مريم شهاب
حين تفقد المرأة سحرها وصباها، تلجأ إلى أطباء التجميل والمساحيق والعطارين لإصلاح ما أفسد الدهر، وحين ترتاب سيدة ما برأي الناس فـي مسلكها يكثر حديثها عن الفضيلة ومهاجمة الرذيلة، والرجل حين يفقد صفات الأخلاق الكبيرة، يتكبر و«يتعنطز» ويطلب الجزاء الرفـيع عندما يبذل الجهد الوضيع، وعندما يرتاب الناس بصدقه وحسن نيته والغاية من مثابرته ونشاطه يرفع صوته عاليا عندما يتحدث، ويزعق وينعق ويتشنج.
و«الكاتب يلي شايف حالو مش مصدق» يتزمت فـي اسلوبه وتتعقد عباراته وكذلك «الشعرور» الذي يستسهل الصعب ويوسع على نفسه فيلطم السامع على أذنيه بإلقائه الشعر الحديث.
بالمقابل، كلما كان المحامي غشيما تزداد فخامة وضخامة مكتبه، ويتفانى غراما بنشر صوره على «البيل بورد» فـي الساحات وعلى الطرقات ، وكلما كان الطبيب خامل الذكر، تتسع مساحة اللافته على باب عيادته، ورجل الدين كلما زاد علماً بما لا ينفع، كثرت فتاويه وكبرت عمامته دلالة على جهله واستغلاله الدين.
فمن طبيعة الناس، هنا فـي المهجر، كما فـي كثير من بلاد الأعاريب يرى نفسه فوق الشبهات، وأكثر الذين يرون أنفسهم شرفاء هم الغارقون فـي المفاسد والمنكرات،خصوصا من أدعياء التدين وإحتكار الجنة لهم وحدهم دون عباد الله «الماشيين الحيط الحيط ويارب السترة».
هؤلاء المتدينون الجدد، يزداد عندهم منسوب الحزن والبكاء على الحسين فـي أيام عاشوراء وتعبيرا على ذلك الحزن الأسود سنة بعد سنة، تزداد مساحة الأعلام والرايات فـي الشوارع وفـي القاعات وفـي المراكز الدينية العديدة، التي باتت تتكاثر مثل مقاهي الأركيلة، وكأن الحسين عليه السلام سوف يزداد شرفا وكرامة فـي تعليق الأعلام الواسعة الشاسعة أمام البيوت والقاعات، وبصراحة أقول لولا القانون هنا فـي ديربورن يسمح بهذه الأعلام لصارت ديربورن مثل معظم مدن الأعاريب، ملأى بالشعارات والأكاذيب والتصاوير والجهل والتخلف وقلة الدين والذوق.
والذي يقهر أكثر أن أحدهم ينشر على صفحات «الفـيس بوك» صورا لهذه الأعلام ويفتخر بأن الرايات العاشورائية الحسينية، هي فـي قلب مدينة ديترويت، حيث مصانع السيارات وبعض الإختراعات التي سهلت حياة الناس، «عن جد شكرا لك سيدي على الايضاح» يافرحة الحسين ومن استشهد معه حينما تختزل نكبته وتضحيته فـي بضعة أعلام وصور معلقة على سيارات يقودها البعض بسرعة وقلة ذوق وكأن الحسين استغاث بهم لينصروه عندما وقعت الواقعة.
أحزن كثيرا وأرثي لمعظم هؤلاء المتدينين الجدد الذين يعانون من الوحدة والضياع وأحيانا المرض والاكتئاب، الكثير منهم يعتاشون على المساعدات وليس لهم أي عمل يشغلهم سوى الأكل والجنس والبكاء والنحيب، وتعظيم الأمور التافهه الدينية، ورغم كل ما يوصينا به ديننا الحنيف من أعمال الخير والمساعدة فـي خدمة الآخرين والمشردين والمقعدين والمحتاجين، ينفقون المال فـي شراء الأعلام والرايات والجهد فـي إقامتها ونصبها، وفـي الصيف يعجزون عن شراء بعض الزهور والنباتات التجميلية وغرسها أمام بيوتهم وفـي حدائقهم.
يا أتباع أبا جهل، كلما اتسعت رايات التدين على الطرقات والشرفات، قلّت علامات الايمان والدين فـي الصدور!!
Leave a Reply