شعرت بفرحٍ كبير حين جمعني الحديث مع صبية من صبايا جاليتنا حول مشكلة غير تقليدية، ليست مشاجرة بين زوج وزوجة ولا خلافاً بين حبيب وحبيبة ولا حباً تعيساً بلا أمل ولا ندماً على شيء فات. إنها مشكلة العنوسة، وأسباب تأخر الزواج بين العديد من العانسات والعانسين، ممن تخطوا الثلاثين والأربعين ولم يتزوجوا. وما قالته تلك الفتاة يستحق الإستماع.
كان الزواج في الماضي خالياً من أي نوع من الخداع وكان الحب بريئاً صافياً، وكان الشاب أيامها لا همَّ له إلّا تكوين أسرة وحياة مستقرَّة بعيداً عن الطلبات المستحيلة. وبنت الجيران أو بنت العمَّة أو بنت الخالة كانت ترضيه طالما أن أصلها طيب وأخلاقها حميدة. حتى تكاليف الزواج لم تكن مُهلِكة مثل هذه الأيام. وكان الفرح حقيقياً ينبع من القلب، والرجل عندما يتزوج يقتنع أن هذه الفتاة هي النصيب الذي كتبه الله تعالى له، فلا شروط ولا أحكام ولا عيون زائغة. والفتاة أيضاً كانت تعرف أن هذا الرجل هو نصيبها الذي ستصبر عليه في الشدَّة قبل الرخاء وأنه أبو أولادها وعمادها في الدنيا، لذلك كانت المعاملة بين الزوجين يسودها الإحسان والاحترام والمودة قبل الحب. لهذا كانت (معظم) الزيجات تستمر، لأن الرقابة الذاتية والشهامة والتربية الأصيلة هي التي تسود.
الآن لدينا جيلٌ من الشباب المتعلمين، يتخذون من فتيات الإعلان والفنانات نماذج لهم، دون أن يدركوا أن الواحدة منهن، قبل أن تنشر صورتها، قد مرَّت بأكثر من خبير تجميل وأضواء وأزياء. وكذلك بعض الأمهات، اللواتي يبحلقن في الأفراح والمناسبات عن عروسة تكون محط أنظار الجميع، بغضِّ النظر عن أي شيء آخر وبالتالي من كان جمالها متواضعاً، نصيبها في طابور العوانس.
أيضاً بعض العائلات لا زالت تتمسك بالحسب والنسب والأصل، وأعرف شخصياً الكثير من البنات اللواتي شارفن على الأربعين بسبب رفض الأهل تزويجهن من «إنسان مش معروف قرعة بيّو من وين» أو أصل عائلته متواضع، حتى ولو كان على درجة عالية من التعليم. أحد الآباء طلب من عريس تقدَّم لابنته تقريراً عن أنه مداوم على الصلاة في المسجد، وأنه حجَّ إلى بيت الله الحرام، ومن يقلِّد من الفقهاء وإلى أي ملَّة يعود انتماؤه. والغريب في الموضوع أن كثيراً من الفتيات المتدينات جداً، حتى المتعلمات منهن تعليماً عالياً، مقتنعات بوجهة نظر الأهل. فالواحدة منهن ترضى أن تبقى بلا زواج طوال حياتها ولا تتزوج من ملَّة مختلفة عن ملَّة أمها وأبيها.
هذا إلى جانب أن بعض الأهل الآن، يصرون على أن يتحمَّل العريس المصاريف كافة، وحتى فكرة أن تكون مصاريف الزواج بينه وبين الفتاة، وإن كانت تعمل، تعتبر عيباً وعاملاً لإلغاء الزواج.
ختمت الفتاة وقالت لي: صحيح أنا الآن في الخامسة والثلاثين والفرص أمامي ضعيفة جداً، ولكني لن أقدِّم تنازلات نهائياً حتى لا أندم في النهاية. قد أكون في يوم من الأيام وحيدة، ولكن أفضل من أن أعطي حياتي لمن لا يستحقها وأصبح محمَّلة بمسؤولية أطفال يسألونني عن أبيهم الغائب. لقد تعلمت الدرس من صديقاتي اللواتي شعرن بالخطر وقبلن أي عريس، أي رجل.
أنا مقتنعة أن مجتمعنا شرقي، حتى لو كان في أميركا، وصعب على المرأة أن تعيش فيه من غير زوج، لكن أنا مرتاحة، أو بمعنى أدق أنا متصالحة مع وضعي، أعيش في هدوء، وطبعاً مثلي الكثيرات.
لم أملك سوى تحية هذه الصبية الواعية والتي لفتت نظري إلى قضية متفاقمة في جاليتنا، ولم أملك في النهاية إلّا أن أقول لها شكراً. شكراً على صدقك وشجاعتك وروعة كلامك.
Leave a Reply