مع تراجع وتيرة الاحتجاجات السلمية وفشل الضغوط الدبلوماسية
دمشق – مع تراجع وتيرة التحركات الاحتجاجية في الداخل السوري وانحسارها في بؤر محدودة، وانكشاف مدى تضعضع المعارضين لنظام دمشق، بين مؤيد للتدخل الأجنبي ورافض له، تواصل قوى الجيش والأمن السوريين حملتها في قمع ما تصفها بـ”المجموعات الإرهابية” لاسيما في محافظة حمص التي أصبحت منذ أسابيع أكثر النقاط سخونة على الخارطة السورية.
أما على مستوى الضغوط الخارجية، لا تزال سوريا، مدعومة بمواقف دول عدة، أبرزها روسيا والصين، قادرة على تفادي أي قرار دولي يدينها، مضعفة بذلك “الهجمة العالمية” علىها، ما دفع بعض الأطراف الى البحث جدياً بسبل الخروج من خانة الموقف المعادي للنظام. ولكن العقوبات المفروضة على البلاد من قبل الاتحاد الأوروبي وأميركا دفعت دمشق الى وقف الاستيراد في خطوة تهدف الى الحفاظ على العملات الأجنبية داخل البلاد، لكن هذه، وحسب المراقبين، قد تولد شقاً بين دمشق والاقتصاديين السوريين الذين ما زالوا يحافظون على ولائهم للنظام.
من جهة أخرى، تبادلت واشنطن ودمشق، الخميس الماضي الانتقادات، حيث نددت الأولى بـ”ترهيب” دبلوماسييها، على خلفية رشق السفير الاميركي لدى سوريا بالحجارة والبيض، فيما اتهمت الثانية الاميركيين بدعم “المجموعات المسلحة” في البلاد. وبينما كانت المواجهات تشتد بين الجيش السوري ومسلحين في منطقة الرستن، أعلن الكاتب المعارض ميشيل كيلو أن معارضي الداخل لا ينوون الانضمام إلى “المجلس الوطني السوري” الذي أعلن تأسيسه في اسطنبول لان هذه الهيئة منفتحة على فكرة “التدخل الأجنبي”.
وأفاد مسؤولون سوريون ودبلوماسيون، أن تركيا اقترحت في أكثر من مناسبة على السلطات السورية إشراك جماعة “الإخوان المسلمين” في الحكومة، مقابل دعمهم لوقف حركة الاحتجاج، إلا أن السلطات السورية رفضت، أي دور للجماعة في سوريا سواء الآن أو مستقبلا، بسبب طبيعة النظام العلماني للبلد ورفضها القاطع في الدخول في تقسيم المجتمع على المستوى الطائفي والديني.
وشدد وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي خلال لقائه نظيره التركي احمد داود اوغلو، في نيويورك، على رفض أي تدخل أجنبي في الشأن الداخلي السوري، محذرا من أنه إذا ما لم تستقر الأوضاع في سوريا فسوف يؤثر ذلك بشكل سلبي على الاستقرار والأمن في المنطقة.
انقسام في المعارضة
وفي سياق آخر، قال كيلو، في مقابلة في منزله في دمشق، ان “المعارضين المجتمعين في المجلس الوطني يؤيدون تدخلا أجنبيا لحل الأزمة في سوريا بينما المعارضون في الداخل هم ضد” هذا التدخل. وأضاف “اذا قبلت فكرة التدخل الاجنبي فسنذهب باتجاه سوريا موالية لأميركا وليس باتجاه دولة حرة وتتمتع بالسيادة”، موضحا ان “طلب تدخل أجنبي سيفاقم المشكلة لان سوريا ستدخل في عنف مسلح والطائفية، ونحن في الداخل نعارض العنف والطائفية والسلاح”.
وتراجع المعارضة الداخلية موقفها بشأن العلاقة مع الأستاذ في جامعة “السوربون” الفرنسية برهان غليون الذي كلف بتنسيق عمل “المجلس الوطني” وترؤسه، بسبب موقفه من التدخل الخارجي في الشأن السوري.
وقال كيلو انه “إذا قرر المتظاهرون أن يتسلحوا، فهناك خشية كبيرة من ان تفلت الامور من ايدي الجميع وتتجه سوريا الى اقتتال طائفي او اهلي”، مشيرا الى ان “الجميع يخسر في هذه الحالة”. واضاف ان “النظام يطبق منذ البداية خطة تقضي بالضغط على الحراك الشعبي لدفعه الى التطرف وحمل السلاح. والحراك السلمي والمدني لا يناسبه. يفضل حراكا مسلحا على صلة بالتطرف الاسلامي”. وتابع “اليوم هناك فكرة مطروحة هي التظاهرات السلمية، انما المحمية بالسلاح من قبل المتظاهرين او من قبل الجنود الفارين حسب المناطق”.
