ويومية على عون الذي يرد عليهم بالتشدد في مواقفه ومطالبه، حيث احرج السنيورة الذي بات يراوح مكانه في تشكيل الحكومة، وهو ما دفع بقوى سياسية وشخصيات معارضة وحتى موالية كالنائب غسان تويني الى مطالبته بالاعتذار.
وامام جمود تشكيل الحكومة، وانقطاع التواصل بين الموالاة والمعارضة ومغادرة الرئيس نبية بري الى الخارج، لحضور مؤتمر برلماني في كندا، دخلت البلاد في ازمة سياسية، انعكست ارتفاعاً في لهجة الخطاب السياسي والتحريض المذهبي والطائفي، وتم ترجمة ذلك في معارك واشتباكات اندلعت في البقاع الاوسط وطرابلس، وكادت تهدد اتفاق الدوحة بالانفراط، مما حرّك السعودية التي قلقت من الاتجاه المذهبي التي بدأت تسلكه الاحداث والتطورات السياسية والامنية في لبنان. وتواصلت مع ايران للجم الصراع المذهبي، كما حصل في مرات سابقة، وتحديداً في احداث جامعة بيروت العربية التي اتخذت طابع المواجهة السنية-الشيعية، فتدخلت طهران والرياض واوقفتا المعارك لكنهما لم يعملا على تهدئة النفوس وتحقيق وفاق سياسي ينتج عنه حكومة وطنية، حيث دخلت المملكة على خط احتواء الازمة في لبنان، فعاد النائب وليد جنبلاط منها بعد زيارة التقى خلالها الملك عبدالله ومسؤولين سعوديين، بسقف منخفض من المطالب، ولم يعد متمسكاً بحقائب معينة كالاتصالات، وابدى مرونة كبيرة من توزير طلال ارسلان عن الدروز بعد ان قرأ وتبلغ ان تسويات كبرى تجري في المنطقة، وان النظام في سوريا باق، وان الرئيس بشار الاسد سيحضر احتفالات الثورة الفرنسية التي غاب عنها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، كرسالة غضب لوجود الرئيس السوري، الذي بقي رقماً صعباً في المعادلة العربية والاقليمية، ولم يتمكن اتفاق شيراك والرئيس الاميركي جورج بوش قبل ثلاث سنوات من شطبه منها او تحجيم دوره، وهو ما اكتشفه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تعامل مع الاسد كاحد قنوات الحل في لبنان والمنطقة، وهو ما اقلق جنبلاط الذي كان يراهن على تغيير النظام، بعكس ما كان الغرب يريد وهو تغيير سلوك النظام في سوريا لا اكثر ولا اقل، وهو ما لمسه منه ساركوزي في لبنان من خلال المساعدة على اجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، وهذا ما فتح الحوار معه، ووجهت الدعوة له لزيارة باريس وحضور قمة «الاتحاد المتوسطي».
وهذه التطورات الايجابية من القيادة السورية، وقلقه ايضا من وجود صفقة حول المحكمة الدولية بشأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، دفعت برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الى المطالبة بحل سياسي للازمة، وبارخص الاثمان، بعد ان اظهرت المعارضة قوتها العسكرية على الارض والحسم السريع الذي قامت به في بيروت والجبل، مما اوجد مناخاً مرنا داخل الموالاة، عكسه النائب سعد الحريري بعد زيارته القصر الجمهوري ولقائه العماد سليمان وتحدث عن حل من خلال التنازلات، وان تسمية المعارضة والموالاة سوف تسقط مع تشكيل الحكومة، وطالب بالحوار مع المعارضة التي لم تمانع هي ايضاً، وكان لافتاً ان «حزب الله» تحدث ايضا انه لا يرفض حصول لقاء مع النائب الحريري بعد الكلام الايجابي الذي اعلنه عن موضوع تحرير الاسرى اللبنانيين من السجون الاسرائيلية، واعتبره مدخلاً للمصالحة الوطنية، وقد لاقاه الرئيس السنيورة بموقف ايجابي ايضاً من قضية الاسرى واعتبر تحريرهم خطوة وطنية وانتصار يحققه لبنان والمقاومة، فكان رد «حزب الله» ايجابياً وابدى استعداده للانفتاح والحوار، وهو ما اكده الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في مؤتمره الصحافي الذي تحدث فيه عن اتفاق تحرير الاسرى، واشار خلاله الى مرحلة جديدة من الانفتاح على كل الاطراف السياسية، وفتح صفحة جديدة، وسيترجم هذا التوجه بلقاء قد يعقد بين السيد نصرالله والنائب الحريري، تسبقه لقاءات واتصالات تمهيدية بين ممثلين عن الطرفين، وقد لا يعني ذلك استعجال نصرالله لعقد لقاء مع النائب وليد جنبلاط او سمير جعجع او الرئيس امين الجميل او اخرين من قوى 14 شباط، لان لقاء امين عام «حزب الله» مع رئيس «تيار المستقبل» له رمزيته، بعد احداث بيروت، وارتفاع وتيرة الخطاب المذهبي، فهو ينفس الاحتقان، ويزيل التشنج، ويهدىء النفوس، ويبعث على الثقة والطمأنينة، والطرفان لهما مصلحة في ذلك مع ظهور «التيار السلفي» بقوة على الارض، وخوضه معارك في سعدنايل وطرابلس، وضرورة منع تمدد الظاهرة الاصولية التي ستكون في مواجهة «حزب الله» بسبب انتمائه المذهبي الشيعي، ومع «تيار المستقبل»، لانه تيار غير متدين، وله علاقات مع الغرب واميركا تحديداً.
