القاهرة – مع إقفال آخر صندوق في الاستفتاء على الدستور المصري الجديد، بات بإمكان القيادتين السياسية والعسكرية في مصر أن تمضيا في تنفيذ باقي مراحل «خريطة المستقبل» بزخم شعبي كبير، تمثل في إقبال غير مسبوق في التصويت على الاستحقاق الدستوري تجاوزت نسبته الاستحقاقات المماثلة كافة، التي أعقبت «ثورة 25 يناير» لتبلغ بحسب التقديرات الأولية أكثر من 51 بالمئة، و«نعم» مؤكدة تشير التقديرات بأنها ستصل إلى ما بين 80 و90 بالمئة، بحسب ما أظهرت بعض عينات الفرز.
وبذلك يكون الشعب المصري قد جدد الشرعية لـ«ثورته» وفتح الطريق لترشيح وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي لرئاسة البلاد، وذلك بحشود غير مسبوقة توافدت منذ ساعات الصباح الأولى إلى مراكز التصويت في اليوم الأول للاستفتاء على الدستور الجديد، في عرس وطني، اتسم بأجواء احتفالية، أظهرت ارادة للمضي قدماً في طريق التغيير، وعكست تحدّياً صارماً لجماعة «الإخوان المسلمين»، التي قابلت مظاهر الفرح التي عمّت مراكز التصويت رقصاً وغناءً ورايات وألواناً، بأعمال عنف تفاوتت بين مسيرات التهديد وأعمال الترويع وعبوات التفجير.
إقبال واسع واحتفالات
«نعم» كاسحة فـي استفتاء الدستور تمهد طريق الرئاسة للسيسي |
ويمكن للمصريين أن يواصلوا احتفالاتهم، التي بدأت مبكراً في اليوم الثاني من التصويت، وصولاً الى يوم السبت المقبل، الموعد المرتقب للإعلان الرسمي عن النتيجة النهائية للاستفتاء من قبل الهيئة العليا للانتخابات، لكي يستعدوا بعد ذلك للاستحقاق الأهم، المتمثل في انتخابات رئاسة الجمهورية، التي يتوقع أن يتخذ قرار بإجرائها قبل الانتخابات البرلمانية، والتي ستكون نتائجها رهناً بكلمة السر التي ستصدر عن القائد العام للقوات المسلحة الفريق اول عبد الفتاح السيسي، بوصفه المنتصر الأول سياسياً في استفتاء اليومين الماضيين.
وأكدت الحكومة المصرية أن المشاركة في الاستفتاء على الدستور على عموم الجمهورية تجاوزت 50 بالمئة، فيما أشارت لجنة «مراقبون بلا حدود» التابعة لمؤسسة «عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان» الى أن نسبة المشاركة في اليوم الأول لم تقل عن ٤٠ بالمئة، فيما تجاوزت 20 بالمئة خلال اليوم الثاني، ما يعني بحسب التقديرات أن نسبة التصويت المتوقعة ستتراوح بين 50 و60 بالمئة.
يُذكر أن نسبة المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في آذار (مارس) العام 2011 كانت 41 بالمئة، وقد أيد التعديلات وقتها 77 بالمئة من المشاركين. أما نسبة المشاركة في الاستفتاء على دستور العام 2012، المعروف بـ«دستور الإخوان»، فكانت 33 بالمئة، وقد وافق وقتها على الدستور 63 بالمئة من المشاركين.
وبلغت نسبة المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية (2012)، 46 بالمئة، فيما كانت نسبة المشاركة في الجولة الثانية 51 بالمئة، وقد فاز فيها مرشح «الإخوان» محمد مرسي بحصوله على 51,73 بالمئة من الأصوات أمام منافسه رئيس الوزراء الأسبق الفريق أحمد شفيق.
ويبلغ تعداد المواطنين الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء 52 مليوناً و742 ألفاً و139 ناخباً.
وبحسب نتائج الفرز الأولية، فإن نتيجة الاستفتاء تسير نحو موافقة بنسبة تتراوح بين 80 و90 بالمئة من الأصوات، خصوصاً أن غالبية المعترضين على الدستور الجديد فضلوا مقاطعة هذا الاستحقاق، وفي مقدمتهم «الإخوان» الذي فشلوا في تعطيل العملية الإنتخابية بعد جولات من المواجهات مع قوات الأمن في محافظات مختلفة.
وإذا ما تأكدت تلك الأرقام، فسيكون ما بين 17 و19 مليون مصري قد قالوا «نعم» لدستور «ثورة 30 يونيو» ضد «الإخوان»، أي ما يقترب من ضعف عدد الذين وافقوا على «دستور الإخوان» (10,6 مليون صوت). ووجّه المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد أركان حرب أحمد محمد علي رسالة شكر وتقدير للشعب المصري، «وخاصة سيدات مصر وشبابها الواعد على المشاركة الإيجابية التاريخية وتحملهم للمسؤولية الوطنية بكل رقي وتحضر». وتوجه المتحدث العسكري إلى «شعب مصر العظيم» بالقول: «من قواتكم المسلحة… تعظيم سلام وشكراً».
