في 24 آذار (مارس) الجاري، وتحت عنوان «مسيرة من أجل حياتنا»، نزل مئات آلاف الأميركيين للتظاهر في شوارع العاصمة واشنطن ونيويورك وديترويت وأماكن أخرى في الولايات المتحدة، احتجاجاً على عنف السلاح، أو على الأقل ضد جزء منه.
وقد أظهر الناجون من مجزرة مدرسة باركلاند، بولاية فلوريدا، استعدادهم لإقامة الصلات وتبادل المنصة مع الطلاب الملونين الذين لم يتم حتى الآن الاعتراف بعمق معاناتهم في الولايات المتحدة. هذا سلوك جديد. مهم ولافت أيضاً. إذ عانى الطلاب الملونون لفترة طويلة –ومع أنهم لم يصمتوا– لكن أصواتهم لم تُسمع.. لأنه جرى التعامل معها وكأنها غير مسموعة.
أعبر عن إعجابي بطلاب مدرسة باركلاند لإحساسهم والتزامهم برفع صوت الآخرين وإيصال معاناتهم، ولإدراكهم لما قال العديد من القادة العظماء قبلهم: لا أحد منا حر إلا إذا كنا جميعاً أحراراً.
على ضوء تلك التظاهرات الزاخرة، أطلب من الجميع أن يوسعوا دائرة المعنيين بـ«حياتنا»، لتشمل معاناة الذين يشبهوننا وأولئك الذين يختلفون عنا.
إن عنف السلاح –وعلى العكس مما قيل في الأشهر الأخيرة– ليس «مشكلة خاصة بأميركا»، لأن الأسلحة الأميركية أثّرت وقوّضت حياة الملايين حول العالم. لقد نشرت مجلة «نيويوركر» مؤخراً تقريراً يظهر مدى تدفق الأسلحة الأميركية خارج الحدود إلى أماكن مثل كندا وأميركا الوسطى، وكتب جوناثان بليتزر أنه وعلى الرغم من أن «انتشار الأسلحة وسهولة حيازتها غالباً ما تتم مناقشتهما كمسألة تتعلق بالسياسة الداخلية… إلا أنهما أيضاً قضية دولية».
وعلاوة على ذلك، فإن الإهمال الأميركي المتمثل بإتاحة البنادق لعامة الناس، ليس إلا عارضاً لقضية أكبر بكثير، وهي السعي وراء الربح المتخفي خلف شعار الحرية. وهذا أمر يهم حكومتنا أكثر مما تهمها حياة الناس. وكلما كان الشخص أقل أميركية (أقل بياضاً)، كلما كان الأمر صحيحاً أكثر!
إن الولايات المتحدة تسلح السعودية التي بدورها تدعم «داعش» وتزوده بالسلاح. كما ترتكب المملكة إبادة جماعية متواصلة في اليمن باستخدام الأسلحة الأميركية. واشنطن تعرف هذا، ومع ذلك تستمر بالتواطؤ من أجل تحقيق المزيد من الأرباح.
الشهر القادم يصادف الذكرى السنوية الـ15 للغزو الأميركي للعراق. أميركا ليس من شأنها أن تكون هنالك. أو بالأحرى هي تواجدت هناك من أجل البزنس. من أجل نفط العراق ومن أجل ارباح شركات صناعة السلاح.
في العراق، قتلت أميركا أكثر من مليون شخص مدني، كما دمرت أرواح ومستقبل ملايين الأطفال الذين شهدوا الحرب وفقدوا ذويهم فيها. والأسوأ أنها لم تخضع للمساءلة لما يفترض أنها جرائم حرب، فضلاً عن أنها لم تعترف بجرائهما حتى الآن وبأنها كانت السبب الرئيسي وراء فراغ السلطة الذي ملأه «داعش»، وليست الخلافات السنية–الشيعية التي تساق كتبريرات لظهور التنظيم الإرهابي.
لماذا ذهبت أميركا إلى العراق؟ لماذا استغرق الأمر وقتاً طويلاً لكي تعترف بأنه يجب عليها المغادرة من هناك؟ لماذا تم تناسي أهوال سجن أبو غريب بسرعة ولماذا جرى التعامل معها على أنها مجرد انحرافات وبأنها لا تعكس التجاهل الأميركي لحرمة حياة الناس الذين لا يشبهون ناس الولايات المتحدة؟
والأسئلة نفسها تنطبق على ما جرى في أفغانستان، حيث أصبحت «طالبان» أقوى بكثير من أي وقت مضى، ولماذا لا نتحدث عن معتقل غوانتانامو؟ وما حدث في فيتنام.. لماذا تستمر أميركا بمجابهة حروب إيدلوجية بالنيابة عن أشخاص لا يريدون مساعدتها؟
لماذا صناعة السلاح، و«جمعية البنادق الوطنية» (أن آر أي) ومن وراءها.. لديهم كل هذا النفوذ؟
ليس لأن أميركا لا تقدر قيمة الحياة، بل تقدر هوامش الربح أكثر، وهذا أسوأ بكثير!
لقد ألقت أميركا –وبشكل متكرر– القنابل على الأطفال والمسنين حول العالم، وتعاملت مع الضحايا على أنهم «أضرار جانبية» في كفاحها من أجل «الديمقراطية»، والصحيح أنها فعلت ذلك من أجل المال وإحكام السيطرة. ومن المثير للاشئمزاز أن هذا البلد هو نفسه من سيسمح لأطفاله أن يقتلوا في المدارس، لكن ذلك لا يجب أن يكون مفاجئاً!
إذا كان السعي وراء السعادة نزعة أميركية بحتة فإن مشكلة السلاح في أميركا –وهي مشكلة أكبر بكثير من السلاح– هي أيضاً مشكلة أميركية بحتة!
لا يمكننا الاستمرار بالسماح لأنفسنا باحتقار سعادة واستقرار الآخرين في الوقت الذي نطلب فيه السعادة والاستقرار لأنفسنا. ليس بسبب سخرية القدر، ولكن بكل بساطة لأن الطريقة التي نعامل بها الآخرين هي انعكاس لطريقة تعاملنا مع أنفسنا. في اللحظة التي قررت فيها أميركا تقدير حياة السود على أنها أقل قيمة من حياة الآخرين، قوضت قدرتها على تقدير قيمة الحياة بالمطلق.
الحياة –بكل مناحيها– تهم أكثر من المال، وقد آن الأوان لكي تعرف أميركا ذلك!
وريثما تتعلم أميركا أن تكون صاحبة أفعال لا أقوال، وأن تتصرف كما لو أن «حياة السود مهمة» و«حياة السمر مهمة» وأن الحياة هي أغلى ما في الوجود، فإن أطفالنا وأطفال العالم سيستمرون في الموت بلا معنى.
يوم السبت الماضي، تظاهر مئات آلاف الأميركيين للمطالبة بأن تكون الحياة ذات قيمة، ولهذا يجب علينا جميعاً أن نواصل المسيرة!
ماري طرفة
– خريجة جامعتي «هارفرد» و«ييل»
– ولدت ونشأت في مدينة ديربورن هايتس
Leave a Reply