بقلم خليل اسماعيل رمّال
تمخَّضَ جبل مجلس نوائب بلد الخربة فولَد …حرامية!
المجلس التابع لجمعية المصارف مصاصة دماء الشعب والتي تبلغ أرباحها المعلنة (لا المستترة مع باقي المسروقات والرشاوى) ١,٧ مليار دولار سنوياً، كان قمة مهازل الديمقراطية التشريعية في العالم عندما ماطل وسوَّف وكذَّب على هيئة التنسيق النقابية والشعب الفقير طيلة ثلاث سنوات لكي يحرم الموظفين والمعلِّمين والمتعاقدين والعسكريين من حقوقهم المشروعة في العيش الكريم، وارتأى أنْ يبحث سلسلة الرتب والرواتب في ربع الساعة الأخير قبل أنْ يتحول وينتقل شبه الوطن إلى «الكوما السياسية» واحتمال الفراغ لعدم الاتفاق على رئيس جديد لبرج بعبدا المائل وبالتالي يصبح البرلمان على شاكلة المخلوق «فرانكشتاين» ويتحول إلى «هيئة ناخبة» لا تشريعية بعد ٢٥ أيار خصوصاً بعد تأجيل الجلسة إلى ٢٧ الشهر. أي أنَّ السلسلة أصبحت بمؤامرة نيابية في مهب الريح إذا لم يتم انتخاب رئيس ولكن حتى لو حدثت المعجزة الانتخابية فانَّ بلد العجائب سيكون مشغولاً بتشكيل حكومة قد تستغرق سنة أخرى ولا يُستبعد أنْ يربط النوَّاب الكرام السلسلة بالتفاهم الإيراني السعودي وحتى الإتفاق النووي الإيراني الغربي!
كان أمام النوَّاب كل هذه السنوات التي تكفي لبناء بلد بأكمله لكنهم ماطلوا حتى آخر لحظة ونقلوا السلسلة من لجنة إلى أختها من دون طائل وكان وجودهم في البرلمان بلا غلَّة رغم الرواتب الهائلة التي يقبضونها من جيوب الشعب، لأنَّ لا أحد يملك الجرأة والشجاعة للتحرُّر من سلطة وحوش المال والمافيات المصرفية والعقارية الفاسدة المتحكِّمة بالبلد. ولكن المهزلة الكبرى كانت عندما أمضى النواب يوماً ماراثونياً من دون نتيجة بل ناقشوا أموراً أُشبعتْ بحثاً وتمحيصاً في مقابر اللجان وعادوا إلى الوراء وزادوا مواداً سقطتْ سابقاً ولم يتجرَّأوا على لمس مافيا الأملاك البحرية والنهرية والعقارية والفساد والأرباح المصرفية، أي أنهم كانوا في واد والنّاس في وادٍ آخر وأثبتوا للمرة المليون أنَّ مشاعرهم وأحاسيسهم ليست مع نبض الشارع والفقراء والعمال الذين يسيِّرون البلد السائب. ولم يكن مستغرباً أنْ يقف نواب المقاومة لوحدهم من بين النوَّاب مع المتظاهرين رافضين مشروع جورج عدوان العدواني ضد حقوق الموظفين والمعلمين والذي يمنع العدالة الضريبية في وطن اللاعدالة والفساد.
أما المهزلة الأكبر من الأولى فكانت عندما شُغِل النوائب بالإهانة التي وجَّهها عضو هيئة التنسيق النقابية حنَّا غريب الذي سمَّاهم «حرامية لا رأسماليين» في كلمة سابقة له فأرغموه على الإعتذار ولو بشكل عام غير مخصَّص والتوضيح لاحقاً أنه قصد حيتان المال بالحرامية لا النوَّاب مؤكِّداً عدم إهانة كرامة أحد وهذا لم يستقم مع المتظاهرين الذي عبروا طوائفهم الضيقة وانصهروا لأول مرة في حركة مطلبية وطنية شاملة أدَّت إلى ولادة حركة «١٤ أيار النقابية». كما اشتعلَتْ صفحات التواصل الاجتماعي غضباً على إهانة وابتزاز النوائب للحركة النقابية وردوا بهاشتاغ «حرامية ونص» سرى كالنار في الهشيم. لقد اكتسب حنَّا غريب وتبوأ قيادة الحركة المطلبية عن جدارة وبلا منازع مما يذكِّرني بنقابي سابق قلب نظام الحكم في بلاده وخرج من صفوف عمال صناعة السفن في بولندا ليصبح اول رئيس لبلاده الحرَّة وهو ليش فاليسا. إلا أنَّ حنَّا للأسف سيبقى غريباً عن حكم بلد غريب الأطوار ولو كان كفؤاً أكثر من المتنطِّعين اليوم للحكم، بسبب مذهبه. لنطلع من هذا التخلُّف في البلد المعاق الذي يدَّعي الديمقراطية والذي لن تقع فيه ثورة حقيقية لأنَّها دائماً تتلوَّن طائفياً وليُنتخب الرئيس من الشعب مباشرة وليأتي من يفوز بإرادة الناس مهما كان مذهبه.
