هل هناك سرّ في إسم مريم؟ وهل يبدو أن من تحملنه مكتوب عليهن الشجن وقلة الراحة؟ عندك مثلاً، سيِّدتنا وسيِّدة نساء العالمين، العذراء مريم، عليها السلام، ثم مريم المجدليَّة وهلم جرا، مروراً بـللا مريم في المغرب، والمشاغبة مريم البسام في تلفزيون الجديد، و«حجة العصر» مريم نور، إلى سيِّدة تحمل إسم مريم هنا في ديربورن.
مريم هذه تعمل في أحد المتاجر. ذهبت إلى البنك لتسحب مبلغ 200 دولار من حسابها، أي ما يعادل نصف راتبها كل أسبوعين، فاكتشفت أنها «ثريَّة» من دون علم ولا خبر. فالوصل الصغير الذي تسلَّمته ويحتوي على بيانات ما تبقَّى في رصيدها البنكي أفاد بأن لديها أكثر من نصف مليون دولار، ولأنها «مش وش نعمة وهبيلة» فقد أبلغت البنك فوراً بأن في الأمر خطأ وهذه الدولارات ليست لها. ولذلك استعاد البنك أمواله من حسابها.
أرجوك يا عزيزي القارئ أن تركِّز معي وتنتبه: معها مستند رسمي من البنك يقول إلى مريم، هذه الآلاف لكِ وملككِ، فترد هي بالقول: «نو واي، نات ماين» (No way, not mine).
استردَّ البنك أمواله ونالت مريم عاقبة هذا التصرُّف الأحمق: Nothing لا شيء! البنك لم يقل لها شكراً لأمانتك وقناعتك وعفافك لأنك لا تريدين الثراء الحرام. ولم يعطها النسبة المئوية التي يحصل عليها كل من يَرُد أو يسلم مبلغاً يخص غيره للجهات الرسميَّة. بل حتَّى لم يرسلوا لها رسالة شكر، (ولهذه الأسباب وصفتُ إرجاعها الأموال للبنك بالحماقة)، بل النتيجة كانت أنهم جمَّدوا حسابها في البنك.
موظف أو موظفة، غبيّ أو غبيَّة، ربما سهواً وهو غارق في شاشة هاتفه، جعل مريم شبه مليونيرة دون استئذان من أحد، وبدلاً من معاقبة الموظف المهمل والمقصِّر أو قطع أسلاك الكمبيوتر الغبي، عاقبوا مريم، وجمَّدوا حسابها وأصبحت محل شبهة.
كثيراً ما تتساءل نفسي الأمَّارة بالسوء، لماذا لا يخطىء البنك معي أنا، ويضع في حسابي أموالاً لا تخصُّني، أو حين أسحب مئتي دولار من الصرَّاف الآلي فيعطيني 200 ألف دولار مثلاً؟ هل كنت سأحتفظ بتلك النقود رغم علمي بأنها ليست لي؟ الجواب نعم وأكيد!فهذه بضاعتنا رُدَّت لنا من الضرائب والتأمينات التي ندفعها بلا اعتراض. وإذا ألح ضميري عليَّ بالحلال والحرام، فسأحتفظ بها لأجل معلوم، إذ سوف أُبلِّغ البنك بحدوث خطأ وفي نفس الوقت آخذ راحتي في ردِّ الأموال، «وأُمَرمِر» عيشة موظفي البنك الكبار، وأقرفهم بالأسئلة التي يسألونها لمن يحتاج لقرضٍ منهم: هاتوا مستندات تثبت أنَّ هذه المبالغ فعلاً لا تخصُّني! هاتوا دليلاً على أن الموظف الذي أخطأ لم يتَعمَّد ذلك ليُدخلني في جريمة غسل أموال مافيات تهريب المخدرات أو تمويل العصابات المسلَّحة أو البرنامج النووي في كوريا الشمالية! ولازم ولا بد أن أعرف اسم الشخص الذي جرّدوه من الأموال وحولُّوها إلى حسابي، كي تتوسع القصَّة وتصير فضيحة «بجلاجل».
لماذا كل هذا؟ لأن للبنوك فنون في بهدلة عباد الله، فإذا كان بنكٌ ما يطالبك بعشرة دولارات، فهو على استعداد لإنفاق مئة دولار في المراسلات والمكالمات لتهديدك بتشويه ملفك الإئتماني (الكريديت) وسيرتك المالية.
أما –إلى المحظوظة أكثر مني– مريم، فأقول لها: أنت أغنى من البنك التعيس الذي لا يعرف أن اسمك فيه كل حروف الأمانة والقناعة، وهنيئاً لكِ القيَم الراقية التي لا تساويها كل أموال البنوك.
Leave a Reply