أجرى الحوار: وفيقة إسماعيل
هو ابن القدس وحارسها. في ملامحه، ترى قداسة المسيح وصدق محمد وإخلاص إبراهيم. إنه مطران القدس وسبسطيا للروم الأرثوذكس عطا الله حنا. مجموعة من الأسئلة توجهنا بها إلى سيادته بمناسبة هبة الشعب الفلسطيني بوجه الاحتلال وتهويد القدس، فكان الحوار التالي:
• هل كنتم تتوقعون حدوث هذه الهبة اليوم في مدن الداخل المحتل بالنظر إلى السياق العام للأمور؟ وكيف تقيّمون الوضع الآن؟ هل يمكن أن تتدحرج الأمور باتجاه حرب شاملة؟
– لطالما كان شعبنا الفلسطيني منتفضاً وثائراً على الظلم والقمع والاحتلال والاستبداد، واليوم تتجلى الوحدة الوطنية بأبهى صورها، حيث إن المسلمين والمسيحيين يقفون معاً في خندق واحد للدفاع عن القدس ومقدساتها.
أما بالنسبة إلى تطور الأمور فنحن لا يمكننا معرفة ذلك، وإلى أين نحن ذاهبون، ولكن ما نعرفه جيداً هو أن شعبنا لن يرفع راية الاستسلام وأننا ماضون في كفاحنا ودفاعنا ونضالنا حتى تحقيق تطلعات شعبنا الوطنية كافة، وتحرير القدس وفلسطين، وتحقيق حق العودة، هذا الحق المقدس الذي لا يسقط بالتقادم. الفلسطينيون هم أصحاب قضية عادلة ويرفضون التخلي عن قضيتهم ويرفضون التنازل عن حبة تراب من ثرى فلسطين والقدس كانت وستبقى عاصمة لها.
• من موقعكم ككنيسة أرثوذكسية هل تدعمون هذه الهبّة وتتضامنون معها؟
– عندما نتحدث عن فلسطين وعن القضية الفلسطينية إنما نتحدث عن شعب فلسطيني واحد، صحيح أن هناك أحزاباً، وأن هناك مسلمين ومسيحيين لكننا جميعاً ننتمي إلى قضية واحدة، ونشكل شعباً واحداً، وبالتالي نحن لسنا فقط متضامنين مع أولئك الذين يدافعون ويكافحون من أجل القدس، بل نحن جزء من هذا الكفاح ومن هذا النضال لأن القدس هي عاصمتنا جميعاً وكلنا ننتمي إليها. المسيحيون الفلسطينيون ليسوا متضامنين فحسب، قد يكون هناك متضامنون أجانب، أما المسيحيون الفلسطينيون، وأنا واحد منهم، يمثلون مكوناً أساسياً من مكونات الشعب الفلسطيني، وهذه القضية هي قضيتنا ونحن نتمنى أن يتوحد الجميع، كل من موقعه الفصائلي والسياسي والحزبي، من أجل تحقيق ما يصبو إليه شعبنا الفلسطيني من حرية وكرامة واستقلال. إذاً، يجب أن نوضح لمن يهمه الأمر، بأن المسيحيين في هذه الديار ليسوا طائفة أو أقلية أو جالية أو بضاعة مستوردة من هنا أو من هناك، نحن أصيلون في انتمائنا لأمتنا ومشرقنا ولفلسطين بشكل خاص، التي هي قضيتنا. نحن نعيد هذه الأيام عيد القيامة، وعيد القيامة تمّ في هذه الأرض المقدسة، ففلسطين، والقدس تحديداً، هي مهد المسيحية، وبالتالي عندما نتحدث عنها فنحن نتحدث عن أرض مقدسة في الديانات، والقدس مدينة مقدسة مباركة، تحتضن الأقصى والقيامة. نعود ونؤكد أن نضالنا هو نضال واحد من أجل الوصول إلى الهدف الذي نصبو إليه وهو الحرية والانعتاق من الاحتلال وعودة الحقوق السليبة كاملة إلى أصحابها.
• هل تراهنون عليها؟
– نحن نراهن على شعبنا الفلسطيني في الدرجة الأولى وعلى بسالته وصموده ووحدته ورباطه ونضاله وكفاحه من أجل أنبل وأعدل قضية عرفها التاريخ الإنساني الحديث.