الحق يقال أنَّ هكذا مجلس جرصة بين البرلمانات في العالم يستحق التوبيخ وأكثر من ذلك فهو مشلول الإرادة لا يستطيع إنتخاب رئيس منتظراً أوامر الخارج، ولا يشرِّع لصالح المواطنين والطبقات الفقيرة والمُعدمة بينما النوَّاب يتنعَّمون مع عوائلهم وأولادهم بالشقق الفسيحة والسيارات الفارهة والمدارس الخاصَّة والوظائف والرحلات السياحية والتقديمات المالية المعلنة والمستترة والهدايا القيِّمة والتسهيلات الإجتماعية من دون وجه حق أو من دون استحقاق. هذا البرلمان ما نفعه؟ هو شبيه لكيان فارغ لا يستحق الحياة لأنَّه بلا كرامة ولأنه ممر ومستقر للإستعمار ومازال حتى اليوم بدليل وقوفه مكتوف اليدين أمام إنتهاك المحكمة الإسرائيلية في لاهاي لحرمته وسيادته واستقلاله عبر تخطِّي صلاحيتها في الكشف عن قتلة رفيق الحريري إلى معاقبة الإعلام الوطني الشريف المتمثِّل بجريدة «الأخبار» وقناة «الجديد» وربَّما مقاضاة الناس العاديين مستقبلاً من دون أنْ تحرِّك القوى التي تدَّعي الحرية والديمقراطية وتساند «ثوار» سوريا، ساكناً في حين تترك الدولة اللبنانية المسلوبة الإرادة هذه المحكمة تتحكّم بكل مفاصلها رغم عدم شرعيتها ورغم معارضة نصف اللبنانيين لأهدافها المريبة. لو كان مجلس النوَّاب يحمل ذرةً من الشرف والعنفوان لعقد جلسة خاصة للتصدِّي للمحكمة التي تحاكم الإعلام الوطني لتجعل منه أمثولة تربّي فيها كل الإعلام (لا الإعلام الغربي طبعاً) بتهمة تحقير المحكمة وهي تهمة باطلة أساساً لأنها محكمة حقيرة أصلاً وبكل المقاييس والمعايير وتستأهل كل تحقير!
لكن الأكثر حقارةً هو بيان منظمة »إعلاميون ضد العنف» في جريدة «النهار» المتهالكة، وهو يرفع الصوت للدفاع عن الإعلامية الخائنة حنين غدّْار التي وقفت في واشنطن جنباً إلى جنب مع المجرم إيهود باراك وتفوَّقتْ عليه بالعداء والعنصرية ضد المقاومة وسوريا وإيران مما استدعى عائلتها في لبنان إلى التبرؤ منها ومن مواقفها الشائنة الغادرة ولم يهدِّدوها إلا بالتنصل منها. لكن هذه المنظمة لم تحرك ساكناً في قضية كم الأفواه الإعلامية اللبنانية من قبل المحكمة «الميليسية» المرتشية.
ولا يكتمل المشهد من دون وزير الاعلام رمزي جريج الذي هو عارٌ على الإعلام الحر بسبب تخاذله مع دولته في نصرة الحرية والإعلام من نير المحكمة الاستعمارية الجديدة. وقد نسي هؤلاء الشتامون الشامتون عندما وقف الجميع من «٨ آذار» بوجه مذكرات التوقيف السورية بحق جماعة قرطة حنيكر بسبب مشاركتهم في الدماء السورية!
لقد حان الوقت للتخلُّص من أدران المحكمة الدولية وانتخاب رئيس يقدر التضحيات ويقف في وجه التحديات وبما أننا نقترب من ذكرى التحرير فأنا أؤيد إعلان عيد الاستقلال في ٢٥ أيار لأنَّ ٢٢ تشرين الثاني كان أكذوبة تاريخية وخلَّف شبه وطن مشوَّه خلقياً وسياسياً وإدارياً ومنتجٍ لحروبٍ أهلية كل عقدٍ من الزمن!
Leave a Reply