القضاء يبطل “قانون العزل” ويحل البرلمان.. و”الإخوان” غاضبون
القاهرة – زادت تطورات الأسبوع الماضي المشهد المصري غموضاً، ودخلت ثورتها في نفق مظلم ينذر بإدخال البلد في المجهول، فقد فجرت المحكمة الدستورية العليا في مصر، الخميس الماضي، قنبلة قانونية وسياسية مدوّية، وذلك قبل يومين من موعد الجولة الثانية والحاسمة من انتخابات الرئاسة، حيث قبلت الطعن بدستورية “قانون العزل السياسي”، وهو ما يترتب عليه بقاء الفريق أحمد شفيق في سباق الرئاسة، كما قبلت الطعن بدستورية القانون الذي أجريت على أساسه انتخابات مجلس الشعب، ما يعني عملياً حل البرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون.
وأوضحت المحكمة الدستورية العليا في حيثيات حكمها حول انتخابات مجلس الشعب، أن القانون الذي أجريت على أساسه الانتخابات شابه “عوار دستوري”، بعدما سمح للأحزاب السياسية بالمنافسة على المقاعد الفردية ومزاحمة المستقلين. وأشارت إلى أن الهدف من تخصيص الثلث للمقاعد الفردية جاء “لإيجاد تنوّع في التوجهات الفكرية والسياسية”، وإقراراً لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وقواعد العدالة.
واعتبرت المحكمة الدستورية أن “العوار الدستوري الذي أصاب النصوص المطعون فيها يمتد إلى النظام الانتخابي بكامله، سواء في ذلك نسبة الثلثين المخصصة لنظام القوائم الحزبية، أم نسبة الثلث المخصصة لنظام الفردي”.
وانتهت المحكمة إلى أن “انتخابات مجلس الشعب أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها، بما يعني أن تكوين المجلس بكامله يكون باطلاً منذ انتخابه”، لكنها شددت على أن ذلك “لا يؤدي إلى إسقاط ما أقره المجلس من قوانين، وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة، وحتى تاريخ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية، فتظل تلك القوانين والإجراءات صحيحة ونافذة، ما لم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستورياً، أو يقضى بعدم دستوريتها بحكم من المحكمة الدستورية العليا”.
أما في ما يتعلق بقانون مباشرة الحقوق السياسية، والمعروف إعلامياً بـ”قانون العزل السياسي”، فأوضحت المحكمة الدستورية العليا في قرارها أن لجنة الانتخابات الرئاسية تعد من الهيئات ذات الاختصاص القضائي التي قصدها المشرع في نص المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا، حيث يتوافر لها المعيار الشكلي، باعتبارها كذلك جهة قضائية، ما يستتبع قبول تقديم الطعن المحال إلى المحكمة الدستورية من قبلها من حيث الشكل.
وأضافت إن “النص المطعون فيه تضمّن حرماناً لفئة من المواطنين من مباشرة حقوقهم السياسية استناداً إلى توليهم المناصب الواردة فيه قبل تاريخ تنحي حسني مبارك بعشر سنوات، وحصر تلك المناصب في وظائف معينة دون غيرهم ممن شغلوا المناصب ذاتها خلال مدة سابقة للسنوات العشرة المحددة فيه، وبذلك يكون (القانون) قد تضمن تميزاً تحكيمياً لا يستند إلى أسس موضوعية تبرره، فضلاً عن تبنيه تقسيماً تشريعياً بين المواطنين لا يستند إلى أسس ومقاييس منطقية”. وتابعت المحكمة أن قانون العزل “استحدث عقوبة الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية عن وقائع سابقة على صدوره، وذلك يعد مخالفة لقاعدة عدم رجعية العقوبات، فضلاً عن كونه أنشأ قرينة قانونية فرض عليها جزاء من دون حكم قضائي أو بعد محاكمة يكفل فيها حق الدفاع”.