نحن في فلسطين، في القدس تحديداً، لا نملك سلاحاً ولا جيشاً ولا مناجم ذهب، ولا نفطاً ولا ثروات طبيعية، ما نملكه هو الانتماء إلى هذه الأرض والإنسان الفلسطيني المتشبث بحقه وبأرضه ووطنه، والذي هو أهم من كل تلك الأشياء، ولذلك أنا أود أن أطمئن كل الذين يتابعوننا الآن بأن فلسطين ذاهبة نحو الخير ونحو الحرية، قد يحتاج هذا الأمر إلى الوقت والمزيد من التضحيات والجهد، ولكننا نعلم جيداً ونحن على يقين بأن يوم الحرية والكرامة والتحرير ودحر الاحتلال آت لا محالة، كل ظلم في هذا العالم وكل استعمار له بدايته وله نهايته. ما نمرّ به كفلسطينيين من ظلم بدأ مع وعد بلفور مروراً بالنكبة والنكسة حتى اليوم، كل هذا مآله إلى الزوال ولا يمكن لهذا الظلم التاريخي الذي حل بشعبنا الفلسطيني أن يبقى ويستمر. أحيّي شهداءنا الأبرار الذين ارتقوا في هذه الأيام وقدموا دماءهم الزكية من أجل فلسطين في القدس وغزة وفي كل مكان، نحيّي أبطالنا فرسان فلسطين الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الذين ضحّوا بحريتهم من أجل حرية الوطن. شعب فيه أسرى وفيه شهداء وفيه مناضلون وأحرار وشبان مرابطون يتصدون بوسائلهم المتواضعة، للاحتلال في القدس ويفشلون مخططاته، شعب لن يموت، وقضيته لن تموت، هي قضية حية لشعب حي، سوف ينال حريته عاجلاً أو آجلاً.
• ما المطلوب من قوى المحور الداعمة للمقاومة في فلسطين في هذه اللحظة التاريخية بالذات؟ مزيد من الدعم غير المباشر أم أنتم مع فتح الجبهات لإنجاز تحرير كامل الأراضي المقدسة؟
– نحن نعتقد أن القضية الفلسطينية هي ليست فقط قضية الفلسطينيين وحدهم وإن كانت كذلك في الدرجة الأولى، لأنهم هم الذين نُكبوا وشُرّدوا. هي قضية كل الأحرار من أبناء أمتنا العربية، وبالتالي أنا أود أن أوجه ندائي إلى أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج وإلى المسلمين في كل مكان وإلى المسيحيين بضرورة أن يكونوا مع فلسطين ومع القدس، فمن تآمر عليهما هو نفسه من تآمر على الأمة العربية وعلى أقطارنا العربية الشقيقة، يجب أن نتوحد جميعاً، وأن نكون على قلب رجل واحد، وفي خندق واحد، دفاعاً عن فلسطين والقدس. أقول للعرب عندما تدافعون عن فلسطين والقدس فأنتم تدافعون عن أنفسكم وعن عواصمكم لأن من يستهدفنا يستهدفكم، ومن يتآمر علينا يتآمر عليكم فمن واجبنا أن نكون موحدين، أما الذين انحرفت بوصلتهم والذين ارتموا في الأحضان المعادية، صحيح أنهم موجودون، لكنهم قلّة، ونحن متأكدون من أن غالبية العرب هم مع فلسطين والقدس وقضيتهما العادلة والمحقة.
• ما هو دور الإعلام في هذه اللحظة التاريخية؟
– أعتقد بأن وسائل الإعلام يجب أن تقوم بدورها ليس فقط في مخاطبة العرب بل في مخاطبة كل شعوب العالم. قضيتنا قضية عادلة، بل هي القضية الأعدل. اللوبي الصهيوني يملك الكثير من وسائل الإعلام في العالم، والتي يحاول من خلالها قلب الحقائق وتزويرها، وحوّلنا كفلسطينيين من ضحية للإرهاب إلى إرهابيين، نحن ضحية الإرهاب الذي مُورس بحقنا منذ وعد بلفور وحتى اليوم، وبالتالي، ونحن في كنائسنا نخاطب كنائس العالم وشعوبه كلها، ونطمح إلى ما هو أكثر من ذلك، أتمنى من وسائل الإعلام العربية أيضاً أن يكون لديها اهتمام بمخاطبة شعوب العالم بكل اللغات الحية، لكي نوصل الرسالة الحقيقية والخبر الصحيح والمعلومة الدقيقة إلى كل الشعوب لكي يقفوا إلى جانبنا.
نبذة عن المطران عطالله حنا
ولد سيادة المطران عطا الله حنا في بلدة الرامة بتاريخ 6/11/1965 في الجليل الأعلى. بعد إنهائه دراسته الثانوية التحق بالمعهد الإكليركي الأرثوذكسي في القدس ليغادر لاحقاً إلى اليونان حيث تخرج من كلية اللاهوت بامتياز عام 1990 وعاد بعدها إلى القدس حيث رسم كاهناً ومنح رتبة أرشمندريت. عمل 9 سنوات في إعداد المعلمين العرب في مدينة حيفا. خدم كاهناً في القدس وواعظاً في كنائس االبطريركية. جال مدافعاً عن القضية الفلسطينية في المحافل كافة وكان له أكثر من زيارة إلى ولاية ميشيغن. جرى تكريم المطران حنا في فلسطين وفي عدة دول عربية وعالمية. صاحب دور بارز في الحوار الإسلامي المسيحي. عام 2005 انتخب بالإجماع مطراناً ورئيساً لأساقفة سبسسطية للروم الأرثوذكس واحتفل برسامته وتنصيبه في كنيسة القيامة في القدس بتاريخ 24/12/2005.
لم يترك القدس أبداً وهو الذي يقول دائماً بأننا سنكون في القدس بأجسادنا كما القدس ساكنة في قلوبنا.
Leave a Reply