وقد رأى سعد الحريري نفسه، في موقع دقيق جداً، فلم يعد يستطيع التقدم الى الامام، باتجاه التصعيد السياسي، والكلام المذهبي، لان ساحته السنية التي يعمل فيها يقضمها الخطاب الديني المتطرف، وتملؤها الحركات السنية الاصولية والسلفية، وهو لهذه الاسباب اضطر ان يعتدل في مواقفه، ويذهب الى التسوية، وعاد من السعودية محملاً بتوجيهات ايجابية، لمنع تحويل لبنان الى موطىء قدم للمنظمات الاصولية، التي تعاني المملكة من اخطارها واجرامها، فعاد رئيس «تيار المستقبل» بلهجة منفتحة، سيكون لها تأثيرها على تشكيل الحكومة، التي كادت ان تولد نهاية الاسبوع الماضي، ويؤمل ان تبصر النور قبل ذهاب رئيس الجمهورية الى فرنسا لحضور قمة الدول من اجل المتوسط في 31 تموز الحالي، وهو كان بشر باجواء تفاؤلية، ووضع كل ثقله من اجل حلحلة العقد، حيث تخلى عن منصب نائب رئيس الحكومة الذي كان مضمونا للوزير الياس المر، ولم يمانع ان لا يكون في وزارة الدفاع، لكن مطالبته بتوزيره، مرتبط بالانسجام معه من اجل تجهيز الجيش واعداده لمزيد من المهمات الوطنية.
ولذلك تبدو الاجواء تميل الى الايجابية في لبنان، بالرغم من كل ما يحصل من انتكاسات امنية، التي تبقى تحت السيطرة، لانه لا يوجد قرار داخلي لبناني بتفجير الوضع الامني وتوسعه وانتشاره، وكذلك هناك توجه واصرار عربي واقليمي ودولي بمنع انزلاق لبنان الى حرب اهلية، تحذر منها اكثر من مرجعية عربية واجنبية.
اما في حال استمر التأزم في تشكيل الحكومة التي تحدث عنها اتفاق الدوحة، فان البديل لن يكون الفراغ الحكومي، كما ينقل عن رئيس الجمهورية، الذي يؤكد انه سيكون له موقف اذا لم يتفق جميع الاطراف على حكومة الوحدة الوطنية، وهو حذر من التجاذب حولها، والصراع على الحصص فيها، ودعا الى التنازل لمصلحة لبنان، وكشف امام زواره انه لن يتأخر عن المساعدة في ايجاد المخارج والحلول للخروج من ازمة ولادة الحكومة، لكن اذا لم تنجح مساعيه فهو سيطرح تأليف حكومة حيادية او انتقالية تشرف على الانتخابات التي ستفرز اكثرية واقلية، وعندها يتقرر شكل الحكومة بعد الاحتكام الى ارادة الشعب اللبناني.
هذه التوجهات التي خرج بها الرئيس سليمان تؤشر الى ان الازمة لن تطول، وان الحلول تتقدم لا سيما ان مختلف الاطراف تبدي ليونة ومرونة، لكن ضمن سقف تحديد حجم التمثيل واحقية الحصول على حقائب سيادية وخدماتية في الحكومة، التي تخطى الرئيس المكلف بتشكيلها فترة السماح المعطاة له، ولا بدّ من ان يحسم موقفه لجهة تقديم صيغة لتشكيلة مقبولة من الجميع او يعتذر، ليبدأ البحث عن الحل البديل الذي قد يكون بحكومة حيادية.
فلبنان الموعود بصيف هادىء من قبل كل الاطراف السياسية في الموالاة والمعارضة، رغم كل الانتكاسات الامنية التي تحصل، فهو دخل في بدايته حيث تظهر الارقام يومياً وصول الالاف من السياح والمصطافين اللبنانيين والعرب والاجانب، الذين يفدون الى لبنان، متحدين كل الاخطار، وقد سجل وصول اكثر من مئة الف حتى الان خلال الاسبوعين الاخيرين، مما يؤشر الى موسم اصطياف ناجح، يحرك الاقتصاد الذي عانى خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة ركوداً ونمواً سلبياً، زادته فورة ارتفاع اسعار النفط، وهبوط سعر الدولار، مما اثر على مداخيل اللبنانيين، كما في الكثير من دول العالم لا سيما النامية منها والفقيرة.
Leave a Reply