وتضم اللجنة الوطنية للتغيير الديموقراطي المعارضة، التي اجتمعت في 17 أيلول قرب دمشق، أحزابا “قومية عربية” وأكرادا واشتراكيين وماركسيين وشخصيات مستقلة مثل ميشيل كيلو والاقتصادي عارف دليلة. وانتخبت اللجنة مجلسا مركزيا يضم 80 عضوا، 25 بالمئة منهم من “الشباب الثوريين” الذين أطلقوا الحركة الاحتجاجية.
الرستن
وفي سياق مختلف، تستمر حالة المواجهة المسلحة في الرستن بين قوى الجيش و”مجموعات مسلحة” (تقول بعض التقارير أنها تتشكل من منشقين عن الجيش السوري). وتشكل الرستن منطقة التواجد الأكبر للمسلحين، وأن معالجتها ستستهلك وقتا وفقا لتقديرات أمنية بسبب الخوف من الكلفة البشرية من جهة ووضع المنطقة الجغرافي من جهة أخرى. ونفى مصدر عسكري أن تكون الرستن تعرضت لقصف بالطائرات والدبابات وفقا لما أوردته قناة “الجزيرة” التي تواصل حملتها التحريضية على سوريا، مشيرا إلى أن مقاومة عنيفة حصلت في تلك المنطقة باستخدام أسلحة مضادة للدروع، وتسببت باستشهاد عدد كبير من عناصر الجيش. وقالت “لجان التنسيق المحلية”، في بيان، إن “القوات السورية قتلت ما لا يقل عن 27 شخصا خلال ثلاثة أيام في هجوم يهدف لاستعادة السيطرة على الرستن”. واضافت إن “اثنين من القتلى من المنشقين عن الجيش والباقين قرويون في البلدة”.
السلاح الى العلن
بعد أشهر من إنكار المعارضين لوجود مسلحين مناوئين للنظام وإنكار تهريب السلاح من جهات إقليمية بدأت تتكشف خيوط جديدة في “الثورة السورية” مع بدء مرحلة أمنية بامتياز تقوم على الاغتيالات والمواجهة المفتوحة مع الجيش والأمن. وفي السياق ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” إن مجموعة من “العسكريين المنشقين” يسمون أنفسهم “الجيش السوري الحر” يسعون لتنظيم تحدٍ مسلح في وجه النظام والدولة، وهو ما يشير إلى خطوة تثير مخاوف البعض بينما يأمل البعض الآخر أن تكون بدء مرحلة جديدة في الثورة “السلمية” السورية!.
الى ذلك، أكد النقيب ابراهيم مجبور أحد مؤسسي “الجيش السوري الحر” لـ”العربية.نت” أن الضباط وصفّ الضباط والجنود المنشقين هم مع “الثورة” السلمية حتى النهاية، معتبراً أن من واجبهم كعسكريين، حمل السلاح والدفاع عن الشعب وعن “سلمية الثورة”.
وكشف أنهم سيعلنون عن فتح باب التطوع للجيش السوري الحر خلال فترة وجيزة.
وكان مجبور قال في تصريحات سابقة إن الجنود المنشقين يقومون بعمليات وصفها بـ”النوعية” ضد قوات الأمن والجيش السوري في عدة مدن سورية، معرباً عن أن هذه العمليات تنال كل من يستهدف الشعب والممتلكات العامة والمتظاهرين السلميين ويمارس اعتقالات تعسفية حسب تعبيره. كما أكد أن الجيش السوري الحر شكَّل كتائب في عدة مدن سورية، وأن لها قادة ميدانيين يتواصلون مع القيادة. وحسب “العربية.نت”، تتوزع كتائب الجيش الحر حسب الضابط في حمص حيث تتواجد كتيبة خالد بن الوليد وهي أكبر الكتائب، فيما تتمركز كتيبة معاوية بن أبي سفيان في دمشق، وكتيبة أبي عبيدة بن الجراح في ريفها، وكتيبة حمزة الخطيب في إدلب وجبل الزاوية، وكتيبة يتراوح عددها بين 300 إلى 400 عسكري وضابط منشق في البوكمال. في حين أن القيادة تتمركز على الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا حيث الغابات الكثيفة التي تمنع الجيش السوري والأمن من الوصل إليها حسب قوله.
Leave a Reply