تداعيات قانونية وسياسية
وفيما يبدو تفسير قبول الطعن بالنسبة لقانون العزل السياسي واضحاً، لجهة بقاء الفريق أحمد شفيق في سباق الرئاسة، فإن الطعن بدستورية قانون انتخابات مجلس الشعب قد أثار جدلاً حاداً وتخبطاً كبيراً حول طريقة تطبيقه، وتداعياته القانونية والسياسية.
وفيما نقلت وسائل إعلام مصرية عن “مصدر عسكري” قوله إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يستعدّ لإصدار قرار بحل البرلمان، أكد خبراء قانونيون أن الحكم الصادر بحل مجلس الشعب لا يعطي المجلس العسكري الحق في إصدار إعلان دستوري مكمل، لأنه فقد هذا الحق بعد تشكيل مجلس الشعب.
ومن المرجح أن يؤدي حل مجلس الشعب الى إسقاط اللجنة التأسيسية للدستور أيضاً.
وتولى المجلس العسكري السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد فور إسقاط مبارك في 11 شباط (فبراير) 2011، لكنه سلم السلطة التشريعية لمجلس الشعب عقب انتخابه مطلع العام الجاري، وبعد حكم المحكمة الدستورية ببطلان الانتخابات التشريعية ستعود السلطة التشريعية مرة أخرى إلى المجلس العسكري حتى يتم إجراء انتخابات جديدة، تفادياً للفراغ الدستوري.
الإسلاميون غاضبون
سياسياً، هدد مرشح “الإخوان المسلمين” للانتخابات الرئاسية المصرية محمد مرسي بثورة عارمة إذا حدث تزوير في جولة الإعادة. وأكد مرسي في كلمة لم تخلو من الشعارات والحماس أنه “لا مجال لعودة نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي أفسد مصر”، والذي كان شفيق آخر رئيس حكومة له.
وشدد مرسي، في مؤتمر صحفي عقده في ختام حملته الانتخابية، على أن الثورة المصرية مستمرة، وأن الشعب سيكمل مسيرتها ولن يسمح بعودة رموز نظام مبارك الفاسد، وأن “الشرعية الشعبية فوق كل شرعية”، و”إرادة الشعب فوق كل القوانين وفوق الأحكام والدستور”.
وأضاف أن مستقبل الثورات العربية مرهون بموقف المصريين من مرشح ثورتهم، قائلا إن “مهمتي الأولى إعادة محاكمة مبارك ورموز نظامه”.
وأشار إلى أن الأحكام التي صدرت وقرار وزير العدل بمنح ضباط الجيش سلطة الضبطية القضائية وحكم الدستورية، كلها تؤكد محاولة التآمر على إرادة الشعب. وتابع مرسي “سأمضي مع المصريين لاستكمال الثورة وأهدافها والقضاء على أعوان مبارك”، مؤكدا أنه “سيدفع حياته ثمنا لحرية الشعب وأمام أي محاولة لتزوير رأي الشعب. وشدد على ضرورة المضي نحو صناديق الاقتراع، مؤكدا أن السلطة ستنتقل بذلك من العسكري إلى النظام المدني خلال ساعات.
أما من ناحية شفيق، فقد شدد في حملته الانتخابية على ضرورة مواجهة مرشح “الإخوان” والمتاجرين بالدين مؤكدة على مدنية المجتمع والدولة في مصر.
الانتخابات في موعدها
من جانبه، أكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد أن جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة المقررة يوميْ السبت والأحد المقبلين ستجرى في موعدها.
ودعا المجلس المواطنين إلى “المشاركة بإيجابية في الانتخابات، واختيار مرشحهم الذي يرونه الأنسب لقيادة مصر”. وكان المجلس العسكري قد عقد اجتماعا برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي لبحث تطورات الأوضاع في ضوء أحكام المحكمة الدستورية العليا وخاصة فيما يتعلق بحل مجلس الشعب، وتأثير ذلك الحُكم على تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور.
Leave a Reply