ستيفن مارتن – «صدى الوطن»
رغم التغيرات الهائلة التي شهدتها منطقة جنوب ديربورن –أو ما يعرف بالـ«ساوث أند»– خلال العقود الخمسة الأخيرة، ما يزال مطعم «رومان فيلدج» (القرية الرومانية) المملوك لعائلة إيطالية أميركية، مستمراً بنجاح في المنطقة التي يشكل العرب الأميركيون الأغلبية الساحقة من سكانها منذ عقود طويلة.
تعود ملكية المطعم الإيطالي الذي يقع بالقرب من أول مسجد بُني في ميشيغن، على شارع ديكس، إلى أربعة أشقاء ورثوا المصلحة عن والديهم، أنطونيو فرانسيسكو روجيرو وإنريكا سانتيوني، اللذين افتتحا المطعم في العام 1964.
لقد عزا روبرت روجيرو، أحد الأشقاء الأربعة، قدرة المطعم على الصمود والاستمرار، رغم كل ما طرأ من تحولات ديموغرافية وتجارية على المنطقة، إلى التشابه الثقافي بين المكونات والشرائح السكانية التي قطنت منطقة الـ«ساوث أند» على مر السنين، وقال «ثقافاتنا ليست مختلفة كثيراً، وكذلك أدياننا.. حين تبسّطها إلى الأساسيات»، واصفاً سكان الجوار بأنهم «جيراننا»، و«علاقاتنا مع بعضنا البعض في غاية الانسجام».
وأشار إلى أنه حين كان طفلاً في أواسط ثمانينات القرن الماضي، بدأ يلاحظ قدوم المزيد من العرب الأميركيين إلى ديربورن، مشدداً على أن «رومان فيلدج» منذ افتتاحه في 1964 يستقبل زبائنه من جميع الخلفيات، من الإيطاليين والبولنديين واليونانيين واللاتينيين، إضافة إلى العرب الأميركيين الذين باتوا زبائن أساسيين للمطعم اليوم. «فعندما يُعامل الناس باحترام، يكونون أكثر ميلاً للعودة»، يقول روبرت.
وعندما سئل عما إذا كان العرب الأميركيون يفضلون مطعمه، أكد –والابتسامه تعلو وجهه– أن الجميع يرتادون المطعم وأنهم «يثقون بنا حين نخبرهم بأن الطعام الذي يطلبونه لا يلمسه لحم الخنزير»، وقال «كل شيء يُبنى على الثقة.. ونحن نقدم نوعية جيدة من الطعام بأسعار مناسبة، وأجواء المطعم جيدة ومريحة».
أضاف «إنه لشرف عظيم لنا، أن يختار الكثير من العرب الأميركيين مطعمنا لتناول وجبات الإفطار في رمضان»، مؤكداً «أن المكان في تلك الأوقات يزدحم بالزبائن».
وأكد روبرت أن عائلته تحترم جميع الثقافات والأديان كما أنها تدرب العاملين في المطعم على ضرورة احترام الرواد بغض النظر عن معتقداتهم وخلفياتهم، وقال «مع أن مطعمنا لا يعلن أنه يقدم اللحوم الحلال، ولكن الموظفين يبذلون قصارى جهدهم لتلبية احتياجات الزبائن، فهم يستخدمون ثلاثة سكاكين مختلفة في التقطيع، واحدة للحم الخنزير، وثانية للحوم الأخرى، وثالثة لتقطيع الخبز».
العرب يحبون الطعام الإيطالي
من جانبه، أكد مدير المطعم أمين محمود أن «شعبية المطعم الإيطالي في المجتمع العربي الأميركي تتبدى بوضوح خلال شهر رمضان». وأضاف محمود الذي بدأ عمله في المطعم عام 1993 كعامل تنظيفات أن الزبائن العرب يحبون منتجات «رومان فيلدج» من البيتزا والأطباق البحرية، ويفضلون «الرانش» على نحو خاص، مضيفاً «في رمضان نستهلك يومياً خمسة غالونات من الرانش المصنوع منزلياً».
