توقفت المواجهات العسكرية في حي الطيري بمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولم تنتهِ المعركة بين عناصر من حركة «فتح» من ضمن القوة الأمنية المشتركة، ومجموعة المتشدد الإسلامي بلال بدر، الذي اقتطع هذا الحي وأقام فيه مربعاً أمنياً أو ما يشبه «إمارة إسلامية» له، مثله مثل سائر «الأمراء الإسلاميين» كأسامة الشهابي رئيس تنظيم «فتح الإسلام» الذي أسّسه شاكر العبسي، وخاض عام 2007 مع الجيش اللبناني معركة عسكرية دامت نحو ثلاثة أشهر في مخيم نهر البارد شمال طرابلس، وانتهت بسقوط المخيم واستسلام العناصر المسلحة وفرار بعضهم كالعبسي، ولجوء البعض الآخر إلى مخيم عين الحلوة، حيث تطالب السلطة اللبنانية من الفصائل الفلسطينية بتسليمهم ومنهم شادي المولوي وعبد الغني جوهر وآخرون من اللبنانيين الفارين من وجه العدالة.
مواجهة شرسة
فبعد نحو خمسة أيام من القتال في حي الطيري الذي يتكدّس فيه نحو 400 منزل، لم تتمكن حركة «فتح» ومَن ساندها من فصائل فلسطينية، من الحسم العسكري النهائي للمعركة، وقد دفعت بعشرات المقاتلين لتواجه ردّاً من مجموعة بدر التي استخدمت الأسطح العالية للقنص على القوة المهاجمة التي كان عليها أن تجتاز الأزقة والزواريب المؤدية إلى أحياء الطيري والمنشية والرأس الأحمر والصفصاف، إذ تبيّن للمقاتلين «الفتحاويين» شراسة المواجهة التي كان مقدراً أن يستسلم فيها بدر ومجموعته التي قدّرت بحوالي 50 عنصراً، إلا أنه استمر في القتال، ولم يوقفه إلا بعد أن اشتدّ الحصار عليه، وخاف أن تخف ذخيرته، وشعر أنه قد يبقى وحيداً في المعركة، إذ لم تسانده التنظيمات الأخرى، كـ«جند الشام» و«الشباب المسلم»، إضافة إلى أن «عصبة الأنصار» بقيادة أبو شريف عقل، و«الحركة الإسلامية المجاهدة» بقيادة جمال الخطاب، يشاركان في القوة الأمنية المشتركة، التي تشكّلت بقرار سياسي من القيادة السياسية–الأمنية الفلسطينية العليا، لضبط الوضع الأمني في المخيم، وتسليم المطلوبين إلى السلطة اللبنانية، لتفادي مصير مخيم نهر البارد.
ومع قرار «فتح» بالاستمرار في المعركة حتى تسليم بدر نفسه، أو قتله أثناءها، فإن مسؤولي التنظيمات الإسلامية، تأكّد لهم من خلال الاجتماعات المتواصلة التي كانت تُعقد لبحث الوضع في مخيم عين الحلوة، بأن المعركة هذه المرة ليست كسابقاتها، سيتم وقفها فوراً، إذ اتّخذ قرار فيها بعد زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) إلى لبنان، قبل أكثر من شهر، وتمّ التباحث بشأنها مع المسؤولين في الدولة، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة سعد الحريري، إضافة إلى قيادات أمنية رسمية لبنانية يتقدمهم مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم المكلّف بالملف الفلسطيني في لبنان.
وكان الرئيس الفلسطيني، يطالب من خلال اللقاءات، أن يقوم الجيش بمهمة إزالة البؤر الأمنية في مخيم عين الحلوة، أو يشارك مع قوة أمنية فلسطينية مشتركة، لكن الإقتراحين رفضا من قبل القيادات اللبنانية، وأن تقوم بذلك الفصائل الفلسطينية التي تمسك بأمن المخيمات في لبنان، وأن الدولة تعود إليها متى تمّ تسليم السلاح بداخلها، ولكن هذا الموضوع رُبط من قبل بعض الفصائل الفلسطينية بحق العودة، وأن يستخدمه لبنان كما القيادة الفلسطينية كأداة ضغط، سياسية في المفاوضات حول حل المسألة الفلسطينية، لكن هذه النظرية حصل خلاف حولها، حتى بين اللبنانيين الذين اتّفقوا على طاولة الحوار التي عقدت في العام 2006 في مجلس النواب على تسليم السلاح خارج المخيمات في الناعمة وقوسايا وعين كفرزبد، على أن يبقى السلاح داخلها إلى حين الحل النهائي لأزمة الصراع العربي–الإسرائيلي.