المواجهات مع «الإخوان»
ميدانياً، قام الفريق الأول السيسي بتفقد أحد مكاتب الاقتراع في مصر الجديدة بعد بدء التصويت لتفقد الحالة الامنية، وتحدث الى الجنود قائلاً «شدوا حيلكم، نريد تأميناً كاملاً للاستفتاء». كما تفقد كل من وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم ورئيس أركان الجيش الفريق صدقي صبحي مراكز التصويت، حيث طمأنا المواطنين الى أن القوات المسلحة والشرطة على يقظة تامة لحماية الناخبين في اللجان كافة.
وأدلى الرئيس المؤقت عدلي منصور بصوته، حيث دعا المصريين الى المشاركة بكثافة في الاستفتاء، مؤكداً أن «التصويت ليس لصالح الدستور فقط ولكن لصالح خريطة المستقبل كلها»، فيما توقع رئيس مجلس الوزراء حازم الببلاوي بعدما أدلى بصوته أن «يقبل المصريون بقوة على المشاركة ليؤكدوا أن ثورتهم تسير على الطريق الصحيح».
وجاء الاستفتاء في يومه الثاني والأخير في ظل أوضاع أمنية أهدأ من اليوم الأول لكن في المقابل جاء الإقبال بنسب أقل، لكن مراقبين عزوا ذلك الى توافد معظم الناخبين في اليوم الأول. وكانت قوات الأمن المصرية قد فرقت بالغاز المسيل للدموع أشخاصا ينتمون لجماعة «الإخوان» المحظورة حاولوا الهجوم على مراكز التصويت في ناهيا بالجيزة. وأن القضاة المشرفين على مراكز الاستفتاء قرروا إغلاق أبوابها قبل ساعتين من الموعد المحدد لأسباب أمنية، وبدأوا عملية فرز الأصوات، فيما قامت عناصر الأمن والشرطة بالانتشار في محيط وعلى أسطح المراكز لتأمين عمليات الفرز.
من جانب أخر، أعلنت مديرية أمن السويس حالة الاستنفار العام وإعادة انتشار قوات مكافحة الشغب، بعد إعلان أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي تنظيم مسيرة رافضة للدستور بشوارع المدينة.
وكانت عملية التصويت يوم الأربعاء أكثر سلمية بالمقارنة بالثلاثاء حين قتل تسعة اشخاص في اشتباكات
وألقت الشرطة القبض على 79 شخصاً على الاقل اثناء احتجاجات لمؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي . وأفادت وزارة الداخلية أن 444 شخصاً ألقي القبض عليهم بسبب عرقلة عملية الاستفتاء على مدى يومي التصويت.
الدستور الجديد.. وترشيح السيسي
ويحذف الدستور «صياغات إسلامية» ظهرت في الدستور الذي أقر قبل عام تحت حكم مرسي الذي يخضع للمحاكمة حالياً. وتعمل ايضاً على تقوية مؤسسات الدولة التي وقفت في وجه مرسي متمثلة في الجيش والشرطة والقضاء.
وبدا أن السيسي يربط بين اتخاذ قرار بشأن ترشحه للرئاسة وبين نتيجة الاستفتاء لكن محللين يقولون إن ترشحه يبدو أمراً مفروغاً منه.
وفي مراكز اقتراع كثيرة في أنحاء البلاد كان يمكن رؤية الاستفتاء كأنه تصويت على السيسي نفسه.
وتغنت الناخبات باسمه وأطلقن الزغاريد أثناء وقوفهن في طابور للتصويت في حين كانت تتردد من السيارات أغنية «تسلم الأيادي» التي تشيد بالجيش بعد عزل مرسي.
ويمثل الاستفتاء خطوة مهمة في خطة الانتقال السياسي التي وصفتها الحكومة المؤقتة بأنها طريق للديمقراطية مع استمرارها في اتخاذ اجراءات صارمة ضد جماعة «الاخوان» التي كانت أفضل حزب منظم في مصر حتى العام الماضي، قبل انهيارها السريع واعتبارها منظمة إرهابية محظورة من قبل الحكومة المصرية.
ومن المتوقع إجراء انتخابات رئاسية اعتباراً من نيسان (أبريل) المقبل. ويعتبر الاقبال المرتفع على التصويت تعبيراً قوياً عن الموافقة على النظام السياسي الجديد الذي قد يرى عودة رجال الجيش للسلطة بعدما حكموا البلاد لستة عقود حتى انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بحسني مبارك الذي أمضى ثلاثة عقود في السلطة أُنهكت خلالها مقدرات الدولة المصرية.
Leave a Reply