محمود، وهو ابن لمهاجرين فلسطينيين يعيشان في منطقة ديكس منذ 1970، أشار إلى حبّه للطعام الإيطالي، مفيداً بأن والدته كانت على الدوام تعد له ولأخوته الأربعة السباغيتي، أما تجربته الثانية مع الوجبات الإيطالية فقد كانت في مطعم «رومان فيلدج» القريب من منزل طفولته، مؤكداً «هكذا استمر مهرجان الحب»!
ووصف الطعام الإيطالي بالطيب وقال «إنه يُشبع.. وبكل صراحة هو يُصنع بحب»، مشيراً إلى أن جميع أفراد عائلة روجيرو مشهود لهم بخبرتهم بفنون الطبخ.
أما إيمو طنانة الذي يعمل نادلاً في المطعم منذ 16 عاماً، فقد وصف الطعام بأنه «عظيم»، لافتاً إلى أن الرانش الخاص بالمطعم هو «الأفضل والأكثر شعبية».
وأكد أن عائلته التي هاجرت من لبنان إلى أميركا منذ 1983 يحبون بشكل خاص طلب أطباق «رومان فيلدج»، «المطعم الإيطالي الوحيد في منطقة الساوث أند».
ينحدر أنطونيو فرانسيسكو روجيرو من منطقة كالابريا في إيطاليا، فيما تنحدر زوجته من منطقة بيروجيا، وقد تقابلا للمرة الأولى في مطعم «جو للبيتزا»، وهو نفس المطعم الذي اشترياه فيما بعد وحولاه إلى مطعم «رومان فيلدج».
إرث مستمر
ولسنوات عديدة كان الأبناء يعتقدون أن والدهم يسرد لهم قصة خرافية عن كيفية شرائه للمطعم من صاحبه السابق، جو، حيث كتب عقد البيع –الذي انتهى بالمصافحة– بخط اليد على إحدى التسميكات العازلة التي توضع تحت الأواني الساخنة.
وقال باتريك –وهو أكبر أبناء أنطونيو– إنهم وجدوا تلك «التسميكة» بين ممتلكات والدهم بعد وفاته، وأكد لـ«صدى الوطن» أن عقد البيع ذاك «مبروظ» ومعلق على أحد جدران المطعم إلى جانب مجموعة متنوعة من صور العائلة، إضافة إلى صورتين للرئيسين الأميركيين الأسبقين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش اللذين زارا المطعم.
وأشار إلى أن عائلة روجيرو افتتحت في مدينة كانتون عام 2006 مطعماً حمل اسم والدهم، «أنطونيو» تكريماً له، مضيفاً «لقد قال والدي حينها.. لا أصدق كم من الوثائق قد تم توقيعها من أجل الحصول على القرض.. أنا لم أفعل أي شيء من هذا القبيل عندما اشتريت المطعم قبل 40 عاماً».
وكان الأب قد توفي في 2008 بسبب معاناته من قصور قلبي بعد 30 عاماً من إصابته بمرض السكري، وهو جعل أفراد عائلته يواظبون على جمع التبرعات لمرضى السكري حتى اليوم.
وتتألف عائلة روجيرو اليوم من أربعة أخوة و13 حفيداً، إضافة للجدة إنريكا التي وصفها ابنها باتريك بأنها «رأس العائلة»، وقال «أمي.. هي المعلّمة، وهي ما تزال تعمل لساعات طويلة في صنع معجنات الـ«غنوشي» وكرات اللحم والباستا».
أضاف: «إنها تقوم بهذا العمل في نفس المكان الذي بدأت العمل فيه كنادلة بعيد هجرتها إلى أميركا، حيث قابلت زوجها في هذا المطعم، منذ أكثر من 50 عاماً، واحتفلا فيه بعيد زواجهما على مدار الأعوام».
حالياً، يدير الأخوة الأربعة وأمهم مطعم «رومان فيلدج» في منطقة الـ«ساوث أند»، إضافة إلى فروع أخرى حملت اسم الأب الراحل، «أنطونيو»، في مدن ديربورن وديربورن هايتس وكانتون، وقريباً في مدينة ليفونيا حيث يتم التحضير لافتتاح فرع جديد.
Leave a Reply