لا غالب ولا مغلوب
مع انقسام اللبنانيين حول موضوع السلاح الفلسطيني، بقي الوضع داخل المخيمات تحت إدارة الفصائل الفلسطينية، والأقوى منها، التي كانت دائماً حركة «فتح» وهي تمثّل الفصيل الأم، إلا أن الانشقاقات التي عصفت بها، أضعفتها وتوزّعت بين حركة «فتح–الإنتفاضة» التي أسسها العقيد «أبو موسى»، و«فتح–المجلس الثوري» التي أسسها صبري البنا المعروف بـ«أبو نضال»، و«فتح–التيار الإصلاحي» التي أسسها محمد دحلان، والتي يقودها في عين الحلوة العميد محمود عيسى المعروف بـ«اللينو»، والذي يعتبر الأكثر مواجهة مع المجموعات الإسلامية المتشددة، إذ حصلت عمليات اغتيال وتفجير متبادلة بين الطرفين، وكان بدر هو أكثر الذين نفّذوا جرائم قتل ضد عناصر من «فتح» إذ قتل منهم نحو 12 بين قيادي بارز وعنصر، مما كان يؤدي إلى خلق التوتر في المخيم، ووقوع اشتباكات فيه، دون أن تتوقف الأعمال الإرهابية. وعندما اتّخذت القيادة الفلسطينية في رام الله قراراً بإنهاء وجود هذه البؤرة الأمنية، وقف «اللينو» مع رفاقه السابقين في «فتح» التي طُرد منها، فتوحّدت البندقية ولم تتوحد القيادة فقاتل الفتحاويون جنباً إلى جنب ضد مجموعة بدر المسلحة، وقاد رئيس الأمن الوطني الفلسطيني صبحي أبوعرب، واللواء منير المقدح قائد الكفاح المسلح في المخيم المعارك في حي الطيري، ولم تتوقف إلا بعد أن تدخلت كل من «عصبة الأنصار» و«الحركة الإسلامية المجاهدة»، وقدمت حلاً بأن يخلي بدر حي الطيري ويتوارى عن الأنظار، وتتقدّم قوة أمنية مشتركة قوامها عناصر إسلامية فيها لضبط وقف النار، ومعالجة الوضع الأمني الشامل بعد أن يسود الهدوء في المخيم، وبذلك لا يكون أي طرف حقق انتصاراً على الآخر، وتمّ وقف القتال بالتراضي، لأن استمراره كان سيؤدي إلى توسع رقعة الإشتباكات، لو ساندت قوى إسلامية متشددة أخرى مجموعة بدر، وهي لم تفعل لأن أهالي المخيم استغاثوا لوقف إطلاق النار، بعد أن حاصرتهم القذائف وأعمال القنص التي أدّت إلى مقتل 7 وجرح 42، وحصول دمار شامل بنحو 60 منزلاً وتضرر محلات وتسجيل حركة نزوح كثيفة.
أزمة مفتوحة
توقفت الاشتباكات ولم تنتهِ المعركة في مخيم عين الحلوة الذي قد تعود إليه في جوله جديدة، إذا لم يسلّم بدر نفسه وهو لن يفعل، مما يعني أن التوتر سيبقى، والقضية ليست في حي الطيري فقط الذي كان بدر يتمركز فيه، بل بأحياء الطوارىء والصفصاف التعمير وغيرها التي يُمنع على القوة الأمنية المشتركة أن تتواجد فيها، أو تقوم بمهام داخلها، مما يؤشّر إلى أن النار تحت الرماد، وقد تشتعل في أية لحظة، حيث بدأ كل فصيل فلسطيني يجري تقويماً لما حصل وللنتائج التي ظهرت على الأرض، إذ تبيّن لحركة «فتح» ومَن ساندها من فصائل أن الحسم العسكري صعب ومكلف ويلزمه وقت طويل.
وأظهرت العملية العسكرية التي جرت ولو محدودة في حي الطيري، للجماعات الإسلامية المتشددة في المخيم، أن قراراً سياسياً فلسطينياً قد أتّخذ وهذه المرة من رام الله مقر السلطة الفلسطينية، وهو سيُستكمل، وستُعطى فرصة للهدنة التي أعلنت عن وقف إطلاق النار، للإتصالات بين هذه الجماعات من أجل تقديم حل، يمنع تكرار ما حصل في مخيم نهر البارد أو اليرموك في عين الحلوة، حيث قدّم أسامة الشهابي اقتراحاً بأن يخرج المقاتلون إلى سوريا، كما يحصل فيها عند إجراء مصالحة في بلدة ما باتت محاصرة، أو يخرج مَن لا يريد أن يسلّم نفسه للسلطة أو يعيش تحت كنفها إلى مناطق أخرى مازالت تحت سيطرة المسلحين، وهذا الإقتراح مطروح للنقاش بين الفصائل الفلسطينية، وقد يكون أحد الحلول التي تنقذ المخيم من الدمار والتهجير.
فهل يكون اقتراح مسؤول «فتح الإسلام» في مخيم عين الحلوة حلاً؟ وقد سبقه إليه مؤسس هذه الحركة شاكر العبسي، أثناء معارك مخيم نهر البارد، وقد أُعلن أنه خرج من المخيم دون أن تُعرف وجهته، ومازال مجهولاً، إذ أن أكثر من رواية تحدثت عنه، بأنه أعتقل مرة ثانية في سوريا، كما قيل إنه عاد إلى العراق وقُتل فيه، وذُكر أيضاً أنه قُتل وهو يعبر الحدود السورية–الأردنية.
وبلال بدر الذي توارى عن الأنظار قد يصبح لغزاً آخراً كشاكر العبسي، كما شادي المولوي الذي تردّد أنه عاد إلى طرابلس، وهو من أبرز المطلوبين، لكن كل ذلك لا يعني أن الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة قد استتب، بل هو في مرحلة الهدنة المؤقتة، بانتظار ما ستتوصل إليه الإتصالات واللقاءات من حلول حول مصير المطلوبين، فهل يسلّمون أنفسهم، أم يخرجون من المخيم باتفاق، أو بغص نظر عن تواريهم، وأين ومتى ستنتشر القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة، وهل تستعيد «فتح» المخيم الذي كان قوتها الأساسية في لبنان على مدى عقود، ولها فيه أقوى الحضور التنظيمي والشعبي؟
أسئلة بدأت تُطرح مع توقف معارك الخمسة أيام في حي الطيري، والتي قد تعود في أي وقت، إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي، كما كان يحصل في السابق تحت شعار «الأمن بالتراضي»، فهل هذه المرة يحسم الأمر عسكرياً؟
Leave a Reply