نيويورك - بالتعاون مع «المتحف العربي الأميركي الوطني» في ديربورن يستضيف متحف جزيرة أليس الوطني في نيويورك معرضاً لذكريات حي «ليتل سيريا» (سوريا الصغيرة)، في مبادرة هدفها احياء تاريخ هذا الحي الذي شكل على مدى عقود طويلة القلب الاقتصادي والثقافي النابض للجاليات العربية في الولايات المتحدة، وأيضاً مواجهة الافكار النمطية السلبية عن العرب.
في الثمانينات من القرن التاسع عشر، وحتى الأربعينات من القرن العشرين، كان حي «ليتل سيريا» يمتد على عشرة بلوكات في اقصى جنوب غربي مانهاتن.
وكان سكانه أساساً من المسيحيين الآتين من لبنان ودمشق وحلب، في زمن كانت كل هذه البقاع تتبع السلطنة العثمانية.
وكانت التجارة تشكل العصب لهذا الحي، وفيه تتوزع متاجر الغذاء والفاكهة المجففة والفستق والحلويات، الى جانب باعة القماش، وغير ذلك من المهن التي حملها المهاجرون معهم الى بلاد العم سام.
وكان الحي أشبه بعاصمة للمهاجرين العرب في الولايات المتحدة، وملتقى للكتاب والشعراء والفنانين، إضافة الى كونه نواة انطلق منها آلاف العرب الأميركيين الى جميع أنحاء الولايات المتحدة، مثل بنسلفانيا وأوهايو وميشيغن وتكساس وكاليفورنيا.
فعلى صفحات واحدة من الصحف العديدة التي كانت تطبع في الحي، نشر الاديب اللبناني جبران خليل جبران كتابه الأول «الموسيقى» في العام 1905.
وفي أزقة هذا الحي، نشأت «الرابطة القلمية» التي ضمت أدباء كباراً من سوريا ولبنان، أبرزهم ميخائيل نعيمة ورشيد أيوب وإيليا أبو ماضي. وكانت «الرابطة» تناصر قضايا التحرر العربية من الاستعمار. كما شهد الحي إطلاق أول الصحف الناطقة باللغة العربية وأولى الكنائس العربية في الولايات المتحدة.
ويقول ديفون أكمون مدير «المتحف العربي الأميركي الوطني» «كان لذلك انعكاس كبير على هذا البلد.. كان الأمر أشبه بحوار بين سوريا (بلاد الشام) وحي سوريا الصغيرة».
لكن الحي مسح عن الخريطة بعد ذلك، إذ أن مشروع نفق «بروكلين» الذي يصل اليوم مانهاتن ببروكلين، أتى عليه اعتباراً من العام 1940، ولم يبق منه اليوم سوى بضعة مبان.
ولدت فكرة هذا المعرض في العام 2011، واليوم أصبح المعرض حقيقة، إذ فتح أبوابه السبت الماضي في «متحف أليس آيلاند للهجرة»، وهي الجزيرة التي كانت نقطة وصول ملايين المهاجرين الى أميركا منذ الثمانينات من القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين.
ومن المقرر أن يستمر المعرض حتى التاسع من كانون الثاني (يناير) القادم، مع توقعات بجذبه ٣٠٠ ألف زائر بحسب المنظمين.
ويضيء رعاة المعرض على تاريخ حي «ليتل سيريا» بهدف تبديد الصور السلبية عن العرب الأميركيين بعد هجمات ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١، وحسم «الجدال حول العرب الأميركيين وموقعهم في المجتمع الأميركي»، بحسب أكمون. ويضيف «رأينا أنه الوقت المناسب لاعطاء المعلومات الصحيحة عن العرب الأميركيين، وأيضاً أن نضع الموضوع في إطاره التاريخي الكبير من الهجرات الى الولايات المتحدة».
ويقول أكمون «نريد للأميركيين أن يعرفوا بكل بساطة أن العرب الأميركيين موجودون هنا منذ زمن طويل، على أمل أن يؤدي ذلك الى تنوير بعض العقول».
ويضيف أن المعرض صُمّم بشكل يتيح لكل زواره أن يشعروا أنه يعبر عن جزء من تاريخ عائلاتهم، من خلال الصور والوثائق واللافتات المعروضة، والتي تصور الحياة اليومية في الحي.
ومن الصور المعروضة واحدة تظهر عدداً من الرجال متحلقين حول نرجيلة ويتناقشون في ما يبدو انها قضية مهمة، وصور تظهر مطاعم في الحي، منها «مطعم خليل» الذي كان يمكنه أن يستقبل ألف زبون في وقت واحد.
ويشمل المعرض بعض الصور التاريخية للمصورة بيرنيس أبوت (١٨٩١-١٩٩١)، إضافة الى النسخة الأولى من كتاب «النبي» موقعة من جبران خليل جبران الى جانب رسائل له.
ويقول تود فاين رئيس «جمعية واشنطن ستريت التاريخية» التي تسعى للحفاظ على ذكرى الحي، إن هذا المعرض «يحول ذكريات الحي الى تاريخ إنساني، بصرف النظر عن الاصل والدين واللغة».
Leave a Reply